بين أحلام اليمين ومطرقة الحرب القادمة
أمام التطوّرات المتوقّعة خلال الأيام والأسابيع القادمة تبدو المنطقة أمام فتيل قد يشتعل في أية لحظة.
يظنّ بعض حكّام الأنظمة العربية أن الكيان الصهيوني مثل سائر الدول، يمكن أن يتبادلوا معه العلاقات باحترامٍ والالتزام بالمواثيق والأعراف الدبلوماسية، بل يدّعي بعضهم أكثر من ذلك أنه بإمكانه كَسْب بعض النقاط التي عجزت عن تحقيقها المقاومة الفلسطينية المسلّحة، ويروّج بأن المفاوضات هي الحل السحري الذي سيُعيد للفلسطينيين أرضهم، أو بالأحرى المحافظة على بعض أراضي الضفة الغربية.
وعلى هذا الأساس بنت "إسرائيل" قوّتها ومشروعاتها على الضعف العربي والمراهنات التي كان الحكّام يظهرونها باعتبارها خلاصاً من الصراع العربي الإسرائيلي وتتويجاً لقادم من الأيام تكون فيها المنطقة خالية من الحروب والنزاعات. وأمام التطوّرات المتوقّعة خلال الأيام والأسابيع القادمة تبدو المنطقة أمام فتيل قد يشتعل في أية لحظة.
هنا، يطلب مثلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غطاءً أميركياً لضمّ أجزاء من الضفة وكامل غور الأردن. الرئيس الأميركي مُتحفّز للخطوة ويريد دعم الخطة. لكن، لا يوجد قرار نهائي في الكونغرس يُحدّد الخطوات التي تمهّد ضمّ أراضي الضفة، ففي الوقت الذي ينشغل فيه الدبلوماسيون الإسرائيليون والأميركيون في رسم خرائط التقسيم التي تعطي الاحتلال 30% من الأراضي، تعارض المؤسّسات الأمنية الإسرائيلية العملية لما لها من عواقب أمنية قد تؤدّي إلى إشعال حرب غير مضمونة النتائج، في وقت أرسل فيه حوالى 220 من قادة الجيش والشرطة والمخابرات السابقين رسالة تعارِض الذهاب نحو هذا الخيار، ما يُنذِر بإشعال انتفاضة جديدة وسقوط وابل من الصواريخ فوق المستوطنات لن تكون تل أبيب بمنأى عن ذلك.
من جهة أخرى يتناقل دبلوماسيون أن المقاومة في لبنان بصدد فتح جبهة الشمال في حال استمرت الإدارة الأميركية في فرض العقوبات الاقتصادية على لبنان، ما قد يشكّل إرباكاً على الجبهات الأخرى. وهذا التوقّع لو حصل ستكون "إسرائيل" والمنطقة أمام مخضّات كُبرى.
على صعيد آخر لا يبدو أن "إسرائيل" ستحظى بغطاءٍ دولي في عملية الضمّ، بل بدأت تواجه معارضات دولية حيث وصفت الأمم المتحدة الأمر بأنه انتهاك للقانون الدولي، ولكن ماذا يعني أن يضمّ الاحتلال 30% من الضفة؟
يعتبر اليمين الإسرائيلي الضمّ فرصة تاريخية انتظرها طويلاً، فذلك يعني امتلاك "إسرائيل" حدوداً شرقية دائمة للمرة الأولى، وبالسيطرة على غور الأردن يعني القضاء على قيام دولة فلسطينية والوصول إلى شمال بحر الميت ما يعظّم أحلام إسرائيل في إنشاء مناطق تجذب السيّاح في تلك الأراضي.
فغور الأردن يشكّل لوحده 1.6 مليون دونماً يبدأ من بحيرة طبريا في الشمال وحتى البحر الميت، وهي أراضٍ صالحة للزراعة وتوليد الطاقة واستخراج المعادن، لكن مشكلة هذه الأراضي أنها لا توجد لها أية أهمية عسكرية. ففي حال سيطرت القوات الإسرائيلية عليها ستجعل قواتها مكشوفة أمام أية ضربات صاروخية، لكن مع ذلك إن ضمّ الأراضي سيُعزّز مكانة نتنياهو في البيت اليهودي، في حين سيشكّل ذلك إرباكاً كبيراً للأردن وتعقيداً لحياة الفلسطينيين.
بناء عليه، يرى خبراء إسرائيليون أن العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية وصلت إلى مراحل مُتقدّمة، خصوصاً بعد التعاون مع الإمارات التي أرسلت العلاجات لمُصابي فيروس كوفيد 19، بالإضافة إلى تشكيل جبهة إسرائيلية- عربية بوجه إيران. لكن هناك احتمال كبير أنه مع تنفيذ خطة نتنياهو ستخسر "إسرائيل" هذا التحالف نظراً لوجود اعتراضات خليجية، وانقسام داخلي.
مقابل ذلك يرى اليمين المُتشدّد في تل أبيب أن على نتنياهو رفع السقف وطلب عدم الاكتفاء بضمّ 30% من الأراضي، بل منع إحلال أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية.
ورغم المعارضات الدولية التي لم تؤثّر يوماً على قرارات الكيان، فإنّ المخاوف الإسرائيلية ترتبط تحديداً بالمقاومة التي تأخذ الحيّز الأكبر من حسابات "إسرائيل"، خصوصاً وأن أمام المؤسّسات الأمنية الإسرائيلية ثغرات ومخاطر أظهرتها السنوات السابقة. رغم ذلك تبقى القرارات الكُبرى بيد السياسيين الإسرائيليين الذين يمتلكون مفاتيح الحرب في المنطقة وربما جرّ العالم إلى حربٍ كونيةٍ أخرى.