كان يمكن أن يكون حزناً عادياً... لولا أنّ

كان يستحق زياد أن نحزن عليه حزناً عادياً، كما حزنا يوماً على العظيم الراحل جوزف سماحة، وكما نحزن حين يغيب أحد الذين تقاسموا معنا أعمارنا.

  • كان زياد رجلاً عادياً، وليس في ذلك انتقاصٌ من إبداعه وتميّزه، بل إنّ تميّزه كان في
    كان زياد رجلاً عادياً، وليس في ذلك انتقاصٌ من إبداعه وتميّزه، بل إنّ تميّزه كان في "عاديّته".

كان يمكن أن يكون حزننا على زياد حزنًا عادياً، لو كنّا لا نزال نعيش حياة عادية.

وكان يمكن أن نحزن عليه كما نحزن على من أحببناهم ورحلوا... حزناً كبيراً، لكن طبيعياً، حزناً روتينياً، من ذلك النوع الذي يُقال فيه: "رحل من عبّر عنا".

كان زياد رجلاً عادياً، وليس في ذلك انتقاصٌ من إبداعه وتميّزه، بل إنّ تميّزه كان في "عاديّته".

عبّر عن لبنان العادي، الحقيقي، كما هو: بألمه وسخريته، بفوضاه وشقاوته، بعجزه وحنينه، بقهقهته في المقهى وبكائه في الزواريب.

عبّر زياد عن همومنا اليومية، عن الأفكار التي لم نعرف كيف نقولها، عن الضجر والملل، عن الخوف من الحرب، وعن الخوف من السلم، كسر الجرّة، والنافورة، وخلفيّات مسرح الأخوين رحباني، ووضع مكانها يوميات الحرب، بدّل ضوء القمر وأشعل نور الصهريج. صوّر الشارع، والمقهى، والمصرف، والبيت المهدود، وقال للناس: "هيك نحنا، شو بدنا نخَبّي؟".

كان يستحق زياد أن نحزن عليه حزناً عادياً، كما حزنا يوماً على العظيم الراحل جوزف سماحة، وكما نحزن حين يغيب أحد الذين تقاسموا معنا أعمارنا.

لكننا لم نعد نعرف كيف نحزن، لم نعد نملك ترف أن نحزن لشخص واحد فقط، مع رحيل زياد حضر حزننا على كل شيء، على كل من فقدنا وما فقدنا.

منذ عام ونصف، الموت صار رفيقاً لنا، ليس كغريبٍ يزور، بل كصديق ثقيل ينام معنا.

صرخات الجوع تخرق آذان قلوبنا، وتضرب عقولنا بالشلل.

فقدنا الكثير، من الأصدقاء، من الأحبّة، من الكرامة الإنسانية، فصار كل حزنٍ جديد... يصبّ في بحرٍ امتلأ حتى طغى.

كان يحق للفلسطيني أن يحلم، أن يعيش ما يتجاوز القتال والموت، أن تكون له آمال وطموحات... أن يحب.

وكان يحق لأطفال غزة أن يرضعوا حليب الأمان لا الرعب، أن يناموا في حضن أمّ لا تحت ركام منزل.

وكان يحق للأب في فلسطين أن يفكر بمستقبل أولاده، لا برغيف الغد.

وكان يحق لنا أن نكبر مع الذين تقاسمونا طفولتنا، ونشيخ معهم، ونحزن عليهم، ويحزنون علينا... حزناً عادياً.

لكن لا شيء في هذه البلاد... صار عادياً.

زياد، على مدى حياته، عبّر عن تعقيدات الواقع بلغة بسيطة... هذه كانت عبقريّته، لكنه ومنذ ما يزيد على عام ونصف، لم يتكلّم.

ربما أعجزه الواقع، حتى هو، عن أن يعبّر عنه ببساطته، ربما ما جرى، ويجري، كان أكثر تعقيداً من أن يُقال، فصمت... وصمته كان ختام الأغنية.

وداعاً يا زياد.

أيها العادي العظيم.

كان يمكن أن يكون حزننا عليك حزناً عادياً... لو لم يُصبح هذا الواقع بهذا القدر من الألم.