هل يقرر اللاجئون السوريون مصير الانتخابات التركية؟
إذا بقي إردوغان في السلطة، فسيكون بحاجة إلى أوراق أكثر ليساوم بها الجميع، واللاجئون بامتداداتهم الاجتماعية في بلدانهم سيكونون أهم هذه الأوراق، لأنّ استخدامها سهل جداً في كلّ المجالات وفي جميع الاتجاهات.
بعدما فشل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الحصول على الأغلبية اللازمة لانتخابه رئيساً للجمهورية، اتجهت الأنظار صوب المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصل على5.17% من مجموع أصوات الناخبين الذين سيقرّرون مصير الجولة الثانية من الانتخابات يوم الأحد المقبل.
دفعت هذه النسبة الرئيس إردوغان وطاقمه إلى الاستعجال في الحوار مع أوغان وإقناعه بالإعلان عن تأييده له، وهو ما تحقّق بعد المعلومات التي تحدّثت عن دخول الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف على الخط وإقناع أوغان بذلك في مقابل امتيازات سياسية ومادية منه ومن إردوغان.
أغضبت هذه الصفقة زعيم حزب العدالة وجدت آوز، وزعيم الحزب المستقيم رفعت سردار أوغلو (الشريكين في تحالف الأجداد الذي رشّح أوغان)، فوجّها انتقادات عنيفة إلى أوغان، واتهماه "بالتخلي عن مبادئه وأخلاقه، لأنه هو الذي هاجم إردوغان بشدة بسبب تحالفه مع حزب الهدى الإسلامي الكردي، عدو القومية التركية، وهو الذي هاجمه بسبب سياساته الداخلية والخارجية، وأهمها قضية اللاجئين السوريين وآخرين، وأهمهم الأفغان".
وقد جاء اتفاق زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ اليوم مع كمال كليجدار أوغلو وإعلانه تأييده له في الجولة الثانية ليزيد من حظوظ كليجدار أوغلو، وخصوصاً بعدما ناشد أوزداغ "كل القوميين الأتراك لدعم كليجدار أوغلو إذا كانوا يريدون التخلّص من اللاجئين بأسرع ما يمكن، وإذا كانوا يريدون لوطنهم تركيا أنْ لا يتحوّل إلى وطن للاجئين".
يكتسب موقف أوزداغ وإعلانه هذا أهمية كبيرة، لأنه هو الذي رشّح أوغان للانتخابات، ولأن الأغلبية الساحقة ممن صوّتوا له هم في الأساس من أنصار أوزداغ وأتباعه، أي حزب النصر الذي خصّص معظم حملته الانتخابية لقضية اللاجئين، بعدما حمّل أوميت أوزداغ الرئيس إردوغان "مسؤولية هذه القضية، لأنه فتح الحدود على مصراعيها أمام اللاجئين السوريين والأفغان وغيرهم"، الذين وصل عددهم، كما يقول، إلى 13 مليون لاجئ.
ويتهم أوزداغ الرئيس إردوغان "بمنح الملايين من اللاجئين الجنسية التركية ليصوّتوا له في الانتخابات"، وهو الاتهام الذي يكرّره زعماء الأحزاب الأخرى بعد المشاهد الخاصة بعملية التصويت في الخارج، وبشكل خاص في الدول الخليجية، إذ ظهر عدد كبير من مواطني هذه الدول وهم يصوّتون لإردوغان، وهي حال أعداد كبيرة من السوريين في تركيا، الذين ساهموا بشكلٍ فعّال في الحملة الانتخابية من خلال عشرات الآلاف من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي التي قامت بالدعاية لإردوغان، "باعتبار أنه زعيم الأمة الإسلامية وحامي حمى الإسلام والمسلمين ضد الدول الإمبريالية والصهيونية".
هؤلاء لا يتذكّرون ما قدّمه إردوغان من تنازلات للكيان الصهيوني بعدما استقبل رئيسه هرتسوغ في أنقرة العام الماضي، كما لا يتذكّرون نحو 30 قاعدة أميركية وأطلسية في تركيا، والأهم من كل ذلك أنهم نسوا أو تناسوا تصريحات الزعيم الإسلامي التاريخي نجم الدين أربكان، عندما قال أكثر من مرة: "من يصوّت لإردوغان إنما يصوّت لإسرائيل وأميركا".
أوميت أوزداغ، وهو أستاذ في العلاقات الدولية وعضو برلمان انشقّ عن حزب الحركة القومية بسبب تحالفه مع إردوغان، من المتوقّع أن يؤثّر موقفه في الأوساط القومية عموماً، التي لا تخفي انزعاجها من اللاجئين السوريين وسياسات إردوغان المتعاطفة معهم لأسباب دينية وحسابات استراتيجية خاصة بسوريا والمنطقة عموماً.
هذا الانزعاج يتوقّع البعض أن يشجّع الكثيرين ممن لم يصوّتوا في الجولة الأولى، ونسبتهم نحو 11%، على أن يتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع ويصوّتوا لكمال كليجدار أوغلو مع استمرار تصريحات إردوغان ووزرائه في موضوع اللاجئين.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو لتزيد في الطين بلة، إذ قال: "إننا بحاجة إلى أيادٍ عاملة رخيصة، واللاجئون السوريون يغطون هذه الحاجة. على سبيل المثال، والدي لديه حظيرة للمواشي، ولا يجد راعياً يرعى أغنامه".
هذا التصريح أثار غضب الشارع السياسي والشعبي، ولكن ليس بين اللاجئين السوريين الذين بات واضحاً أنهم كانوا وما زالوا الورقة الأهم في مساومات أنقرة مع دمشق، سواء مع الرئيس إردوغان أو كليجدار أوغلو المدعوم من أوميت أوزداغ، الذي حمّل إردوغان بشكل مباشر وعنيف مسؤولية اللاجئين، وقال "إنه يريد لهم أن يساعدوه للقضاء على الهوية القومية للدولة والأمة التركية وبمقولات دينية إسلامية رجعية".
ويطالب أوزداغ بإعادة اللاجئين إلى بلادهم فوراً، فيما يعد كليجدار أوغلو بإعادتهم إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الرئيس الأسد. وقد يكون أوزداغ الوسيط بينه وبين أنقرة في حال فوز كليجدار أوغلو، فمن المتوقّع أن يتمّ تكليفه بحقيبة وزارة اللاجئين، في الوقت الذي يعرف الجميع أن إردوغان تهرّب من أي اتفاق مع الرئيس الأسد ورفض شروطه فيما يتعلّق بالانسحاب من كل الأراضي السورية ووقف كلّ أنواع الدعم للمجموعات المسلحة، وأخيراً الدفاع عن إدلب التي تسيطر عليها النصرة.
ويعرف الجميع أيضاً أنّ إردوغان لن يتخلى عن ورقة اللاجئين، وسوف يستمر في استخدامهم كورقة مساومة مع الرئيس الأسد لتحقيق الحد الأقصى من أهدافه، وأهمها أن يبقى صاحب القول الأهم، وربما الوحيد، في تطورات الأزمة السورية، بعدما تهرّبت القمة العربية الأخيرة من استهدافه بشكل مباشر فيما يتعلّق بسياساته في سوريا وليبيا والعراق، وكان لاجئوها ونازحوها في الداخل والخارج من أهم نتائج تطوراته منذ ما يسمّى بـ"الربيع العربيّ".
وقد أدّى إردوغان، وما زال، الدور الرئيسي في ذلك. ويبدو واضحاً أنه لن يتخلّى عن هذا الدور، وخصوصاً إذا بقي في السلطة. حينها سيكون بحاجة إلى أوراق أكثر ليساوم بها الجميع، واللاجئون بامتداداتهم الاجتماعية في بلدانهم سيكونون أهم هذه الأوراق، لأنّ استخدامهم سهل جداً في كل المجالات، وفي جميع الاتجاهات، لتحقيق المزيد من الأهداف في الداخل والخارج.