خطاب نصر الله خريطة طريق النصر

يبدو أنّ نتنياهو يجهل قدرات المحور، وهذا ما يؤكد هزيمته، فيما الأخير يعي جيداً قدراته وقدرات عدوّه، وفق ما يقول صن تزو في فن الحرب "إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة".

  • الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
    الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

"على العدو ومن خلفه أن ينتظر ردّاً آتياً حتماً، إن شاء الله. وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان". في هذه الكلمات وما سبقها وتلاها من خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خريطة طريق لمرحلة جديدة واضحة يعلمها محور المقاومة جيداً، ويجهلها الإسرائيلي ومن خلفه، كما كان يجهل عواقب عدوانه على الضاحية الجنوبية لبيروت ومساسه بشرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية واغتيال ضيفها على أرضها. وهنا، لا بدّ من التشديد على مغبّة هذا الفعل المشين في منطقتنا المشرقية، والتي اشتهرت عبر التاريخ بإكرام الضيف وليس دفنه! ومن يمسُّ الضيف بأذى كأنما مسّ أهل الدار المضيف. ولدى الشرقيين، فإنّ مسّ الشرف لا توازيه سوى الدماء، أليس الرسول الكريم بخلقه من قال "من دخل دارَ أبي سفيان فهو آمن"، فما بالك بمن يقتدي بالتعاليم الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وعليه، فإنّ الرد الإيراني حتميّ مزدوج المفعول: الأول نصرة لفلسطين، والثاني نصرة لشرفها.

أما في ما يتعلق بالرسالة التي حملها الخطاب الموجّه بشكل مباشر من دون الحاجة إلى قراءة ما بين السطور، بأنّ الرّد على هذه الجريمة (الاعتداء على الضاحية، قتل المدنيين، اغتيال السيد فؤاد) منفصل عن العمل في جبهة الإسناد اللبنانية لغزة وليس له علاقة بها، توضّح أنّ ما أراده نتنياهو (ومن يقف وراءه) من هذا العدوان على الضاحية وطهران وقبله اليمن وخلاله العراق في مسعى منه إلى خلط الأوراق وحرف انتباه جبهات الإسناد عن غزّة، وإيقاعها في فخ الرد الفوري ما يؤدي إلى حرب شاملة يكون فيها الإسرائيلي هو "الضحية" أمام المجتمع الدولي، خصوصاً أنّ الذريعة التي تذرّع بها لعدوانه على الضاحية الجنوبية كـ"حق الرد" هي "قتل الأطفال" في مجدل شمس، والدلائل كثيرة على قيام "إسرائيل" نفسها بتلك المجزرة لتضاف إلى سجل جرائمها المرتكبة في الأراضي المحتلة ولبنان والاستفراد بغزة قد ذهبت سُدىً، كما ذهبت مع أدراج الريح آماله بأن يحصل على "نصر وهمي" ينزله من على الشجرة أمام حكومته ومستوطنيه تحت عنوان "القضاء على القادة لدى حماس وحزب الله".

وبالتالي، لم ينزل نتنياهو عن الشجرة، وبات بين خيارين أحلاهما مر: إن أنهى العدوان على غزة فهو أمام الرد الحتمي، الموحّد أو المتعدد، من اليمن وإيران وحزب الله والعراق ولقيادات المقاومة الاختيار، وإن استمر بالعدوان فهو أمام استنزاف قد دخل مرحلة جديدة لم يعد يحتمل دفع أثمانها. والمبدأ الذي يحكم المرحلة الجديدة "الغموض الاستراتيجي" بأبعاده كافة سواء غموض الهدف أو القوة أو التكنولوجيا المستخدمة، والذي يتيح لدول محور المقاومة التعامل مع "إسرائيل" بحكمة وتعقّل والانتقال إلى استراتيجية التحركات من مرحلة جبهات الإسناد إلى المعارك المفتوحة ضمن المعركة الكبرى مقابل هواجس إسرائيلية وحالة من الذعر يعيشها الكيان، دونما إدراك لأي فعل وأي فاعل وأي معركة يواجه، فمن يلعب بالنار يحترق ونتنياهو أشعل ناراً ستحرقه مع كيانه.

 ويبدو أنّ نتنياهو يجهل قدرات المحور، وهذا ما يؤكد هزيمته، فيما الأخير يعي جيداً قدراته وقدرات عدوّه، وفق ما يقول صن تزو في فن الحرب "إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات عدوك... فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة!".

وهنا، نشير إلى أنّ حزب الله لا يريد الحرب ولكنه لا يخشاها، أما الإسرائيليون فيريدونها، لكنهم يخشون غموضها ومفاجآتها. وعليه، فمن المرجّح أن يكون الرد رد قوياً ورادعاً وخلّاقاً بكامل تفاصيله، بما يُعقّد الحسابات الإسرائيلية ويضعها أمام خيارات أقلّها هزيمة مرحلية وأسوأها مواجهة حرب تحرير شاملة فزوال كيانهم.

ليثبت محور المقاومة بالقول والفعل أنّه ضليع في فنّ الحرب كمهارته في السلم، ناهيك بسيطرته الجوية والبحرية من خلال جبهة اليمن وتأثيرها في الاقتصاد العالمي، مضيفاً نظرية جديدة في الجيوبولتيك مفادها أنّ "المنطقة المشرقية هي منطقة المصير والحسم". وفي خطاب السيد اليوم رسم لمعالم المرحلة المقبلة وكيفية الحسم وماهية المصير!