عدوانكم تدمير وتقسيم... ووعدنا التحرير ووحدة الأراضي السورية

من الواضح أنّ إدارتي ترامب وجو بايدن لم تكتفيا بالاحتلال والسرقة، وبقيتا تتطلّعان نحو تقسيم سوريا.

  • الدمار في سوريا.
    الدمار في سوريا.

منذ بداية القرن الماضي، سجّلت الولايات المتحدة دخولها وتدخّلها الفعلي كقوة سياسية وعسكرية حول العالم، خصوصاً في منطقتنا العربية، إلى جانب فرنسا وبريطانيا القوتين الاستعماريتين المتحكّمتين آنذاك، واللتين أخذتا على عاتقهما بشكلٍ معلن، إضافة لساكني الجحيم بشكلٍ خفي، وضع المخططات الخبيثة ورسم خرائط تقسيم المنطقة وحدود دولها الخارجية والداخلية، على قاعدة تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ، تمهيداً لتنفيذ المخططات والوعود بإنشاء كيانٍ إسرائيلي على أرض سوريا، وتحديداً في جنوبها على أرض فلسطين.

ومنذ دخولها، حملت إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة مخططات وصولها نحو دفة القيادة الأولى، وإزاحة ودحرجة فرنسا وبريطانيا نحو المعقد الثاني، والاستفادة من تركتهما وخبرتهما في إمساك خيوط اللعبة في المنطقة ككل، وأظهرت الولايات المتحدة حرصها وشغفها لحكم العالم والسيطرة عليه، متكئةً على غطرستها وعنجهيتها، وعلى تاريخها الأسود في قارتها، وقساوة قلوب حكّامها وقادتها الذين لم يتردّدوا يوماً في القيام بأي أفعال وحروب وجرائم مشينة، وانطلقوا نحو العالم ومنطقتنا، بدءاً من الرئيس وودرو ويلسون 1913 وليس انتهاءً بالرئيس الحالي جو بايدن.

وحملوا روايتهم الكاذبة وشعارات "الحرية والديمقراطية ورعاية السلام" ، ليؤكدوا حضورهم وقيادتهم، وقد قالت الرواية على لسان الرئيس نيكسون إنه من دون الولايات المتحدة الأميركية "لن يكون هناك سلامٌ أو حريةٌ في العالم أجمع، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، علينا حمل عبء العالم لأننا شعبٌ عريق، نحن موجودون لنصنع التاريخ".

وبعد شوطٍ من الجرائم في أميركا اللاتينية، واليابان وفيتنام ويوغوسلافيا وأفغانستان، وفلسطين، والعراق، وليبيا، واليمن، وسوريا، وبعد مئات الحروب والانقلابات والاغتيالات وقتل ملايين الأبرياء، قال الرئيس ترومان: "العالم الآن في متناول أيدينا"، وطالب بتفجير السدود المائية، ونسف محطات توليد الطاقة الكهربائية في فيتنام الشمالية، وسط اعتراض هنري كيسنجر بقوله: "قد يهلك أكثر من 200 ألف شخص"، فرد نيكسون: "إذاً أُفضّل استخدام القنبلة الذرية مرةً أخرى".

في وقتٍ رأى فيه الرئيس روزفلت أن الحروب التي دخلتها الولايات المتحدة الأميركية كانت دائماً "تقوم على الخوف"، ووصف نفسه وإدارته: بأننا "لا نخاف إلّا من الخوف نفسه"، وأعجب بقول مادلين أولبرايت عن الولايات المتحدة: "هي الرجولة الضرورية في العالم".


لم تتوقّف مسيرة الرواية الأميركية العدائية والعدوانية، رغم اتباعها سياسة العصا والجزرة حيناً، والعدوان العسكري غالباً، ومن الترغيب بصفقة القرن إلى أفخاخ التطبيع، إلى العدوان العسكري الاحتلالي غير المباشر على سوريا عام 2011، واعتمادها على الإرهاب المحلي والإقليمي والدولي وعشرات الدول الأدوات، والقيام باستدراج أكثر من ستين دولة نحو تحالف عسكري كاذب مضلّل، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيمي "داعش" وجبهة النصرة في سوريا والعراق، في الوقت الذي بات واضحاً أنها تقود الحرب الإرهابية على سوريا والمنطقة، بهدف الاستيلاء على الثروات، والدفع  اليومي بسيناريوهات ومؤامرات تقسيم سوريا والعراق.


وبقواتها العسكرية، احتلت أجزاءً واسعة من الجزيرة السورية، وأقامت قواعد عسكرية غير شرعية وغير قانونية، واعتمدت على التنظيمات الانفصالية المحلية الداخلية والخارجية، وقولبتها في هيئة ميليشيات إرهابية دعتها "قوات سوريا الديمقراطية"، وانطلقت نحو حصار سوريا، وسرقة ثرواتها من نفط وقمح وفوسفات، وكل ما يقع بين أيديها، وجاء الرئيس ترامب ليقول على غرار من سبقوه من الرؤساء الأميركيين: "أصبح النفط السوري في قبضتنا".

لقد سرق ما سرق، وجاء من بعده الرئيس جو بايدن الذي ادّعى سياسة نسف حقبة ترامب، لكنه تابع اللصوصية المتأصّلة في عروقه وأسلافه، ولا تزال صهاريج النفط السوري المسروق تخرج أرتالاً وبشكلٍ يومي عبر معابر غير شرعية باتجاه العراق، لتصبّ في جيوب الساسة والمصارف الأميركية.


من الواضح أنّ إدارتَي ترامب وجو بايدن لم تكتفيا بالاحتلال والسرقة، وبقيتا تتطلّعان نحو تقسيم سوريا، فابتدعت إدارة ترامب خطةً بمثابة الهدية، تكافئ فيها سلطات الكيان الغاصب على مشاركتها وقيادتها ودعمها العسكري واللوجستي والمالي للتنظيمات والمجموعات الانفصالية والإرهابية في سوريا، وعلى تدخّلها المباشر في المعارك الميدانية، لمنع الدولة السورية من تحقيق الانتصار على الإرهاب، ونفّذت لأجل هذا الهدف مئات الاعتداءات المتكررة على مواقع للجيش العربي السوري، وعلى المناطق المدنية والسكنية، لإضعاف الدولة السورية، ولحماية الإرهابيين والانفصاليين في الوقت ذاته.
 
يا لوقاحة "هدايا" واشنطن للكيان الإسرائيلي الغاصب، ومزامنتها مع الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي سبق وأتت اعترافاً أميركياً بسيادة الكيان الغاصب على الجولان السوري المحتل، الذي أطلقه ترامب في آذار/مارس عام 2019، وتتابعه اليوم إدارة بايدن، عبر تصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بأنّ قرار الإدارة السابقة "لا يزال قائماً وساري المفعول، ولم يجرِ عليه أي تعديل أو تغيير".

لم تتأخّر الأمم المتحدة بالردّ على تصريحات السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، حيث أكد نائب الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن "وضع مرتفعات الجولان لم يتغيّر، وبأنها أراضٍ سورية محتلة".

من المؤسف ألّا يخرج عن دول العالم مجتمعةً، ما يؤكد حق سوريا في سيادتها على أراضيها المعترف بها دولياً وأممياً، وبقيت ردود الأفعال خجولة حتى العربية منها، وبهمسات تكاد تكون غير مسموعة، وهذا أمر مفهوم بالنسبة لسوريا، التي تدرك أن بعض الدول، وخصوصاً الغربية كفرنسا وبريطانيا وتركيا، شاركت ولا تزال تشارك في العدوان على الأراضي السورية.

بدءاً من الجولان السوري المحتل وصولاً إلى احتلال أجزاء واسعة في الشمال والشرق السوري عبر التنظيمات الإرهابية والانفصالية وقوات الاحتلالين التركي والأميركي، وقيامها اليوم بمضاعفة العبث ودعم التهديد العسكري لخدمة المخطط الانفصالي الذي يطال أيضاً الجنوب السوري في السويداء ودرعا وما حولهما، ناهيك عن وجود الاحتلال الأميركي في منطقة التنف الحدودية، لاحتضان مشاريع المناطق العازلة والكانتونات والإدارات الذاتية، وسط نوايا واضحة للاعتراف بانفصال مساحات من الأراضي السورية، وتقسيم سوريا.

واليوم تضع الولايات المتحدة كقائد لمشروع تدمير وتقسيم سوريا، كلّ ثقلها، لتكريس الانفصال والتقسيم في عدة مناطق سورية، لتحدّي الدولة الوطنية السورية وهويتها الجامعة، وجرّها إلى ما يمكن تسميته "ما تحت الوطنية" من إثنيات وعرقيات وطائفية، لتبرير إقامة الإدارات الذاتية وتكريس التقسيم.

لكن، هيهات أن تنال تلك الدول ومشاريعها الخبيثة من دمشق الشامخة، التي على الرغم من ترحيبها بكل إدانةٍ وبأيّ موقف يدعم حقوقها الوطنية المدعومة بالقرارات والشرعية الدولية، لكنها في الوقت ذاته لا تعوّل على تلك المسرحيات اللفظية، ويبقى تعويل السوريين الأول والأخير على إيمانهم بعدالة قضيتهم، وبوفائهم لأرضهم الطيّبة أرض الآباء والأجداد، وعلى شدّة بأسهم واعتمادهم خياراً واحداً، الشهادة حتى النصر، مؤمنين بحكمة وشجاعة الرئيس بشار الأسد، وبسالة الجيش العربي السوري والمقاومة الشعبية، وصمود الشعب السوري العظيم الذي يشهد له التاريخ أنه لم ولن ينام على ضيم، ناهيك عن وقوف محور المقاومة مجتمعاً والدول الحليفة والصديقة وأحرار العالم إلى جانبها، ووفاءً وإيماناً منهم بأن سوريا حقّ والحقّ ينتصر دائماً وأبداً.