من المفاوضات إلى الانقلاب والعدوان: إيران تواجه
هل كانت الولايات المتحدة تعلم أن إيران لن توافق على شروطها خلال المفاوضات، لكنها أعطت مهلة الستين يوماً لتبرر الحرب عليها؟
-
هل كانت الولايات المتحدة تعلم أن إيران لن توافق على شروطها خلال المفاوضات؟
وصلت المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران إلى طريق مسدود قبل بدء الضربات الإسرائيلية، إذ أصرت واشنطن على ضرورة تخلي إيران عن التخصيب، بينما أصرت طهران، ولا سيما المرشد الأعلى علي خامنئي، على أن إيران لن تتخلى عنه أبداً.
بعد حروب بالوكالة وأخرى غير مباشرة امتدت منذ 2018 بأشكال مختلفة بين إيران و "إسرائيل"، وقعت الحرب أخيراً في ظل لا تكافؤ على الصعيدين التكنولوجي والاستخباري والدعم الأميركي والأوروبي والمشاركة الدولية في الحرب على إيران.
هل كانت الولايات المتحدة تعلم أن إيران لن توافق على شروطها خلال المفاوضات، لكنها أعطت مهلة الستين يوماً لتبرر الحرب عليها؟ وأوعزت إلى نتنياهو المتشوق إلى حرب دعا إليها منذ سنوات طويلة، ولا يزال؟
ربما حصل ذلك، حددت الولايات المتحدة الأميركية التوقيت بشخص رئيسها دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، واغتال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق 2020، وهو اليوم يحاول إكمال مشروعه تدمير المشروع النووي بكل الوسائل.
يبدو ترامب واضحاً في استعمال مفرداته هو يريد عقد اتفاق بين "إسرائيل" وإيران لإنهاء الحرب في المنطقة، لكن يبدو أنه لا يراهن على إسقاط النظام، ويترك المهمة لنتنياهو الذي انبرى على شاشات التلفزة يخاطب الشعب الإيراني .
طرح عقد اتفاق أمر مستغرب ومستحيل في ظل المبادئ الأساسية للدولة الإيرانية، إلا إذا تم تغيير رموز الثورة وجرّدوا من كل قوتهم المادية والمعنوية، وهذا ما يعيه نتنياهو. لذلك، حدد هدفه "إسقاط النظام " لأنه على ثقة بأنه في ظل إيران الجمهورية الإسلامية لن يكون هناك أي مجال للاعتراف بالكيان الذي تعدّه لقيطاً.
تم قصف طهران، واستهداف علمائها النوويين، وتم قتل القيادة العليا في الجيش والاستخبارات الإيرانية. وتنفيذ عمليات اغتيال من خلال تعاون شبكات الموساد المنتشرة داخل إيران.
هل كان هناك دور للمعلومات التي كشفتها إيران وقالت إنها حصلت من خلالها على خريطة الأماكن الأمنية والعسكرية النووية الإسرائيلية وشبكة الموساد في الداخل الإيراني وفي المنطقة ما عجّل بخطة ضربها؟
من الممكن، لأن طهران كانت تُضرب من الداخل، وواجهت تحركات أقرب إلى عملية داخلية معقدة مسنودة من شخصيات اقتصادية وعسكرية وسياسية، وعناصر متعاونة مع الموساد. كان الموساد قد تمكن من تأسيس ورشات لصناعة المسيّرات داخل البلاد، وهذا أمر يذكرنا باختراقات محمد فتح غولن وجماعته في تركيا التي جهزت لانقلاب تموز2016.
بمشاركة غربية، واجهت القيادة الإيرانية حرباً مزدوجة تصدت للهجمات الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، واجهت اختراقاً داخلياً كبيراً طمح إلى إسقاط النظام بالتعاون مع "إسرائيل".
من شارك في الهجوم
إيران تعرضت لهجوم من "إسرائيل" ومن عملائها ومن كامل التحالف الغربي، إذ قدمت بريطانيا وألمانيا الدعم الكامل لهذه الهجمات، والقوات الأميركية كانت جزءاً من هذا الهجوم وتحركت كوحدة متكاملة مع "إسرائيل".
لكن، لم تكن "إسرائيل" تتوقع رداً إيرانياً بهذا الحجم. استخدمت إيران صواريخ باليستية ثم صواريخ فرط صوتية، وبتدرج، لم تتمكن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، ولا حتى تلك التي حصلت عليها من الولايات المتحدة، من اعتراضها. آثار التدمير في "تل أبيب" و "حيفا" وعموم المناطق المستهدفة كانت هائلة والأمور في خواتيمها .
اعتقدت "إسرائيل" وكذلك ترامب أن إيران ضعيفة، بعد انهيار "جبهة المقاومة" بقيادة حزب الله، إضافة إلى ما عدّته إنجازاً حققته في هجومها على إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2024، حيث دمرت منظومة الدفاع الجوي الاستراتيجية لطهران، واعتبرت أن الطريق إلى إيران مفتوح أمام سلاح الجو الإسرائيلي، الأمر الذي شكل عاملاً مهماً في قرارها هذا، فسعت إلى استغلال الفرصة بمجرد حصولها على الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تلتقي إدارة ترامب وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأهداف، لكنهما أقل توافقاً في الوسائل. تشتركان في هدف منع الجمهورية الإسلامية من امتلاك سلاح نووي.
أما في ما يتعلق بالوسائل، فقد أراد ترامب تجنب الحرب - فهو يريد أن يكون رئيساً يؤمن بالسلام من خلال القوة، لكنه ينصت إلى محبي "إسرائيل" لذلك ينغمس في الحرب، أما نتنياهو فهو يرى فرصة ضئيلة للقضاء على التهديد النووي الإيراني، ولا يعتقد أن النظام الإيراني سيوافق أبداً على نوع الصفقة التي يريدها ترامب.
بالنسبة إلى نتنياهو، الحرب الآن الخيار الوحيد وما يجمع ترامب ونتنياهو هو أن كليهما مقامر، لذلك، من غير المعقول أن يضغط ترامب على نتنياهو لإنهاء الحرب من دون ما يلزم لضمان أمن "إسرائيل".
طلبت "إسرائيل" المساعدة من الولايات المتحدة والغرب، رغم أن جميع حلفائها من دول المنطقة يدعمونها أصلًا.
حتى قبرص اليونانية تحوّلت إلى قاعدة رئيسية للهجمات. بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا قدّمت — ولا تزال — كل أشكال الدعم العسكري لـ"إسرائيل" في حربها ضد إيران.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد ردت على هجمات "إسرائيل" على المواقع النووية الإيرانية بتأكيد موقفها القائل بأنه "لا تجوز مهاجمة المنشآت النووية أبداً مهما كانت الظروف".
وتراجعت عن تصريح سابق حول خطورة اقتناء سلاح نووي فيما يمكن اعتبار رئيسها رفاييل غروسي شريكاً بالعدوان على إيران.
وأصدر المؤتمر العام للوكالة قراراتٍ تُشير إلى أن "أي هجوم مسلح أو تهديد ضد المنشآت النووية المخصصة للأغراض السلمية يُشكل انتهاكاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والنظام الأساسي للوكالة".
ولعلّ اتساع نطاق الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، والتي شملت أجزاءً رئيسية من بنيتها التحتية النووية، وكبار المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين، ومؤخراً البنية التحتية للطاقة، يفهم في إيران على أنه يهدف إلى تغيير النظام، ما يزيد من احتمالية تفكير طهران في تحقيق اختراق نووي بدلًا من التنازل في أي مفاوضات.
لأول مرة في تاريخها، تُنفّذ إيران هجوماً بهذا الحجم ضد "إسرائيل". وإن تمكنت من مواصلته، فتكون قد وضعت "إسرائيل" في موقف ضعيف لأول مرة منذ 1948. ومع ذلك، يرى المفاوض الإيراني إمكانية أن يفاوض ترامب لإنهاء القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات. وأن أي كلام عن استسلام خطأ كبير في غير مكانه، وكان وزير الخارجية عراقشي قد قال، إن توقفت "إسرائيل" سوف نتوقف.
اعتقدت "إسرائيل" أنها ستجبر إيران على التراجع والاستسلام في غضون أيام فإذا بها تفشل، لذلك ستدفع ثمن هذا الفشل.
وكان محلل "واشنطن بوست" ديفيد اغناطيوس قد أورد أن تسوية الصراع الإيراني- الإسرائيلي عبر المفاوضات ممكنة، خاصة وأن ترامب ما زال مهتماً بإبرام اتفاق نووي مع طهران، بينما تبدي "إسرائيل" شكوكاً حول فعالية أي اتفاق محتمل، وقد تستمر في السعي لتحقيق أهدافها التي من بينها - تغيير النظام في إيران، إن استطاعت إليه سبيلاً.