وديعة الخالق بين حكم العرف والمطارق
نحن بحاجة اليوم إلى إعادة تعريف لمكونات هذا المجتمع، وتحديداً المرأة. على المجتمع أن يعي بالدرجة الأولى مفهوم الإنسانية، البعيد عن التمييز الجندري، وبعد ذلك أن ينظر ويقرأ بكل الكتب والشرائع الدينية والسماوية، عليه أن يعي أن المرأة هي الروح، واذا راجع قصص وكتب المناضلين سيرى أن المرأة هي الوطن.
تقترب أولى نسمات الربيع، بالتزامن مع يوم المرأة العالمي، ومعها تكثر الأحاسيس المرهفة والصور النمطية والأقوال والأخبار والاقتباسات، كلها تصب في "مزهرية" هذا المناسبة السنوية. هذه "المزهرية" التي تظهر كل سنة في هذا اليوم، ليُحدثّنا الجميع عن المرأة ودورها وأهميتها في المجتمع، وعن النظريات والأسس والرؤى التي تختفي جميعها بعد 24 ساعة تماماً كما تحديثات القصة و"الوضعية" على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكأننا بحاجة إلى يوم لتذكيرنا بالمرأة، يغفل البعض طوال السنة عن قضاياها، لتصبح بعض أخبارها روتيناً يومياً بين التحرش والتمييز والأحكام الرجعية، الخالية من الروح والإنسانية.
يعتلي عدد من الرجال والنساء الذين يعرفون حقوق المرأة المنابر، يتحفونك بطيب الحديث وطلاوته وحلاوته، فيما النساء بين حكم العيب وبعض الأعراف القديمة والجندرية تتقهقر. فيقدمون لها الإنصاف والاحترام والعلم وغير ذلك على أنهم "هبة".
وفي المقلب الآخر قضاة وقاضيات الأحكام العرفية التقليدية، الذين يتبعون الفتاة في كل التفاصيل، "متى يكون ذاك اليوم الذي أفرح بك يا بُنيتي وأراك عروساً بحلة بيضاء بهية؟"، ألا يمكنكم أن تفرحوا بها كل يوم؟ أليست كل يوم بحلّة بهية؟ أم الشرط أن تتزوج لترضي المجتمع لتكون امرأة مثالية! فبعض النسوة هم أشد من بعض الرجال ذكورية!
قلت لإحداهن يوماً إننا لا زلنا على عادة وأد الفتيات، ليس بالشكل المعتاد في أيام الجاهلية، لكن الأهل لا زالوا يدفنون فتياتهن حين يعتقدون أن طموح المرأة الأقصى أن تبني أسرة زوجية وتقوم بالأعمال المنزلية. فيما تكتمل المرأة بالشقين العائلي والعملي. المشكلة تقع في الأفكار البالية المتجذرة. فمن ناحية هناك من يتصرف معها بتطرف في طريقة تقييدها، وهو أمر مخالف للدين وقيمه، ومن ناحية أخرى باتت البذاءة والسطحية، هي السمة العامة في عدد كبير من المجتمعات، من خلال نظرتهم إلى المرأة من خلال الجسد والمظهر، من دون رؤية الجوهر. وهذه الفئات من الناس لا يمكن أن نقول إنها تعرف الدين. بل هي لا تزال عالقة في تخبطات فهمه منذ قرون. فئات وصلت الحضارة إليهم بالشكل والمظهر وليس بالجوهر.
يدّعون الإنسانية وجلّ ما يمارسونه يبقى في إطار المادية. فيغرقونها بالحب، والشعر، والكلمات، والزهور، والحلوى، لكن من دون أن يعطوا أهمية لفكرها وعمقها وتضحياتها. عمدوا إلى تأطيرها بالزواج، حتى صار فقط طريقة للبقاء في المجتمع، وليحظى الشخص بالقبول الجماعي، بعيداً عمّا يشعر به أو يريده فعلًا.
وفي المقلب الآخر، أناس يطرحون تضامنهم مع حقوق المرأة في العلن، لكن ينافقون في السرّ. فالرجل إذا ساعد زوجته يقول عنه البعض هذا "خروف" تارةً، وإذا طلبت الزوجة من زوجها أن يساعدها يهبّ بـ"نخوته"، "أنا أجلي الصحون؟!"، وطبعاً هذا الأمير غير معمّم. وهنا تقوم السجالات على أمر في غاية البديهية وهو جزء صغير من تضحيات "الحياة الزوجية".
أما في السياسة والشأن العام، فحدّث ولا حرج، نتنباهى بأن لدينا "نائبة"، فيما المرأة في بلادنا لا تزال عاجزة عن نيل كافة حقوقها الأساسية. وعلى الرغم من الأن الخطوة الأولى إيجابية لكنها تحتاج أن تكتمل بأن يكون المجتمع منصفاً في حقها.
ما دمنا سعيدين وسعيدات ونهلل ونطبل لأمور بهذه البديهية، لن يكون هناك مساواة! لا زلنا نعيش في رجعية ونظن بأنها حياة "عصريّة"، وكلما جرت حملة أو مطالبة أسقطنا عليها شمّاعة "النسوية"!
نحن بحاجة اليوم إلى إعادة تعريف لمكونات هذا المجتمع، وتحديداً المرأة. على المجتمع أن يعي بالدرجة الأولى مفهوم الإنسانية، البعيد عن التمييز الجندري، وبعد ذلك أن ينظر ويقرأ بكل الكتب والشرائع الدينية والسماوية، عليه أن يعي أن المرأة هي الروح، واذا راجع قصص وكتب المناضلين سيرى أن المرأة هي الوطن.
أقوال واقتباسات وخطب كثيرة قيلت عن المرأة لكنها لا تزال في إطارها النظري، لأن ما لدينا هو فكر مُشوش ومشوّه يمنعها من تطبيقها. جمال المرأة لكونها ببساطة هي! أعتقد أن جزءًا من الرحمة الإلهية ورحمة الطبيعة قد أُودعت في النساء، وأن إحدى أبهى تجليات جمال الرب والطبيعة هي النساء. ولو تعمقنا وفهمنا الله سندرك هذه الرحمة والجمال، وإذا فهمنا المرأة سندرك جمال ورحمة الرب، في ظل كل قسوة هذه الحياة.