حزب الله لم يُهزم.. و95 ألفاً ما زالوا ينتظرون!

أمام حزب الله ثلاثة خيارات رئيسة، يمكن أن يلجأ إلى أحدها في حال تراجعت "إسرائيل" عن تطبيق الاتفاق بحذافيره، أو أخلّت، في الحدّ الأدنى، ببعض الإجراءات الواجب عليها التزامها.

  • "حزب الله يملك مئة ألف مقاتل مدربين ومستعدين للقتال في كل الظروف".

خلال الأسابيع الأخيرة، وتحديداً بعد وقف سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين "جيش" الاحتلال وحزب الله، انشغل كثيرون في المنطقة والعالم في التحليل والتفسير لحقيقة ما جرى من أحداث في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وفي الجبهة اللبنانية المقابلة لها، والتداعيات التي نشأت، والتي يمكن أن تنشأ لاحقاً عن المعركة القاسية التي جرت هناك.

وذهب كثير من المحللين إلى تبني فرضية انكفاء حزب الله بعد ما تلقّاه من خسائر على صعيد قيادات الصف الأول، وفي المقدمة منهم أمينه العام، الشهيد السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه.

حتى إن بعض المحللين "المرموقين" ذهب بعيداً إلى درجة القول إن الحزب لن تقوم له قائمة بعد اليوم، وإنه سيشهد مزيداً من التراجعات خلال المرحلة المقبلة، ولاسيّما بعد التحوّل الدراماتيكي الذي حدث في سوريا، وكانت باكورتُها، بحسب ادّعائهم، تخلّيه عن مرشحه لمنصب الرئاسة اللبنانية الشاغر منذ عامين الوزير سليمان فرنجية، وقبوله، مرغَماً، قائدَ الجيش جوزيف عون، الذي تم التصويت لمصلحته ظهيرة الخميس الفائت، وهو المدعوم، كما يقول كثير من المصادر، من السعودية والولايات المتحدة الأميركية.      

في مقابل كل تلك التحليلات، التي ضجّت بها شاشات القنوات التلفزيونية الكبرى، وما رافقها من تسريبات وتأويلات وادّعاءات، بالإضافة إلى التصريحات الإسرائيلية الرسمية، والصادرة عن رئيس وزراء العدو، ووزيري جيشه الراحل والحالي، التزم حزب الله كثيراً من الصمت، وآثر أن يترك الآخرين يتحدثون كما يشاءون، بينما بقي هو ينظر ويراقب ويقوّم، ليس هذا فحسب، بل إن الحزب، كما تقول مصادر مطّلعة، بدأ العمل في عدّة مستويات، وبسرعة قياسية قلّ نظيرها.

فهو، من جهة، بدأ إحصاء الأضرار، وشرع في صرف المساعدات، وتقديم العون اللازم إلى كل المتضررين من العدوان، بالإضافة إلى تقويم حجم الضرر الذي أصاب بنيتيه العسكرية والأمنية، وعمل على تعويض جزء كبير من النواقص والمفقودات، التي طرأت نتيجة العدوان، وملأ كل الأماكن، التي كانت شاغرة في هيكله، سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإعلامياً واجتماعياً، وتجاوز كل العقبات، التي حاول البعض وضعها في طريق عودة نشاطه، عبر مختلف أنواعه، إلى مساره السليم، والتي كان منها محاولة منع وصول الأموال اللازمة لبدء إعادة الإعمار، وتعويض ذوي الشهداء والمصابين.  

بعد أقل من عشرة أيام، سيكون حزب الله، بصورة خاصة، والشعب اللبناني والمنطقة، بصورة عامة، أمام استحقاق مهم، إذ تنتهي في العشرين من هذا الشهر هدنة الأيام الستين، التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار، والتي يجب أن تتبعها خطوات تشمل انسحاباً كاملاً لجيش الاحتلال من القرى والبلدات اللبنانية التي احتلها، والتي زاد في توغله فيها بعد دخول الاتفاق حيّز التطبيق، بحيث تولّت الدول الضامنة للاتفاق والدولة اللبنانية مهمة التنفيذ، وصولاً إلى الهدوء الكامل والمستدام.

إلا أن المتتبّع لمجمل التصريحات والتسريبات الإسرائيلية والأميركية، خلال الأسبوعين الأخيرين، يجد أن المرحلة المقبلة قد تشهد مفاجَآت لا يتمنّاها كثيرون، سواء في لبنان أو المنطقة، إذ إن أي إخلال إسرائيلي بشروط الاتفاق يعني فتح الباب على مصراعيه لحدوث ردود فعل لا تُحمد عقباها، وهذا الأمر، تحديداً، دفع الفرنسيين والأميركيين إلى التحرّك مبكّراً حتى لا تنفلت الأمور من عِقالها، وتذهب المنطقة من جديد إلى التوتّر والاشتباك، الذي قد يكون أوسع وأشمل من سابقه.

في ضوء ما تقدّم، وفي ظل معرفتنا مراوغةَ العدو الصهيوني، كما هي العادة، وإمكان انقلابه على تعهداته، التي أعلن التزامه إيّاها سابقاً، ولاسيّما أنه يشعر بمزيد من الثقة مع تولّي دونالد ترامب، صديق "إسرائيل " الموثوق به، مقاليد الحكم في أقوى دولة في العالم، فإننا نعتقد أن حزب الله سيكون مُلزَماً باتخاذ إجراء ما، يردَ من خلاله على أي تلكؤ أو تباطؤ إسرائيلي فيما يخص موضوع الانسحاب، تحديداً، بالإضافة إلى العمليات العدوانية، التي ما زال العدو ينفذها، من تفجير ونسف لبيوت المواطنين اللبنانيين، والغارات التي يشنّها ضد بعض الأهداف، التي يدّعي أنها عسكرية.

من وجهة نظرنا، أمام حزب الله ثلاثة خيارات رئيسة، يمكن أن يلجأ إلى أحدها في حال تراجعت "إسرائيل" عن تطبيق الاتفاق بحذافيره، أو أخلّت، في الحدّ الأدنى، ببعض الإجراءات الواجب عليها التزامها، وهذه الخيارات ستكون لها بكل تأكيد تداعيات، سواء على حزب الله، بشكل خاص، أو على الدولة اللبنانية وعموم المنطقة، بشكل عام.

أولاً، رمي الكرة في ملعب الدولة والوسطاء

لطالما طالبت مجموعة من دول المنطقة والعالم، ومن اللبنانيين أيضا، ولاسيّما المعارضون لحزب الله، وعلى رأسهم أحزاب 14 آذار، بمنح الدولة اللبنانية فرصة في إدارة شؤون البلاد بعيداً عن سلاح المقاومة، ومنح الجيش اللبناني الوقت الكافي لفرض سيطرته على كل جغرافيا لبنان، بما فيها مناطق الجنوب، وهم في ذلك لا يريدون الخير للبنان على الإطلاق، إذ إنهم يعرفون، قبل غيرهم، أن "إسرائيل" لا تحترم إلا القوي، ولا تُقِيم وزناً لكل جيوش المنطقة وأنظمتها، وخصوصاً تلك التي رهنت قرارها لقوى خارجية كارهة للمقاومة، ومناوئة لها، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية.

ومع أن حزب الله يعرف، أكثر من غيره، أن الدولة في لبنان ضعيفة، وتتناهشها مصالح الدول الكبرى التي تسيطر بالمال على كثير من قرارات القوى السياسية فيها، إلا أنه قد يلجأ، من باب إقامة الحجّة على الجميع، ونزع المبررات التي يسوّقها البعض، إلى إعطاء مزيد من الوقت بعد انتهاء هدنة الأيام الستين، ورمي الكرة في ملعب الدولة والجيش، إضافة إلى الدول الوسيطة، لتنفذ ما تم الاتفاق عليه في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ولاسيّما بعد انتخاب الرئيس الجديد في لبنان، وإمكان أن يُعطي هذا الأمر اندفاعة نحو ممارسة القوى الضامنة للاتفاق مزيداً من الضغط على العدو الصهيوني لالتزام شروط الاتفاق. 

ثانياً، العودة إلى القتال في الأجزاء المحتلة فقط

هذا الخيار، على وجه الخصوص، يمتلك مشروعية كبيرة، محلياً ودولياً، إذ إن أي تلكؤ أو تباطؤ من جانب "إسرائيل" في الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية التي احتلتها مؤخراً، أو فرض وقائع سياسية أو ميدانية جديدة، يُعَدّ خروجاً عن مضمون الاتفاق، وتنكراً للمبادئ التي تم التوصل إليها. وبالتالي، يصبح حزب الله، ومعه كل قوى المقاومة اللبنانية الأخرى، في حِلٍّ من التزام وقف إطلاق النار، ويمكن له أي يعود إلى القتال في اللحظة التي يختارها ويراها ملائمة، سواء في اليوم التالي لانتهاء الهدنة، أو في أي وقت لاحق يقرره هو.

هذا الخيار، في حال حدوثه، من المرجّح أن يشمل المناطق التي سيرفض الاحتلال الانسحاب منها فقط، وهي، كما يقول بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، ثلاث مناطق، تُعَدّ حيوية وذات أهمية بالغة لناحية إشرافها على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية المقامة قرب الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.

وما يعزز حدوث هذا الخيار هو ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لـ "حزب الله"، محمود قماطي، مؤخراً، حين قال إن "عدم انسحاب "الجيش" الإسرائيلي من البلاد، بعد مرور 60 يوماً على إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين، يعني أن القوات الموجودة هي قوات احتلال، وسنتعامل معها على هذا الأساس".

ثالثاً، العودة إلى القتال الشامل

بما أن الحكومة اليمينية المتطرفة في "إسرائيل" تسعى لإدامة الصراع في المنطقة إلى أطول فترة زمنية ممكنة، خدمة لأجنداتها التوسّعية والعدوانية من جهة، وخدمة لمصالح نتنياهو المتأزّم من جهة أخرى، فإنها يمكن، في حال لجوء حزب الله إلى الخيار الذي أشرنا إليه أعلاه، والمتعلّق بعودة القتال إلى المناطق التي توجد فيها قوات الاحتلال داخل الأراضي اللبنانية، أن تلجأ إلى توسيع مساحة العدوان من جديد ليشمل كل الأراضي اللبنانية، معتمدة على فرضية فقدان الحزب خط إمداده البرّي من سوريا، وما تقول إنه ضرر كبير لحق بمنظومته العسكرية، وتحديداً الصواريخ الدقيقة وطويلة المدى.

في حال حدوث هذا الأمر، فإن حزب الله سيكون مضطرّاً إلى الذهاب نحو خوض معركة واسعة على غرار ما جرى خلال المرحلة السابقة، وستجد المستعمرات الإسرائيلية، التي يخشى سكّانها العودة إليها حتى الآن، بسبب خشيتهم من انفجار الأوضاع من جديد، إلى جانب المدن الأكثر بعداً عن الحدود الشمالية، مثل حيفا وعكا، وصولا إلى "تل أبيب" ومحيطها، ستجد نفسها في قلب المعركة مجدداً، وسيعود سكّانها إلى سماع أصوات صفّارات الإنذار مرة أخرى، وسيضطرون إلى الركض نحو الملاجئ، صباحاً ومساءً، في كابوس لا يرغب أحد من الإسرائيليين في العودة إليه من جديد. 

في كل حال، بغض النظر عن الخيار الذي سيلجأ إليه حزب الله، في حال تنكّر العدو للاتفاق، ورفض التزام كل ما ورد فيه، وسواء اختار اللجوء إلى أحد الخيارات المذكورة أعلاه، أو لجأ إلى خيارات أخرى هو أقدر على تحديدها، فإن المنطقة ما زالت تعيش على صفيح ساخن، وإمكان انفجار مواجهة واسعة فيها ما زالت قائمة، ولاسيّما في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، وفشل التوصّل إلى اتفاق يُنهي الحرب والعدوان حتى الآن، في أقل تقدير.

وسواء كانت هذه المواجهة المحتملة مع لبنان، على وجه الخصوص، واسعة أو محدودة، فإن "إسرائيل" لن تكون الرابحة فيها، في أي حال من الأحوال، ولن تُسعفها أكاذيبها التي تروّجها صباح مساء عن تراجع قدرة حزب الله القتالية، وعن التفكّك الذي أصاب هياكله الرئيسة بفعل الضربات التي تلقّاها، في تحقيق نصر واضح وحاسم، بل إنها ستتلقّى مزيداً من الضربات، وستعاني مزيداً من الخيبات، وستضطر في نهاية المشوار إلى الرضوخ لشروط المقاومة العادلة والمشروعة.

في أحد خطابات سيّد شهداء طريق القدس، سماحة السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه، قال إن "حزب الله يملك مئة ألف مقاتل مدربين ومستعدين للقتال في كل الظروف".

ووفق افتراض أن الحزب خسر جهود أربعة آلاف منهم بعد هجمات البيجر المجرمة، وخسر، في أعلى تقدير، ألفاً آخرين في المعارك، التي سبقت أو تلت ذلك الهجوم، فإنه يبقى لدى الحزب نحو 95 ألفاً من المقاتلين الأكفاء، والمؤهلين، بحسب ما يعرف الجميع، للقتال حتى الرمق الأخير. وكشفت المعركة الأخيرة جزءاً مما يملكه هؤلاء المقاتلون من شجاعة وجسارة وروح استشهادية، ليس لها مثيل.

هؤلاء المقاتلون، الذين أشار إليهم الله تعالى في قوله: "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر"، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الآخرين من قوى المقاومة الأخرى في لبنان، سيجعلون أي حماقة إسرائيلية درباً من الجنون، وستعجّل، من دون أدنى شك، في سقوط الائتلاف الصهيوني المتطرّف والمجرم في هذه "الدولة" المارقة، والتي لن تنفعها تهديدات ساكن البيت الأبيض الجديد، ولا تهديداته العنترية والمجنونة.