هدنة أم انسحاب.. انتحار أم انتصار؟
المقاومة برفضها المطلق الحديث في أي ملف قبل انسحاب القوات الإسرائيلية ووقف العدوان على غزة هو استراتيجية جبهات منسقة جيداً، وتأثيرها كبير.
يلاحظ إلحاح شديد لدى أميركا و"إسرائيل" على الاتفاق على هدنة مؤقتة مع رفض مطلق للانسحاب ووقف شامل للعدوان، ولهذا أهمية كبيرة لأسباب عديدة:
- تصويره انتصاراً لموقف "إسرائيل" وأميركا الداعي منذ البداية إلى إعادة المحتجزين من دون انسحاب ووقف شامل لإطلاق النار، وبالتالي هزيمة لقرار المقاومة، وهذا سيكون دفعة معنوية لبايدن في ترتيباته الداخلية في واشنطن، وكذلك لمجلس الحرب الإسرائيلي أمام أهالي المحتجزين والشارع والرأي العام.
إبقاء القوات في غزة يقطع الطريق على المقاومة لإعادة ترتيب أوراقها وتقوية شبكتها الدفاعية واللوجستية، وبالتالي تستطيع "إسرائيل" القول إنها وضعت غزة تحت السيطرة وتسهل عليها الحرب على جبهة أخرى وعينها في غزة.
- دفعة معنوية لمجلس الحرب للذهاب واستكمال الحرب في الشمال وجبهات أخرى؛ بالتزامن مع نشاط أميركا وبريطانيا ضد اليمن، ودول عربية سيزداد عددها في التحالف بعد إعلان هدوء في غزة لأنهم سيعتقدون أن الكتلة النارية تحقق كل شيء، وهذا سيكون سلاح التخلص من الجبهات في ترتيب المنطقة وكذلك في "إسرائيل" في وجه معارضيهم أو تذمر الجبهة الداخلية.
- وقف النار والتبادل من دون الانسحاب سينعكس فوراً على التضامن القانوني والشعبي والسياسي مع الفلسطينيين؛ حيث سيتراجع بشكل كبير لأنه سيتم تسويقه أنه انتهاء للحرب والدماء، وهذا سيسعف "إسرائيل" أمام المحكمة الدولية التي طلبت تقريراً منها خلال شهر، وكذلك سيسعف بايدن في شأنه الداخلي، وسيكون نقطة ضعف للمقاومة تستخدمها أطراف عربية كان حلمها أن تتخلص من سيطرة المقاومة في الميدان.
- إنقاذ مباشر لكثير من الأطراف التي لم تكشف مواقفها الرافضة للمقاومة لأن القضية الفلسطينية جوهر التصعيد، وبتغييب غزة عن المشهد سيكون الاستفراد ببقية الجبهات بذريعة المواجهة مع إيران، وتفعيل الطائفية -سلاح أميركا الدائم- لتشتيت التضامن وتعزيز أنها حرب مصالح ووكلاء، وهذا سيكون مقنعاً لكثير من الأطراف المترسبة في أذهانها هذه الديباجة.
- مهاجمة الجبهات الأخرى تحت عناوين بعيدة عن فلسطين أسهل بكثير للأميركي والإسرائيلي وبعض الأنظمة في التغطية الإعلامية والسياسية، ولا يمكن ذلك إلا بحديث مكثف عن حلول سياسية وحل الدولتين وغيرها من الاستهلاك بالتزامن مع هدنة وتبادل في غزة مع عدم انسحاب لضمان عدم استرجاع المقاومة قوتها.
خلاصة… يرى الإسرائيلي والأميركي أن فصل غزة عن المشهد في الإقليم خطوة مهمة لاستكمال مناورات "اللكمة القاضية" قبل أكتوبر بشهرين، وخطة التخلص من وحدة الجبهات، ولأن قضية فلسطين تحظى بإجماع شعبي وحزبي وقانوني عالمي، يجري العمل على إخراجها من المشهد مؤقتاً للعودة بعد الانتهاء من جبهات أخرى لاستكمال الخطة في غزة منهكة مقطعة، وستكون خالية من أسرى إسرائيليين ومن مقاومة أوراقها مرتبة ومن جبهات مساندة كانت عقبة كبيرة. "هم ذاهبون إلى حرب مخطط لها مسبقاً مع جبهات أخرى على كل الأوجه لخلق ردع وقطع طريق تحالفات دولية تواجه أحادية القطبية، ولكن بتحييد القضية الأصل فلسطين سيكون أسهل عليهم في كل المستويات".
هذا ما يسعون له.. وواضح أن المقاومة برفضها المطلق الحديث في أي ملف قبل انسحاب القوات ووقف العدوان هو استراتيجية جبهات منسقة جيداً، وتأثيرها كبير، وإدراك وتذكير بأن الطوفان هدفه سياسي ومضمونه جذري للقضية، لا لتحسين حياتي أو إعمار شكلي أو تبادل لأسرى يعاد اعتقالهم بعد إضعاف محرِّرهم في ظل وساطات ما زالت لا تتجاوز سقف الأميركي ولا هيبة لها على الأقل لمنع أي انتهاك، فالمحررون في صفقة "شاليط"/ وفاء الأحرار خير مثال على عدم احترام "إسرائيل" للوسيط حينما أعادت اعتقالهم.