في بلاد الغرب.. إهانة الإسلام حرية تعبير

من هنا نفهم ممن تكوّن تنظيم "داعش" الذي حطم العراق وسوريا وليبيا؟ ومن آوى هؤلاء المتطرفين؟

  • إدانات واسعة لقرار السويد بالسماح بحرق القرآن الكريم
    في بلاد الغرب.. إهانة الإسلام حرية تعبير

بَانَ الحقد الدفين والكره الشديد للغرب على الإسلام والمسلمين بعد أن أقدم متطرف على حرق نسخة من المصحف الشريف أمام أعين العالم، ولم تندّد بالأمر كبريات الدول لاعتقادها بأنّ ما قام به هو حرية تعبير. هذا الحقد على دين يؤمن بالسلام والأمن والأمان والسِّلم والسّلام والتسامح والتصالح، يسبّب إحراجاً كبيراً للمسلمين المنتشرين في أنحاء العالم كافة ومنها السويد نفسها. فكيف تترك هذه البلاد هذا المتطرف الحاقد يفعل فعلته هذه من دون مساءلة ومن دون عقاب؟، هو قد ازدرى ديننا الحنيف واحتقر المسلمين وأهانهم ووجّه لهم صفعة قوية على خدودهم ولطمهم بقوة وأحدث فيهم هزة عنيفة لا يمحوها الدهر.

كيف فعل هذا الحقود فعلته ولا يبالي بما يفعله أو يعتبر ذلك حرية تعبير كما تريد أن تروّج له أوروبا فقد سبقتها فرنسا عندما أهانت نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، واليوم يهين هذا الرجل قرآننا، فماذا بقي لنا نحن المسلمين لم يُهن عندنا؟ إنها الهزيمة الكبرى والفجيعة العظمى أن يسكت المسلمون على الجرم الكبير والفظيع إن كان هناك مسلمون فعلاً في هذا العالم المتوحّش الذي لم يعد يحترم الأديان ولا الإنسان ولا حتى الحيوان. يا له من عالم جديد تبرز فيه الفوضى بشكلها العجيب الذي يزيد المسلمين ألماً ومعاناة فوق ألمهم ومعاناتهم.

ولو أقدم مسلم على نقد الصهيونية أو أنكر المحرقة اليهودية لحوكم بمعاداة السامية كما حوكم روجيه جارودي وغيره ووجّهت إليه هذه التهمة غير القانونية وغير الأخلاقية، بينما يُقدم متطرف أحمق على إحراق نسخة من القرآن الكريم أمام وسائل الإعلام في استفزاز صارخ ومعاد للإسلام والمسلمين، ويعدّ ذلك حرية تعبير. إنه التطرف بعينه يا سادة، إنها الحرب على الإسلام في كل مكان، وليست حرية تعبير كما يدعون، فأين الأمم المتحدة التي ينص ميثاقها على وجوب احترام الأديان؟ ذلك الميثاق الذي وقّعت عليه دول العالم وألزمت نفسها باحترامه وإنزال العقوبة على مرتكبي هذه الجريمة.

ومن هنا نفهم ممن تكوّن تنظيم "داعش" الذي حطم العراق وسوريا وليبيا؟ ومن آوى هؤلاء المتطرفين؟ ومن عمل على صدع الدول الإسلامية وتخريب عقول المسلمين؟، إنها الآلة الغربية البشرية التي تعمل ليلاً ونهاراً من أجل استفزاز واضح لمشاعر المسلمين وزرع الكراهية في قلوب المترددين الذين يميلون إلى الحق في وقت انتشر فيه الإسلام في بلاد الغرب بالحجج والأدلة والبراهين وبأسلوب الإقناع وبأخلاق المسلمين الأتقياء، لأن "داعش" ببساطة تنظيم صنعوه في بلادهم وصدّروه إلى بلادنا، وجعلوه شوكة في حلق تقدّمنا.

 الإسلام دعا أنصاره إلى الجنوح إلى السِّلم في أوقات العداء "وإن جنحوا للسِّلم فاجنح لها" وقال سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافة". فحينما نرى الإسلام يجنح للسلم لا نستغرب، لأنه هو من أرسى قواعد السلم في المجتمع وجعل المسلم يعيش حياته آمناً مطمئناً من يومه وغده، ومن عاش آمناً في سربه له قوت يومه فقد حيزت له الدنيا، فماذا يبغي المؤمن غير الأمان وقوت اليوم؟، وهل الازدهار والتطوّر التقني والتكنولوجي والرفاهية بكل معانيها تأتي في ظل الفوضى واللامسؤولية؟ 

وإذا تأملنا آيات الله العظمى في كتابه المنزّل، وقرأنا حروفه بتمعّن، وفحصنا كلماته وتحرّينا معانيها لرأينا أن الإسلام دين عظيم، فانظروا مثلاً إلى تشكيل كلمة السّلم وكيف وردت متنوعة في القرآن الكريم، بين السِّلْم بكسر السين وسكون اللام، وبين السَّلْم بفتح السين وسكون اللام أيضاً وبين السَّلَم بفتح السين وفتح اللام. دلائل عظمى على أن هذا الدين يجنح فعلاً إلى المصالحة والمسالمة والاستسلام والانضواء تحت لواء المحبة في الله والرجوع والإنابة إلى الله عز وجل. فقد قال المولى عز وجل في كتابه العزيز في سورة البقرة تأييداً للكلمة الأولى: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوّ مبين». وقال في سورة الأنفال مخاطباً سيد المرسلين وخاتم النبيين «وإن جنحوا للسَّلْم فاجنح لها». وأما عن السَّلَم فقال سبحانه وتعالى في سورة النساء: «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَمَ». 

كلمات ثلاث بتشكيلات مختلفة وفي مواضع مختلفة، ففي الأولى الخطاب موجّه إلى المؤمنين كافة، وفي الثانية كان الخطاب موجّهاً إلى رسول الإنسانية وتعداه لكل قائد وجد نفسه أمام عدو يريد الحرب، وفي الثالثة خطاب موجّه للمؤمنين المتحمسين للقتال، أمرهم المولى عز وجل بالسّلم ما دام العدو لم يبادر بالقتال والاعتداء. ووردت الكلمة بأشكالها الثلاثة في القرآن الكريم للتعبير والتأكيد أن الإسلام دين التسامح والاعتدال والمصالحة والمسالمة وهو إذ يرسّخ في العقول هذه الفلسفة إنما يريد أن يوجّه المسلمين نحو برّ الأمان ويكفيهم شرّ الاعتداء وعدم اللجوء إلى الخيار العسكري لأنه خيار مُرٌّ علقمٌ حتى في أحلك الظروف، وأمرهم باتباع طرق السلم والمسالمة والابتعاد عن كل ما يحرّك كوامن الفتنة.

وقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه معنى التصبّر والجنوح إلى السّلم من خلال صلح الحديبية المشهور الذي رسم في التاريخ ملحمة جديدة من التعامل مع الأعداء، وحينما لم يرض أغلب الصحابة عن هذا الصلح قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ألسنا على الحق وعدونا على الباطل فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا». ورغم أنهم على حق والمشركون على باطل كان جواب أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «إنه رسول الله ولن يضيعه أبداً» تنبيهاً لهم أن ما خامر نفوسهم من كراهية الصلح هو من وساوس الشيطان. فهل بعد هذا يقولون إن الإسلام إرهاب؟

ورغم أنه في بلادنا كنائس ومعابد وصوامع لليهود والنصارى والبوذيين، فلم يُمسّ أحدٌ منهم بسوء ولا أقدم أحدُهم على إحراق نسخة من التوراة أو الإنجيل رغم يقيننا نحن المسلمين أنها محرّفة. إلا أن هناك في بلاد الإسلام نفسها من يعتدي على الإسلام والمسلمين في تحدٍّ صارخ لا مثيل له، كما تفعل الهند اليوم بمسلميها وبالمساجد التي بنيت منذ آلاف أو مئات السنين، أمام مرأى ومسمع من العالم. 

فالهندوس أجهزوا على المسلمين بدعم من حكومة رئيس الوزراء الهندي المتطرف ناريندرا مودي، وفي فلسطين يُهان المسجد الأقصى من اليهود منذ سبعين عاماً ولا حديث من الغرب إلا عن أنه من حق اليهود الدفاع عن أنفسهم أمام الإرهابيين، فاستوى عندهم الجلّاد والضحية وبات الأمر كأنه حقّ من الحقوق.

وبعد هذا أما زال هؤلاء ينادون بحرية التعبير وينادون بحقوق الإنسان. إننا نعيش مرحلة القوة وقانون الغاب لا قانون السلم والسلام والأمان كما يدعو له أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.