حين تسقط الأسطورة على أسوار "تل أبيب"
لم تنجح "إسرائيل" في توحيد الدولة الإيرانية فحسب، بل وحّدت الشعب مع النظام في صورة نادرة، وخالفت كل حسابات غرف العمليات الغربية.
-
من الدفاع إلى الهجوم .. إيران تكتب بداية الأسبوع الثاني.
في جمعة النار الثانية، وبعد مرور أسبوع على اندلاع العدوان العسكري الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية، غيّرت الأخيرة مسار الحرب، بل وقواعدها. لم تعد إيران تُقصف فقط، بل أصبحت هي من يُحدد متى، وأين، وبأي طريقة تبدأ الجولة التالية.
صواريخها تحلق فوق "تل أبيب"، طائراتها القتالية المسيّرة تفتك بمنشآت إسرائيلية حساسة، والعدو الذي كان يراهن على ضربة خاطفة تحسم المعركة خلال ساعات، بات يبحث عن ملجأ استراتيجي جديد في خريطة المنطقة.
لم يكن أشد الخبراء تفاؤلاً يتوقع أن تنفذ طهران ضرباتها بهذا الحجم والتنوع والدقة. بحسب القائد الأسبق لحرس الثورة محسن رضائي، فقد أطلقت إيران حتى الآن أكثر من 400 صاروخ و600 طائرة مسيرة، أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية، مخترقة أربع طبقات خرسانية في مقار عسكرية فائقة التحصين. الحصيلة الأولية المعلنة بحسب الإيرانيين: أكثر من 50 قتيلاً صهيونياً وأكثر من 2000 جريح، ناهيك بالدمار الواسع في البنية التحتية الحيوية لمدن كبرى كـ "تل أبيب" وحيفا.
وفي مفارقة لافتة، تشير طهران إلى أنها استخدمت 30٪ فقط من قدراتها القتالية، من دون اللجوء إلى قواتها البرية أو البحرية، ولا حتى التلويح بورقة النفط أو إغلاق مضيق هرمز، ومن دون دعم أصدقائها من دول الطوق التي طلبت المشاركة. إيران تعلن صراحة: "نصعّد تدريجياً ونُبقي فرصة للمدنيين للفرار.
خمسة أخطاء إسرائيلية قاتلة
لم تكن الضربة الإيرانية مجرد رد عسكري، بل إعلاناً ضمنياً عن سقوط الرهانات الإسرائيلية واحداً تلو الآخر:
1. إطاحة قيادة القوات المسلحة لن تُسقط النظام:
في الساعة الأولى من العدوان، اغتالت "إسرائيل" عدداً من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، معتقدة أن الفوضى ستعم الميدان. لكن القيادة البديلة كانت حاضرة، والخط العسكري لم يتوقف لحظة واحدة، بل تصاعد بوتيرة مفاجئة.
2. الرهان على تمرد داخلي فشل:
كانت "إسرائيل" تأمل في اندلاع احتجاجات واسعة في الشارع الإيراني. وسائل إعلام المعارضة روّجت بأن ساعة الحرب هي ساعة إسقاط النظام. لكن النتيجة كانت صادمة: من الرياضيين إلى الممثلين إلى المؤثرين، اصطف الإيرانيون، حتى كثير من المعارضين منهم، في خندق الدفاع عن الوطن، وسادت روح وطنية قل نظيرها.
3. الموساد في قبضة الشارع الإيراني:
تسع خلايا تجسس تابعة للموساد تم تفكيكها خلال أيام، بفضل بلاغات شعبية ومراقبة مجتمعية فاعلة، ما يشير إلى تماسك غير مسبوق في الجبهة الداخلية، وإلى فشل "إسرائيل" في ضرب الداخل من خلال أدواتها السرية.
4. ضرب الإنجاز الاستخباري… في توقيت مريب:
العدوان الإسرائيلي جاء بعد أيام من إعلان الإيرانيين نجاحهم في تنفيذ واحدة من أعقد العمليات الأمنية، تمثلت في الحصول على كميات هائلة من الوثائق الإسرائيلية بالغة السرية حول منشآتها النووية والعسكرية. "إسرائيل" حاولت تحويل الأنظار، لكنها فشلت.
5. سوء تقدير القدرات الصاروخية الإيرانية:
كانت "إسرائيل" وبعض حلفائها يراهنون على أن الترسانة الإيرانية ستُستنزف خلال أيام. لكن ما حدث كان العكس: كل صاروخ أطلقه الإيرانيون كان يحمل رسالة تقنية – استراتيجية – إعلامية: السرعة، الدقة، ونوعية الأهداف كشفت أن إيران تخوض حرباً بنمطها، لا بنمط العدو.
من الدفاع إلى الهجوم.. إيران تكتب بداية الأسبوع الثاني
بدأت الحرب بعدوان إسرائيلي استخباري – عسكري – إعلامي شامل، بغطاء أميركي وغربي واضح، وكانت رسالته: "نحو تغيير النظام في طهران". لكن الرد الإيراني الفوري والمنضبط في آن، فتح صفحة جديدة من المواجهة.
في مستهل الأسبوع الثاني، أطلقت إيران صاروخاً نوعياً يعتقد أنه "فرط صوتي"، دقيق في إصابته، وموجّه إلى محيط "ديمونا" وقواعد السلاح الجوي الإسرائيلي، تلك التي تشكل العمود الفقري لأي حرب مقبلة.
الرسالة لم تكن فقط عسكرية، بل سياسية دبلوماسية، بالتزامن مع دعوات أوروبية للاجتماع مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، ما يعني أن إيران باتت تُمسك بزمام المبادرة: تردّ بالنار، وتفاوض من موقع القوة.
واحدة من أهم الرسائل التي خرجت من قلب العاصفة هي مشهد اللحمة الوطنية الإيرانية. لم تنجح "إسرائيل" في توحيد الدولة الإيرانية فحسب، بل وحّدت الشعب مع النظام في صورة نادرة، وخالفت كل حسابات غرف العمليات الغربية.
نعم، يستطيع العدو أن يبدأ الحرب متى شاء. هذه قاعدة الحرب المفتوحة. لكن، كما يقول الإيرانيون: "نحن من يُنهيها".
اليوم، وبعد أكثر من أسبوع على بدء العدوان، ما زالت "تل أبيب" تحصي خسائرها، بينما طهران تتقدّم خطوة بخطوة نحو فرض معادلتها: من يعتدِ، يدفع الثمن… كاملاً.
الرسالة الإيرانية التي فُهمت جيداً في "تل أبيب" وواشنطن:
إيران ليست هدفاً سهلاً… بل هي خصمٌ يبادر، يخطط، ويصيب. وعلى ما يبدو، فإن القادم أشد وأقسى.