غزة ومنتدى التعاون الصيني العربي
ستبقى مطالب الوفود العربية المشاركة في المنتدى والصين حبراً على ورق وتمنيات ليس أكثر في ظل غياب آلية تلزم "إسرائيل" بوقف عدوانها على قطاع غزة والانسحاب منه.
اتجهت الصين خلال العقد الأخير إلى تعزيز حضورها في المنطقة العربية لأسباب جيواقتصادية وجيوسياسية، وازدادت رغبتها في توسيع نفوذها في المنطقة بعد تولي الرئيس الصيني شي جين بينغ السلطة عام 2012 وإعادة إحيائه طريق الحرير البحري والبري.
تصادف هذا العام الذكرى العشرون لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي الذي يضم جميع دول جامعة الدول العربية والصين. ويجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء كل عامين منذ إنشاء المنتدى عام 2004، والذي تأسَّس في أثناء زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو لمقر جامعة الدول العربية في القاهرة لتعزيز العلاقات بين الصين والدول العربية.
من المقرر أن تعقد الجلسة العاشرة للاجتماع الوزاري للمنتدى في بكين يوم 30 أيار/مايو من الشهر الحالي. وستصدر عن المنتدى 3 وثائق رسمية: إعلان بكين، والبيان المشترك بشأن القضية الفلسطينية، والبرنامج التنفيذي بين عامي 2024-2026.
ويأتي انعقاد المؤتمر في وقت تتعرض غزة لعدوان همجي منذ أكثر من 8 أشهر، راح ضحيته آلاف الشهداء والجرحى، ودمر أكثر من نصف القطاع، ويأتي أيضاً في ظل إصرار "إسرائيل" على اجتياح رفح في محاولة لتهجير أهالي غزة، وبعد أيام من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان سعيه للحصول على أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
تعزيز التعاون
يرى الجانبان الصيني والعربي أن المنتدى ساهم بشكل كبير في تعميق التعاون بينهما، فقد قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في أثناء لقائه أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مطلع هذا العام أن المنتدى قدم إسهامات كبيرة في تعزيز العلاقات الصينية العربية على مدار العقدين الماضيين، وأصبح "علامة بارزة" في التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية.
يركز المنتدى منذ تأسيسه على الجوانب الاقتصادية، وإن كان أيضاً منصة لمناقشة الأوضاع السياسية، كالقضية الفلسطينية والأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة في بعض الدول العربية، كليبيا وسوريا ولبنان، فضلاً عن مناقشة علاقة إيران بدول الشرق الأوسط، ولا سيما الدول الخليجية.
يوفر المنتدى للدول العربية مساحة لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعانيها أغلب دول المنطقة، فيما ترى بكين أن المنتدى يوفر لها الدعم العربي في مسألة الاعتراف بسياسة الصين الواحدة وحقوق الإنسان في شينغيانغ وزيادة استثماراتها في المنطقة الغنية بالنفط.
غني عن القول إنَّ المنتدى عزز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين العربي والصيني، بحيث أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 36.7 مليار دولار أميركي عام 2004، أي عند تأسيس المنتدى، إلى 398.1 مليار دولار أميركي عام 2023، بزيادة 10 أضعاف.
كما شهدت الاستثمارات الصينية في الدول العربية نمواً، إذ بلغت 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021. ونفذت الصين أكثر من 200 مشروع تعاون في إطار الحزام والطريق في مجالات عديدة، ولا سيما النفط والبنى التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والصحة وغيرها من المجالات التقليدية والمجالات الجديدة.
غزة حاضرة
لطالما كانت القضية الفلسطينية حاضرة دائماً في المباحثات التي يجريها الطرفان الصيني والعربي، فبكين تعتبر أنه لا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم تحل القضية الفلسطينية، وترفض الظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وموقفها من الحرب على غزة شبيه بموقف الدول العربية الداعي إلى وقف العدوان، حتى إن القضية الفلسطينية كانت في صلب الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت أواخر العام 2022، إذ اعتبر أن "القضية الفلسطينية تهم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعانيه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا تقبل رفضاً".
وأكد أن الصين تدعم إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتدعم نيلها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وستواصل بكين تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني لدعمه لتنفيذ المشاريع المعيشية.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعاونت الصين والدول العربية المعنية لوقف إطلاق النار في غزة وكثفت بكين لقاءاتها ومباحثاتها خلال الأشهر الأخيرة، فقد أجرى مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جيون جولة كبيرة في المنطقة التقى خلالها المسؤولين في قطر والإمارات والسعودية ومصر والأردن.
وفي وقت لاحق، قام السفير الصيني السابق لدى لبنان، مبعوث وزارة الخارجية الصيني وانغ كيجيان، بجولة في المنطقة التقى خلالها مسؤولين فلسطينين في رام الله، كما التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إضافة إلى اجتماعه مع مسؤولين مصريين.
في المقابل، أجرى وزراء خارجية بعض الدول العربية والاسلامية جولة على عدد من دول مجلس الأمن، ضمن إطار اللجنة التي انبثقت من القمة العربية الإسلامية التي عقدت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، واستهلت اللجنة زياراتها إلى بكين، حيث عقدت اجتماعاً مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
من المتوقّع أن يصدر بيان مشترك عن منتدى التعاون الصيني العربي بشأن القضية الفلسطينية، والذي من المحتمل أن يتضمن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ورفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وعقد مؤتمر للسلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإدانة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، والترحيب بقرار مدعي عام المحكمة الجنائية بإصدار أوامر اعتقال لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ووزير دفاعه، والتحفظ على اعتقال قادة حماس، ورفض محاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
ستبقى مطالب الوفود العربية المشاركة في المنتدى والصين حبراً على ورق وتمنيات ليس أكثر في ظل غياب آلية تلزم "إسرائيل" بوقف عدوانها على القطاع والانسحاب منه، ويكون ذلك عبر الضغط العربي والصيني على "تل أبيب" وواشنطن لوقف الحرب وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.