سلاح العقوبات الاقتصادية، مدى شرعيته، وماذا عن "إسرائيل"؟

الولايات المتحدة الأميركية تلجأ إلى سلاح العقوبات الاقتصادية لأنه أقل تكلفة من الحروب العسكرية، ولأن أميركا هي المسيطرة على نظام "سويفت" وتحكم العالم بالدولار، فبالتالي هي قادرة على فرض عقوبات اقتصادية.

  • هل أصبحت العقوبات وسيلة بيد الدولة القوية في العالم ضد الدول الضعيفة؟
    هل أصبحت العقوبات وسيلة بيد الدولة القوية في العالم ضد الدول الضعيفة؟

لقد أصبح من الواضح، وبشكل سافر، أن الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتحدى الأمم المتحدة وتهيمن عليها بالقوة وبالدعم المادي. هذه الهيمنة بدأت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة التي انطلقت من خلالها قيادة الولايات المتحدة الأميركية الأحادية للعالم، وتكرّست باحتلال العراق، ثم فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية ومالية أحادية الجانب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دون رضى الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، وعندما تم إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، هدّد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باقي الأعضاء بالرد عليهم عبر الإجراءات الانتقامية. لذلك، يُطرح السؤال ما هي العقوبات الاقتصادية؟ وهل أصبحت وسيلة بيد الدولة القوية في العالم ضد الدول الضعيفة؟ وما مدى فعاليتها وتأثيرها في الدولة التي تُعاقب؟ 

طبعاً، هناك هدف أساسي وهو تصفية حسابات سياسية، في تعريف العقوبات الاقتصادية هي مجموعة إجراءات تتخذها إمَّا المنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي وذلك وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو تتخذها بعض الدول القوية من طرف واحد أو مجموعة دول كالاتحاد الأوروبي، ضد دول أخرى ربما لا تحترم التزاماتها الدولية ولا تمتثل للقانون الدولي العام أو لقرارات مجلس الأمن، لكن في بعض الأحيان، كما حصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية و السودان، تستعمل أميركا هذه العقوبات كضغط سياسي وتصفية حسابات ضد الأنظمة التي لا تطيعها.

كذلك تصفّي الولايات المتحدة الأميركية حساباتها مع العديد من دول العالم عندما لا تضمن التطابق السلوكي لهذه الدول مع معاييرها ومصالحها، وهكذا فرضت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية على روسيا عندما دخلت إلى أوكرانيا، ونعلم مدى حجم روسيا العالمي. 

الفصل السابع من المادة 39 حتى المادة 51 يوضح أن مجلس الأمن هو صاحب الاختصاص الأساسي في العقوبات، لتكون هناك مشروعية للعقوبات الاقتصادية. تُفرض عقوبات من مجلس الأمن ضد الدولة التي انتهكت بعض القرارات الدولية والقانون الدولي العام ولا سيما المادتين 40 و41 اللتين تنصان على قطع العلاقات والاتصال قبل استخدام القوة العسكرية.

لقد تذرعت دول غربية عديدة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان لفرض عقوبات اقتصادية على دول من أجل التدخل في شؤونها الداخلية، كما في ليبيا والسودان وسوريا والعراق، وفي السابق على هاييتي ويوغسلافيا وجنوب أفريقيا وكوريا الشمالية حتى الآن وكوبا لمدة 50 سنة. 

لذلك، نقول إن العقوبات الاقتصادية أداة ضغط سياسية ودبلوماسية استخدمت على نطاق واسع من الدول الكبرى، فمنذ أن فرضت العقوبات الاقتصادية على كوبا لمدة 50 عاماً تم تجويع الشعب الكوبي وتفقيره، ولا تزال إيران متهمة بأنها تعمل على تطوير السلاح النووي فوقعت تحت العقوبات الأميركية، أمّا "إسرائيل" التي لا تحترم قرارات مجلس الأمن ولا المواثيق الدولية فلم تصدر بحقها أي عقوبات اقتصادية. 

إن الولايات المتحدة الأميركية تلجأ إلى سلاح العقوبات الاقتصادية لأنه أقل تكلفة من الحروب العسكرية، ولأن أميركا هي المسيطرة على نظام "سويفت" وتحكم العالم بالدولار، فبالتالي هي قادرة على فرض عقوبات اقتصادية، وخاصة المالية منها، على هذه الدول، بالرغم أن هذه العقوبات لم تبرهن عن فعاليتها ضد الأنظمة التي تُفرض ضدها، فهناك العديد من الدراسات تؤكد أن العقوبات الاقتصادية لم تتجاوز فعاليتها 30٪؜ ومن يدفع الثمن هي الشعوب بينما الأنظمة بقيت على حالها.

بالرغم من أن الدولة المعاقبة تخسر الكثير من حجم علاقاتها وإمكانياتها فإن الشعب هو من يدفع الثمن.

بيّنت دراسة أجراها معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي أن فعالية العقوبات لم تصل إلى 30٪؜ في دول مثل العراق والبوسنة وأنغولا وليبيريا وروندا ويوغوسلافيا، ولم تؤثر هذه العقوبات في الأنظمة التي بقيت على حالها وبقوتها، ولم تسقط.  وعندما فرضت العقوبات على صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي قتل أكثر من مليون طفل بسبب عدم إدخال الدواء والغذاء إلى العراق، وحتى يتجنبوا الفضيحة الإنسانية الكبيرة وضعوا مبادرة النفط مقابل الغذاء (بحدود مليار دولار) ثم تم إسقاطه فيما بعد عندما شعروا أنه بدأ يزعجهم ويزعج الجوار العربي الخاضع للهيمنة الأميركية. 

وتبيّن أيضاً أن العقوبات كانت فعَّالة فقط في تدمير البلاد مثل كوبا وأفغانستان والعراق وأيضاً العقوبات على إيران أدَّت إلى تراجع حاد في الاقتصاد الإيراني وسقوط العملة وارتفاع التضخم، وقد خرج من إيران الكثير من المستثمرين مثل شركتي بيجو ورينو وشركات ألمانية وبريطانية بعدما فُرضت عليها عقوبات اقتصادية، وجعلت أميركا كل من يتعامل مع إيران عرضة للعقوبات.

في الختام نقول إن العقوبات التي تصدر عن مجلس الأمن بموافقة أغلبية الأعضاء إلى حد ما هي عقوبات مشروعة، أمَّا العقوبات التي تفرض بشكل أُحادي الجانب من دولة واحدة فتعدّ غير مشروعة لأنها تُهمش دور مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة كمسؤول رسمي عن حفظ الأمن والسلم الدوليين وله حق تطبيق العقوبات، فكل هذه التجارب في العقوبات الاقتصادية ضد الأنظمة لم تكن فعَّالة على الأنظمة إنما من دفع ثمنها الشعوب مزيداً من الفقر والتخلُّف والتشريد، كما يحصل مع الشعب السوري. 

لذلك، لا بد من إعادة النظر في نظام العقوبات بحلول ثانية لا يدفع ثمنها المواطنون والشعوب، وعدم استثناء الكيان الصهيوني من عقوبات اقتصادية علَّها تلجم آلة الذبح اليومية في غزة ورفح والضفة الغربية.