هل تورط المغرب بفتح موانئه للسفن الإسرائيلية؟
كيف تورّط المغرب لتصبح موانئه ملاذاً للسفن الحربية الإسرائيلية وملاذاً للسفن المُحمّلة بمعدّات حربية وعسكرية متجهة إلى "إسرائيل"؟ أيعقل أن تكون إسبانيا مثلاً أكثر إنسانية وموضوعية سياسية من المغرب؟
-
يتناقض التورّط المغربي الرسمي مع الإرادة الشعبية المغربية.
كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة هشاشة ما يُعرف بالأمن القومي العربي وأبرز مقوّماته دعم صمود الشعب الفلسطيني، وقد يُفهم الموقف الرسمي المكتفي بالشجب والتنديد والاستنكار، ولكن ما الذي يدفع نظاماً رسمياً عربياً للتماهي مع "إسرائيل" إلى حدّ الاقتراب منها والاشتراك معها في توقيت الحرب والإبادة الحاصلة في قطاع غزة.
صحيح أنّ كلّ الدول العربية المُطبّعة لم تُوقف أو تُجمّد تطبيعها، وصحيح أنّ العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل" لم تشهد خلال حرب الإبادة توتراً وبروداً بل على العكس فإنّ بعض الدول العربية شهدت علاقاتها تقارباً تجارياً واقتصادياً ملحوظاً مع "إسرائيل".
ورغم الرؤية العربية الرسمية لـ "إسرائيل" ومحدّدات العلاقة معها يبقى السؤال لماذا تتورّط دولة عربية في أن تكون بوابة لوجستية بحرية لدعم "إسرائيل" عسكرياً؟، كيف تورّطت المغرب لتصبح موانئها ملاذاً للسفن الحربية الإسرائيلية وملاذاً للسفن المُحمّلة بمعدّات حربية وعسكرية متجهة إلى "إسرائيل"؟، أيعقل أن تكون إسبانيا مثلاً أكثر إنسانية وموضوعية سياسية من المغرب؟.
شواهد تورّط المغرب في ما يُمكن تسميته بمرحلة ما بعد التطبيع، وهو إتاحة موانئ المغرب لتصبح تحت تصرّف "إسرائيل"؛ وقد بدأ تورّط المغرب يتكشّف عندما رست سفينة "كوميميوت" العسكرية الإسرائيلية في ميناء طنجة في السادس من حزيران/يونيو 2024. وذلك بقصد التزوّد بالوقود والطعام لتواصل إبحارها نحو ميناء حيفا.
التزام المغرب الصمت لم يمنع الإعلام الإسرائيلي من التبجّح؛ وقد جاء في صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية أنّ سفينة الإنزال الجديدة التي تلقّاها "الجيش" الإسرائيلي من الولايات المتحدة، رست في ميناء طنجة المغربي، للتزوّد بالإمدادات والمؤن والوقود، بعد رحلة طويلة من ميناء باسكاغولا في ولاية مسيسيبي الأميركية، قبل أن تتابع طريقها إلى القاعدة البحرية في حيفا، والتي وصلتها الأحد الماضي، وباتت جاهزة للتدخّل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتُعدّ هذه السفينة الثانية التي تصل إلى "إسرائيل"، بعد أن تلقّت البحرية الإسرائيلية سفينة إنزال أخرى في أيلول/سبتمبر 2023، وكانت كذلك قد حلّت ضيفة على ميناء طنجة المغربي، قبل أن تصل إلى القاعدة البحرية في حيفا.
ورغم انكشاف الأمر إلّا أنّ الملاحظ تجاهل المغرب الرسميّ للواقعة وتبعاتها، وذلك على عكس ما فعلته إسبانيا التي منعت سفينة "ماريان دانيكا" من الرسو. وكانت السفينة التي تحمل 27 طناً من المتفجّرات ومتجهة بها إلى "إسرائيل" قد طلبت الإذن بالتوقّف في ميناء قرطاجنة، في 21 أيار/مايو 2024. ولم تسمح لها إسبانيا بذلك.
وقال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه ألباريس، إنّ بلاده لن تسمح للسفن التي تحمل أسلحة لـ "إسرائيل" بالرسو في موانئها، وذلك بعد أن رفضت السماح لسفينة بالرسو في ميناء قرطاجنة بجنوب شرق البلاد. وأضاف أنّ السفينة كانت أول سفينة تُمنع من الرسو في ميناء إسباني، مشيراً إلى أنّ الرفض يتسق مع قرار الحكومة بعدم منح تراخيص لتصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لأنّ إسبانيا "لا تريد المساهمة في الحرب".
لم تكن وقائع استضافة السفن الحربية الاسرائيلية السالفة هي الأولى أو الثانية، إذ يُلاحظ أنّ المغرب الرسميّ لم يتوقّف عن التورّط رغم التظاهرات الشعبية الداعمة لفلسطين والمسيرات الرافضة للتطبيع. وفي أحدث وقائع التورّط المغربي مع "إسرائيل" في الدعم اللوجستي البحري؛ كشفت بيانات ملاحية في 20 نيسان/أبريل 2025، أنّ سفينة متجهة إلى "إسرائيل" رست في ميناء الدار البيضاء عند الساعة 4:48 بتوقيت غرينتش، وذلك رغم موجة الرفض الشعبي المغربي.
وتُظهر البيانات أنّ السفينة "ميكسو ميرسك" التي تحمل رقم التسجيل "9220885"، تتبع لشركة "ميرسك" الدنماركية، وترفع علم هونغ كونغ، وقد ظلت تدور في محيط الميناء منذ وصولها في 18 نيسان/أبريل 2025. مقبلة من ميناء فالنسيا الإسباني.
وأشارت حركة مقاطعة "إسرائيل" إلى أنّ "الجماهير المغربية وعمال الميناء ساهموا في عرقلة مسار السفينة، التي تُعدّ جزءاً من أسطول الشركة الدنماركية المتواطئة في تغذية الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضدّ غزة".
وكانت النقابة الوطنية لعمال الموانئ في المغرب قد دعت جميع العاملين بميناء الدار البيضاء إلى مقاطعة السفينة التي وصفتها في بيان رسمي بأنها "محمّلة بشحنة عسكرية موجّهة إلى الكيان الإسرائيلي". وذكرت النقابة أنّ السفينة التي تحمل رقم التسجيل 9333034- قد غادرت ميناء نيويورك في 13 نيسان/أبريل 2025، متهمة بنقل معدات عسكرية، من بينها قطع غيار لطائرات أف-35 الحربية، إلى جانب إمدادات أميركية "فتّاكة"، في سياق الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
وفي سياق متصل يثبت وقائع التورّط المغربي في وضع الموانئ المغربية رهن التوظيف الإسرائيلي كشفت منصتا الصحافة الاستقصائية "ديكلاسيفايد يو كيه" و"ذا دتش" أنّ شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك نقلت حاويتين من قطع غيار مقاتلات أف-35 من مصنع القوات الجوية الأميركية رقم 4 في فورت وورث في ولاية تكساس، الذي تديره شركة (لوكهيد مارتن)، إلى ميناء حيفا. وبحسب المعلومات التي تمّ الكشف عنها، ستنقل الشحنة من ميناء حيفا برّاً إلى قاعدة (نيفاطيم) الجوية الإسرائيلية، والتي تعدّ مقرّاً لسرب مقاتلات أف-35 المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية تسليحاً وتمويلاً، وهي القاعدة ذاتها التي تنطلق الطائرات الحربية منها لشنّ هجماتها الجوية المتواصلة على قطاع غزة وسوريا ولبنان واليمن.
يتناقض التورّط المغربي الرسمي مع الإرادة الشعبية المغربية، يتجلّى ذلك في توصيف كلّ من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، والنقابة الوطنية لعمال الموانئ في المغرب، وحركة مقاطعة "إسرائيل" في المغرب لما يحدث بالقول: "كلّ من أسهم في العمليات المينائية المساعدة لهذه السفينة المتواطئة في إمداد الكيان الصهيوني بالعتاد العسكري الفتّاك هو بالضرورة مسهم بصفة غير مباشرة في حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني". وقد اعتبرت حركة المقاطعة في المغرب تسخير الموانئ المغربية في نقل العتاد العسكري لـ "جيش" الاحتلال "خياراً سياسياً خطيراً يحوّل البنية التحتية الوطنية إلى جسر لإبادة الشعب الفلسطينّي".
ومن الموقف السياسي إلى الموقف الشرعي فقد أصدر علماء في المغرب بياناً شرعياً يحرّم ويدين رسوّ سفن أميركية بميناء طنجة محمّلة بعتاد عسكري موجّه للاحتلال الإسرائيلي، ووقّع عليه مفكّرون ودعاة وخطباء وباحثون طالبوا فيه السلطات المغربية "بالوقف الفوري لأيّ تعاون عسكري أو لوجستي مع واشنطن يسهم في العدوان على الفلسطينيين أو على أيّ مظلوم".
إنّ ما يحدث في موانئ المغرب من السماح للسفن الإسرائيلية أو السفن التي تحمل معدّات عسكرية لـ "إسرائيل" بأن ترسو وتتزوّد بالقود أو تفرغ شحناتها؛ ليس حدثاً عادياً في توقيت عاديّ على الإطلاق وهو عمل مُستهجن شعبياً وجماهيرياً وعربياً وفلسطينياً، وهو اشتراك مع الاحتلال ومشاركة في الإبادة وخذلان للأمّة والتفاف على الدور الذي يقوم به اليمن الشقيق في معادلة "الحصار بالحصار"، واستحضر هنا ما كشفت عنه منظّمة (دا-واتش) الدنماركية بأنّه تمّ استخدام إحدى مقاتلات أف-35 في مجزرة مواصي خان يونس، عندما ألقى "جيش" الاحتلال ثلاث قنابل؛ ما أدّى إلى استشهاد 90 فلسطينياً، بينهم عشرات الأطفال.