إردوغان وإمام أوغلو... هل يكرر التاريخ نفسه؟
تتوقع الأوساط السياسية للتاريخ أن يكرر نفسه بعد ما تعرّض له رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو من مضايقات متتالية من قبل السلطات الحكومية وانتهت باعتقاله ووضعه في السجن في 19 آذار/ مارس الماضي.
-
هل يعيد التاريخ نفسه في تركيا؟
في 6 كانون الأول/ ديسمبر 1997 وخلال خطاب جماهيري في مدينة سيرت جنوب شرق البلاد تلا رئيس بلدية اسطنبول رجب طيب إردوغان مقطعاً من قصيدة شعرية اعتبرتها المحكمة تحريضاً للشعب على التمرد وحكمت عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر ومنعته من ممارسة النشاط السياسي إلى الأبد.
وكانت هذه الأشهر الأربعة التي قضاها في السجن كافية له كي يكتسب شهرة عالمية دفعت القنصل الأميركي وآخرين من ممثلي الدول الأوربية إلى زيارته وهو في السجن وخرج منه في 24 تموز/ يوليو 1999 معلناً تمرده على زعيمه العقائدي نجم الدين أربكان.
واكتسب هذا التمرد طابعاً عملياً خلال المؤتمر العام لحزب الفضيلة الإسلامي في أيار/ مايو2000 حيث رشح عبد الله غول رفيق درب إردوغان (الآن ضده) نفسه لزعامة الحزب وضد زعيم الحزب رجائي كوتان المدعوم من أربكان الذي اتهم العدالة والتنمية بانه "صنيعة الإمبريالية والصهيونية العالمية" وقال آنذاك"إن من يصوت لهذا الحزب إنما يصوت لـ"إسرائيل ".. وعندما فشل الثنائي إردوغان - غول في السيطرة على حزب الفضيلة قررا ومعهما عدد من الشباب الإسلامي تشكيل حزب العدالة والتنمية وتمّ الإعلان عنه رسمياً في 14 آب/ أغسطس 2001 ليبدأ نشاطه السياسي بدعم من العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن، وهو ما كان كافياً لفوز الحزب في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 وسيطرته على ثلثي أعضاء البرلمان، على الرغم من أنه حصل على 36% فقط من مجموع أصوات الناخبين.
ونجح الحزب بزعامة عبد الله غول الذي أصبح رئيساً للوزراء في إقناع دانيز بايكال زعيم حزب المعارضة الشعب الجمهوري بتغيير الدستور وإلغاء الحظر المفروض على إردوغان الذي أصبح رئيساً للوزراء في 9 آذار/ مارس2003 وبعد أن استقبله الرئيس بوش في البيت الأبيض بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر فوراً.
ويتوقع البعض من الأوساط السياسية للتاريخ أن يكرر نفسه بعد ما تعرّض له رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو من مضايقات متتالية من قبل السلطات الحكومية وانتهت باعتقاله ووضعه في السجن في 19 آذار/ مارس الماضي بعد اتهامه بقضايا غير جدية ومنها الفساد والعلاقة بالإرهاب المقصود به حزب العمال الكردستاني.
وهو ما يتناقض مع مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة مع زعيم هذا الحزب عبد الله أوج الان ومن خلاله مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي اجتمع قائدها العسكري مظلوم عبدي إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بناءً على توجيهات وتعليمات وأوامر واشنطن وقال رئيسها ترامب "إنه معجب جداً بإردوغان ويحبه كما يحبه إردوغان أيضاً".
ودفع ذلك زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال إلى توجيه انتقادات عنيفة لإردوغان الذي اتهمه أوزال باعتقال إمام أوغلو بعد يوم من اتصاله الهاتفي بالرئيس ترامب.
وقال أوزال إن إردوغان ينفذ تعليماته وأوامره على صعيد السياسة الخارجية وفي سوريا بالذات مقابل دعم مباشر وغير مباشر له في السياسة الداخلية، بما في ذلك غض النظر عن مساعيه للتخلص من معارضيه، وفي مقدمتهم رئيس بلدية اسطنبول، بعد أن أثبتت جميع استطلاعات الرأي المستقلة أنه سينتصر على إردوغان في الانتخابات المقبلة، ومهما تأخرت حتى موعدها الدستوري في حزيران/ يونيو2028.
ويعرف الجميع أن هذه الانتخابات ستكون قبل ذلك الموعد بكثير بسبب الوضع الاقتصادي والمالي الكارثي للبلاد، بانعكاسات ذلك على الأغلبية الساحقة للشعب التركي. ويفسر ذلك التظاهرات والاعتصامات وحملات المقاطعة للشركات الموالية لإردوغان، والتي يشارك فيها يومياً الملايين من المواطنين الذين بدأوا بجمع التواقيع للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يحتاج إلى نصف عدد الناخبين وهو68 مليون ناخب تقريباً.
وبات واضحاً أن المعارضة لا ولن تتراجع عن هذه الفعاليات، ويعتبرها البعض بداية لربيع تركي مقبل، وعلى الرغم من الاعتقالات الواسعة التي تستهدف الإعلاميين وطلاب الجامعات وأساتذتهم بل وحتى المحامين، وهو ما لم تعترض عليه واشنطن والعواصم الغربية التي اكتفت بمناشدة أنقرة احترام أسس ومبادئ الدستور والقوانين، وأهمها حرية التعبير والتظاهر السلمي.
في الوقت الذي بات فيه واضحاً أن الرئيس إردوغان بدوره لا ولن يتراجع عن نهجه الحالي ضد إمام أوغلو، وعلى الرغم من أن جامعة اسطنبول ألغت شهادته الجامعية ومن دونها لن يستطيع ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة، ولأن الدستور يشترط على الرئيس أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية لا يحملها إردوغان أيضاً.
ومن دون أن تبالي المفوضية العليا للانتخابات التي يعيّن إردوغان أعضاءها بهذا الشرط بالنسبة إلى إردوغان الذي تمّ انتخابه ثلاث مرات منذ 2014 وهو ما يمنعه الدستور أيضاً.
ومع انتظار الدعوى التي سيوجّهها الرئيس ترامب للرئيس إردوغان لزيارة واشنطن في النصف الثاني من أيار/ مايو المقبل، وبعد زيارته لكل من السعودية والإمارات وقطر في الأسبوع الأول من أيار/ مايو وربما بعد ذلك مصر و"إسرائيل"، فقد بات واضحاً أن الرئيس إردوغان لا ولن يتراجع عن سياساته الحالية في تضييق الحصار على الشعب الجمهوري وكل من يتحالف معه من أحزاب وقوى المعارضة، وبعد أن نجح مبدئياً في إقناع قيادات حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي بضرورة الابتعاد عن الشعب الجمهوري بعد أن سمح لهذه القيادات بزيارة عبد الله اوج الان.
وناشد بدوره قيادات الحزب في جبال قنديل شمال العراق وقف العمل المسلّح ضد تركيا مقابل الاعتراف للكرد بالحقوق الدستورية وخروجه هو شخصياً من السجن. في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن نجاح إردوغان في إبعاد الكرد عن الشعب الجمهوري والمعارضة مرهون بموافقة واشنطن على أي صيغة مستقبلية لمعالجة المشكلة الكردية أولاً سورياً ثم تركياً، باعتبار أن وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا امتداد للعمال الكردستاني التركي، ومعروف عنه منافسته التقليدية لعائلة البرزاني حليف أنقرة التقليدي حتى في عدائها لعائلة الرئيس الراحل جلال الطلباني.
كما أن نجاح إردوغان في إبعاد الكرد عن الشعب الجمهوري، قد ينعكس سلباً على شعبية العدالة والتنمية الحاكم، وأثبتت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه يتعرّض لانتقادات عنيفة من ناخبيه والمؤيدين له بسبب مصالحاته مع العمال الكردستاني واحتمالات إخلاء سبيل زعيمه عبد الله اوج الان وهو "رئيس عصابة إرهابية" في نظر غالبية الشعب التركي وخاصة للقوميين منهم.
ويصوتون كالعادة للرئيس إردوغان وحزبه العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية الذي تراجع عن مواقفه السابقة المعادية قومياً وعنصرياً للعمال الكردستاني والكرد عموماً، حيث كان دولت باخشالي من ألد أعداء إردوغان عندما كان يسعى إلى حل المشكلة الكردية سلمياً وديمقراطياً خلال الفترة ما بين 2010و 2015. في جميع الحالات وأياً كان مصير ومستقبل الحوار بين إردوغان والكرد، ولكلٍ حساباته الخاصة بذلك، وحتى إن كان القرار بيد واشنطن، فقد أثبتت استطلاعات الرأي المستقلة أن شعبية إمام أوغلو في تزايد مستمر لأسباب عديدة، أهمها "الظلم الذي يتعرض له " وبالتالي شبابه والكاريزما التي يتمتع ( وهي حال إردوغان قبل 25 عاماً) بها خاصة بين الشباب والنساء، وأخيراً انفتاحه على فئات الشعب كافة دينياً ومذهبياً وعرقياً واجتماعياً وثقافياً.
ويبقى الرهان على موقف واشنطن التي بدعمها لإردوغان أزعجت معظم هذه الفئات، التي باتت تؤيد حزب الشعب الجمهوري، وتبيّن استطلاعات الرأي أنه سيفوز في الانتخابات بفارق 8 ــ 10 نقاط عن العدالة والتنمية، والسبب الأهم في خسارته لشعبيته هو قضايا الفساد الخطيرة التي تورطت فيها جميع قيادات الحزب وزاد حجمها عن مئات المليارات من الدولارات، التي كانت سبباً في الأزمة المالية الخطيرة التي تعيشها البلاد ويشبّهها البعض بالأزمة التي عاشتها تركيا قبل عام من انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 التي فاز فيها العدالة والتنمية.
واستلم إاردوغان بعدها السلطة برضى أميركي يفسره اختيار إردوغان رئيساً مشتركاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تمّ الإعلان عنه رسمياًَ في حزيران ٢٠٠٤ وتلى ذلك دعم مالي أميركي وأوربي كبير لتركيا.
وبانقطاعه وتراجع الدعم السياس، وأياً كان السبب في السياسة الداخلية والخارجية فالحظ سيحالف إمام أوغلو ليس فقط للخروج من السجن واعتماد شهادته الجامعية فحسب بل أيضاً للفوز في الانتخابات القادمة.