تركيا في سوريا تخشى الفشل وتستعجل رفع العقوبات

هل سيسحب ترامب القوات الأميركية من سوريا، ويتفاهم مع تركيا بشأن مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية"؟ وما النظام الذي سيتم  طرحه في المؤتمر الوطني في آذار/مارس؟ دولة موحَّدة، أم بنية لامركزية؟

0:00
  • يحاول كل من الغرب والخليج إضفاء الشرعية على إدارة هيئة تحرير الشام.
    يحاول كل من الغرب والخليج إضفاء الشرعية على إدارة هيئة تحرير الشام.

مع انقضاءالشهر الأول لإسقاط النظام في سوريا، طُرحت تساؤلات بشأن قدرة الجولاني على جمع البلاد في ظل حكومته، وما العقد الاجتماعي الذي سيتم التوافق عليه، ومع أي شخصيات سورية؟ وهل يمكنه تطبيق الضمانات  التي قدمها إلى الوفود الأجنبية، التي تأتي تباعاً إلى دمشق وتفرض شروطها، وهل يمكن الركون إلى الوعد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة، بدءاً من الأول من آذار/مارس؟ 

يحاول كل من الغرب والخليج إضفاء الشرعية على إدارة هيئة تحرير الشام، بينما تبدو مطالب الغرب الأوروبي واضحة، فهو ضد الحكومة الإسلامية، ومع توفير الضمانات للأقليات وحمايتها، ودمج "قوات سوريا الديمقراطية" في النظام الجديد.

هذه الشروط تضع الجولاني في مكان صعب، فهو لن يتمكن من تنفيذ معظمها، لكنه عبر ادعاء الموافقة عليها يسعى لنيل الاعتراف به ورفع العقوبات والحصول على الدعم المالي. تتراوح صعوبات السلطة الحاكمة في دمشق بين إرضاء الكرد، والتسامح مع العلويين، ومراعاة خصوصية الدروز والمسيحيين، والتفاهم مع السنّة، الذين لا يريدون دولة دينية.

لم يحصل المسيحيون على أي ضمانات ملموسة حتى بعد لقائهم المسؤولين الفرنسيين. أما وجهاء العلويين فعقدوا اجتماعاً مع الجولاني، دام 4 ساعات في طرطوس، أعربوا خلاله عن مخاوفهم ومطالبهم بإرساء الامن، وتفعيل اللجان المحلية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإعلان عفو عام، في مقابل التعاون من أجل تسليم مطلوبين.

الدروز، من جهتهم، يريدون حلاً لامركزياً، وهم رفضوا التعيينات التي حددتها الهيئة، ولم يسمحوا لقوات الشرطة المعينين باستلام مواقعهم.

يريدون أن يتم تعيين أسماء من اختيارهم في إدارة المحافظة. أما الأمن فهو للسكان المحليين، وهددوا بالمطالبة بالفيدرالية وعدم إلقاء السلاح إلا بعد ضمان الحقوق في الدستور الجديد وإقامة الدولة.

قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، التقى الجولاني تحت رعاية الأميركيين في قاعدة الضمير العسكرية (40 كم شرق دمشق). أتى بمروحية أميركية. قدم الجانب الكردي اقتراحات، مثل دمج "قوات سوريا الديمقراطية" كفيلق في الجيش السوري، وتقاسم الموارد الوطنية، وخصوصاً النفط والغاز الطبيعي، بنسب معينة.

كان هذا التواصل محاولة لإضعاف الضغط التركي. إحدى القواعد الأساسية، بالنسبة إلى الجولاني، هي عدم السماح بأي حل يؤدي إلى تقسيم سوريا، وهو يعارض الحكم الذاتي. فالرجل يأخذ حساسيات تركيا بعين الاعتبار، فهل ستتمكن أنقرة من ترتيب الوضع الكردي انطلاقاً من مبادرتها مع أوجلان؟

هل سيسحب ترامب القوات الأميركية من سوريا ويتفاهم مع تركيا بشأن مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية"؟ وما النظام، الذي سيتم طرحه في المؤتمر الوطني في آذار/مارس؟ دولة موحَّدة، أم بنية لامركزية؟

رسالة  الأميركي لغاية الآن، مفادها أن "الوضع الراهن لن يتغير حتى يتم التوصل إلى حل في دمشق".

التباين بين تركيا والحلف الأميركي الإسرائيلي

مع توسع الاحتلال الإسرائيلي في جبل الشيخ والقنيطرة وريف دمشق ودرعا في سوريا، وإنشائه منطقة عازلة تضم 14 مستوطنة، واستيلائه على سدودـ مثل فاهدة والمنطرة، إلى جانب حوض اليرموك، عقد وزير الخارجية، جدعون ساعر، اجتماعاً موسعاً مع إلهام أحمد، المسؤولة عن العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية، وأعرب في جميع لقاءاته مع زملائه دولياً عن مخاوفه بشأن الكرد.

ويتوقع الكرد أن تؤثر "إسرائيل" في الكونغرس الأميركي وفريق ترامب. لقد أدى الموقف الحالي للكونغرس إلى كبح جماح تركيا، وخصوصاً فيما يتعلق بالعملية ضد كوباني.

عيّن ترامب شخصاً إلى جانب فريقه يقف إلى جانب الكرد. هو مورغان أورتاغوس، الذي قال إنه "يجب حماية الكرد. الأميركيون يسندون دوراً محورياً للكرد في سوريا. أما "إسرائيل" فهي لا تثق بمستقبل الجولاني على رغم مواقفه المحابية ورفاقه، وتَعُدّ الكرد حلفاء".

إردوغان والجولاني يقدمان مزيداً من المرونة خوفاً من عزل سوريا وفرض العقوبات عليها ومعاملتها على أنها منبوذة. إردوغان لا يتحمل أي خسارة في سوريا، فهي ستكون كارثية على تركيا، وستستدعي صراعاً داخلياً وتدخلات خارجية.

لكن خطط تركيا والولايات المتحدة الأميركية تبدو متعارضة، أما الاتحاد الأوروبي فيشترط إغلاق القواعد الروسية وضمانات لـ"إسرائيل"، ودول الخليج لا تريد أن يتم تصدير الثورة إليها، بينما تأمل قطر العودة إلى مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي، الذي تعثّر بعد تدخل إيران وروسيا في عام 2010.

يبقى أن انقرة تريد قلب المعادلة لمصلحتها في شرقي البحر الأبيض المتوسط، ​​من خلال الاستحواذ على قاعدة عسكرية، وتوقيع اتفاقية الاختصاص البحري. لكن العرب يريدون انسحابها من سوريا كما فعلت إيران .

ينتظر الرئيس التركي تسلم ترامب منصبه، وهو الذي قال إنه لن يتدخل في سوريا، إلا أن الأميركيين موجودون في سوريا، وتقوم الإدارة الأميركية بحماية "قوات سوريا الديمقراطية".

في تصريحه الأخير، قال ترامب إن "تركيا كانت  في سوريا تحت أسماء متعددة منذ ألفي عام". وقال إن "إردوغان سوف يستمع إلي مرة أخرى بشأن الكرد". وهو "بعد أن اضعف روسيا وإيران، دخل ورجاله لسوريا وتولوا الأمر.

هذا ما حدث هناك عبر طرائق متعددة، وأسماء متعددة. تصريحات ترامب  لا تريح إردوغان، لكنه قد يقترح عليه فعل ما يريد في سوريا، إلا القيام بعملية عسكرية ضد الكرد، حتى لا يخلق له مشكلات مع الكونغرس، لكن من المؤكد أنه سيطلب إليه كبح جماح الإسلاميين في دمشق، وضمان مصالح "إسرائيل"، والقضاء على العناصر التي ستسبب المتاعب لها، وعدم إزعاج "إسرائيل" في الأماكن المحتلة حديثاً في سوريا. وسيكون هذا هو الرمز السري في عمليات إعادة بناء سوريا.

وعلى الرغم من أن سياسات إردوغان تخدم مصالح "إسرائيل"، فإن "تل أبيب" تركز على سيناريو المواجهة التركية الإسرائيلية بشأن سوريا. الإسرائيليون، كالأميركيين، يريدون رؤية الكرد عند نقطة محورية في المعادلة الجديدة، وهو ما يسبب تعقيدات في مهمة إردوغان في سوريا، بحيث تتعارض أولوياته مع أولويات المحور الإسرائيلي الأميركي.

وفي اتصالاته الدبلوماسية، التي استمرت 10 أيام بعد سقوط الأسد، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إنه يجب على الجميع "منع سوريا من أن تشكل تهديداً لجيرانها"، و"عدم ترك مساحة للإرهاب، وخصوصاً داعش وحزب العمال الكردستاني"، و"ضمان "أمن الأقليات"، و"حماية سلامة الأراضي السورية"، في حين تتم مناقشة مسألة السلام الإقليمي، وتحديد شرق الفرات كونه مشكلة تركيا، والسبب في وجودها العسكري في سوريا، وهي تطلب إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة "الخروج". 

وفي أثناء وجوده في دمشق، قال فيدان إن مهمة تطويع "قوات سوريا الديمقراطية" تقع الآن على عاتق الإدارة السورية الجديدة. وشدد على أن تركيا هي حامية جميع الأقليات، وأنه حصل على ضمانات من الجولاني بهذا الشأن، وأكد أن اسم الدولة سيبقى الجمهورية العربية السورية، وهي رسالة تطمين إلى الدول العربية.

تستعجل تركيا أن يرفع وزراء خارجية الولايات المتحدة وأوروبا، والذين يعقدون مؤتمرهم بشأن سوريا، العقوبات، ويباشروا بدء المساعدات، وتخشى التأخي،ر فهي لن تحتمل إثارة مشكلات داخلية في سوريا من الجهات التي تَعُدّها متضررة من سقوط النظام في سوريا،  ومن وضع يدها على إعادة تركيب السلطة، التي تعتريها مشكلات تريد أن تتخطاها  بسرعة.