فهم استراتيجية إيران وأهدافها في هذه الحرب
هل ستأخذ الدول الإقليمية الوازنة ما يجري على محمل الجد؟ وهل ستتصرف بما ينسجم مع كون الحرب التي يشنّها العدو تشكّل تهديداً خطيراً على مستقبلها وأمنها القومي ووحدة أراضيها؟
-
احتمالات تصاعد الحرب هي الأرجح حتى اللحظة.
أكّد وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في أكثر من تصريح أن إيران ستسعى لاستعادة المسار الدبلوماسي حال توقف العدوان الصهيوأميركي عليها. في الوقت ذاته، يُصرّح قائد حرس الثورة العميد محمد باكبور قائلًا: "حتى لو توقفت الهجمات الإسرائيلية، سنواصل مهمتنا حتى النهاية". فكيف يمكن التوفيق بين هذين التصريحين وفهم هدف إيران واستراتيجيتها في هذه المعركة؟ وأين الأميركي من مسرح العمليات؟
تدرك الجمهورية الإسلامية أن إسقاط إيران هو الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه الصهيوأميركي من وراء العدوان الغادر الذي شُنَّ عليها فجر الثالث عشر من هذا الشهر. وبحسب أغلب المختصين العسكريين، يعد تعطيل البرنامج النووي الإيراني بالطرق العسكرية التقليدية أمراً يفوق قدرات ما يتوفر لدى "جيش" الاحتلال من سلاح، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمهاجمة منشآت تخصيب اليورانيوم المتطورة الإيرانية كمحطتي نطنز وفوردو، اللتين تعدان الأكثر تحصيناً ضد الهجمات الجوّية والصاروخية.
إن مهاجمة المنشآت المحصنة بشدة باستخدام الأسلحة التقليدية تحتاج إلى نوعياتٍ خاصةٍ من القنابل الخارقة للتحصينات، وهذه القنابل لا تتوفر سوى لدى الجيش الأميركي. إضافة إلى ذلك، فإن مقاتلات B2 الوحيدة القادرة على حمل هذا الطراز من القنابل الثقيلة تعمل ضمن أسراب سلاح الجو الأميركي فقط، بل إن بعض الخبراء العسكريين يشككون حتى في مدى فعالية تلك القنابل الأميركية الثقيلة ضد المنشآت شديدة التحصين كحال المنشآت الإيرانية المهمة. (انظر التقرير الشامل المرفق أدناه لاستعراض تفاصيل المنشآت النووية الإيرانية ومدى فعالية استهداف كلٍّ منها عسكرياً).
يدرك الأميركي والصهيوني هذه الحقائق العسكرية، ولذلك فإن التعامل مع الحجّة التي ساقها الصهيوأميركي لشنّ الحرب بكثير من الشّك يعدّ تقديراً صحيحاً. ويدعم هذا التوجه الدعوة التي وجّهها نتنياهو إلى الإيرانيين للانقلاب على دولتهم عقب ساعات قليلة من بدء العدوان، في كشفٍ غير مباشر عن هدف العدو الحقيقي من هذه الحرب.
هذه المعطيات لم تكن حاضرةً بصورةٍ مباشرةٍ في أيٍّ من الاعتداءات العسكرية التي تعرّضت لها الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة، بدءاً من جريمة اغتيال الشهيد اللواء قاسم سليماني في 3 كانون الثاني/يناير 2020، وما تبع ذلك من اعتداءاتٍ إسرائيلية في 1 نيسان/أبريل 2024 على القنصلية الإيرانية في دمشق، والاعتداء الصاروخي على منشأة دفاع جوي قرب مدينة أصفهان في 19 نيسان/أبريل 2024.
هذا التقدير اقتضى أن تكون ردّة فعل إيران مختلفةً عن الردود السابقة على الاعتداءات الصهيوأميركية، كما في عملية استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق في 8 كانون الثاني/يناير 2020، وعملية الوعد الصادق 1 في 13 نيسان/أبريل 2024، وعملية الوعد الصادق 2 في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2024.
لا يبدو أن إيران تسعى من جهتها لزيادة مستوى التصعيد الراهن في المنطقة، إذ إن الحرب الشاملة لها تداعياتٌ خطيرةٌ على إيران وعلى عموم دول المنطقة أيضاً. لكنها في الوقت ذاته، ترمي إلى كبح جماح العدو بصورةٍ حاسمةٍ، من خلال تدفيعه ثمناً باهظاً لمغامرته الحالية، بما يعيد توازن الردع، ويرسم حدود توازنات القوة في الإقليم.
وقد رسم الإمام خامنئي الخطوط العريضة لرؤية إيران لهذه الحرب وأبعادها حينما صرّح قائلًا: "لن نسمح للصهاينة بأن يفلتوا سالمين من هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبوها. لقد ارتكب الكيان الصهيوني خطأً فادحاً، واقترف حماقةً سوف تجرُّ عواقبها الويلات عليه، بتوفيق من الله".
من هنا، يمكن تفسير تصريح قائد حرس الثورة الإسلامية، العميد باكبور، بأن الجمهورية الإسلامية ماضيةٌ في عملية الوعد الصادق 3 بالقدر الذي تُحقِّق فيه هدف رسم حدود توازنات القوة في الإقليم، وذلك بمعزلٍ عما إذا أوقف الكيان عدوانه بشكلٍ فوري أم لا.
بينما تشير تصريحات وزير الخارجية الإيراني إلى أن إيران لا تسعى لتصعيد الحرب الراهنة إلى مستوى حربٍ وجودية، ما لم يتجاوز العدو حدوداً تدفعها إلى هذا المستوى الخطير.
لكنَّ عجز الكيان المؤقّت عن تحقيق هدف إسقاط الدولة الإيرانية عبر الضربة الغادرة والقوية التي تلقتها الجمهورية الإسلامية فجر 13 حزيران/يونيو 2025، والتي كان من شأن نجاحها السماح للعدو الصهيوأميركي بتغيير توازنات المنطقة بصورةٍ جذرية، يُرجِّح احتمال دخول أميركا الحرب بشكلٍ مباشرٍ في وقتٍ قريب، أملًا في تحقيق ما فشل في إنجازه وكيلها الإسرائيلي منفرداً.
لذلك، تبقى احتمالات تصاعد الحرب هي الأرجح حتى اللحظة، بما في ذلك توسّعها لتشمل حقول إنتاج الطاقة في دول الخليج، والقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة فيها.
ويبقى السؤال قائماً: هل ستأخذ الدول الإقليمية الوازنة مثل مصر وتركيا والجزائر وباكستان ما يجري على محمل الجد؟ وهل ستتصرف بما ينسجم مع كون الحرب التي يشنّها العدو الصهيوأميركي تشكّل تهديداً خطيراً على مستقبلها وأمنها القومي ووحدة أراضيها؟