لبنان وأزماته التي لا تأتي فرادى

على المستوى الداخلي، فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد للمرة العاشرة على التوالي، بينما تم ترحيل هذا الملف إلى السنة الجديدة.

  • السيد نصرالله يعلن مواصفات رئيس الجمهورية اللبنانية
     فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد للمرة العاشرة على التوالي

ما يعيشه لبنان هذه الأيام يمكن أن نصفه بالأزمة المعقدة والمركبة. ونقصد بذلك أن الأزمات تتوالى على لبنان بشكل متزامن في محاولات لتحويله إلى دولة فاشلة، ومن ثم العمل على إخراجه من معادلة الصراع مع "إسرائيل". لبنان الذي كان له باع طويل ومحوري في المحور الساخن المقاوم لـ"إسرائيل"، يتعرض اليوم لهجمات وأزمات شبه يومية، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي.  

على المستوى الداخلي، فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد للمرة العاشرة على التوالي، بينما تم ترحيل هذا الملف إلى السنة الجديدة. أمّا على المستوى الإقليمي فيبدو بأنّ هناك رهاناً إقليمياً يعوّل على بعض مجموعات الداخل اللبناني في سبيل عرقلة إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا. ومع أن خطة الإعادة تقتصر على أرقام منخفضة للغاية تقدّر بـ 15 ألف لاجئ شهرياً، يصرّ بعض الأفرقاء في لبنان على تقويض هذه الخطة في محاولة لإضافة مشكلة أخرى إلى مشكلات لبنان وإغراقه في مستنقع الأزمات الداخلية.

ولم تتوقف أزمات لبنان عند هذا الحدّ فحسب، بل دخل البلد في هالة من الغموض والريبة بعد الحادثة التي تعرضت لها قوات "اليونيفيل" في العاقبية، في جنوب لبنان؛ لما تحمله هذه الحادثة من تداعيات خطيرة لم يشهدها لبنان منذ العام 2015. 

من المثير للاهتمام إسراع حزب الله عبر وفيق صفا، مسؤول التنسيق والارتباط في حزب الله، إلى نفي أي ارتباط للحزب بهذا الهجوم. وتعدّ هذه الخطوة مهمّة للغاية من حيث التوقيت، إذ إنها قطعت الطريق على أي تكهنات أو محاولات لإلصاق التهمة بحزب الله، خصوصاً أن المنطقة التي وقعت فيها الحادثة تابعة لمناطق نفوذ الحزب في الجنوب اللبناني.

تعدّ هذه الحادثة استثنائية للغاية، إذ من الناحية التاريخية، فإنّ آخر مرة قتل فيها جندي تابع لهذه القوات كانت في العام 2015، عندما قامت القوات الإسرائيلية باستهداف الجنوب اللبناني، ما أسفر عن مقتل جندي إسباني تابع لقوات السلام الموصوفة بـ"قوات اليونيفيل". 

إذاً، من الناحية التاريخية، لم يستهدف لبنان بشكل عام وحزب الله بشكل خاص قوات "اليونيفيل" قط، وفي الحوادث النادرة التي حدثت إثر مشاجرات بين السكان المحليين وهذه القوات تمّ فض هذه النزاعات بسرعة، من دون السماح بتحوّلها إلى نزاع مسلح. 

إذا ما عدنا إلى التفاصيل القليلة المسرّبة بشأن الهجوم المسلح فسنجد بأن سيارة قوات حفظ السلام كانت تسلك طريقاً لم تعتد سلوكه. فقد سلكت هذه السيارة الطريق البحرية (التي لا تسلكها عادة كما أشرنا سابقاً)، ما أدّى إلى تعقُّبها من قبل شبّان من المنطقة، وقد أثار مرور الآلية في وقت متأخّر وخارج منطقة جنوبي الليطاني بمسافة بعيدة حفيظتهم فحاولوا إيقافها، لكنّ السائق رفض الوقوف وداس على قدمَي أحد الشبان، ما أغضب الجموع الذين حاصروا الآلية.

وسُجّل، في تلك الأثناء، إطلاق نار لم يحدّد مصدره، ما زاد غضب الجموع ودفع بالسائق إلى القيادة بينهم بسرعة قبل أن يصطدم بأحد المحال الملاصقة للطريق. وهنا، أيضاً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السيارة انفصلت في مسارها عن سيارة أخرى تابعة لقوات "اليونيفيل"، والتي أكملت طريقها المعتادة، ولم تتعرّض لأي مشاحنات.

يبدو، وبلا شك، في أنّ أصل المشكلة يكمن في تفاصيل تمديد مهمة قوات "اليونيفيل"، في الأمم المتحدة، في 31 آب/أغسطس من هذا العام، إذ أضاف قرار التمديد تعديلاً مهما ومحورياً إلى عمل هذه القوات، ينص على أن قوات "اليونيفيل" لا تحتاج إلى إذن مسبق، أو إذن من أي أحد للاضطلاع بمهامها، ويسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل.

القرار تجاهل، وبشكل واضح، موضوع السيادة اللبنانية وخرق جوهر وجود هذه القوات على الأراضي اللبنانية وهدفها، منذ العام 1978، والذي يتمحور حول حفظ السلام والفصل بين لبنان و"إسرائيل". وهذا بالطبع يتطلب تنسيق هذه القوات مع الجيش اللبناني فيما يخص تحركاتها ومساراتها. 

ختاماً، ما زال الوقت مبكراً جداً للحديث عن المسؤول عن الهجوم، أو إذا ما كان الهجوم مدبراً لأغراض سياسية، أو أنه يأتي في سياق سلسلة من الأحداث لتعزيز الفراغ الرئاسي والحكومي والأمني في لبنان. ولكن، ما يجب التشديد عليه هنا هو ضرورة التنسيق مع قوات الجيش اللبناني المسؤولة عن المنطقة، وذلك احتراماً للسيادة اللبنانية وضرورة احترام الأراضي اللبنانية.