خروقات "إسرائيل" للقانون الدولي والقرارات الأممية
إفلات "إسرائيل" المستمر من العقاب، وتغطية أميركا والغرب لأعمالها العدوانية، أوصلا العالم إلى نوع من الشلل الدولي من خلال شلل منظمة الأمم المتحدة، وعليه أصبح من الأفضل عدم المطالبة أو عدم الحاجة إلى قانون دولي عام.
لقد شهد القرن العشرين أكثر من 30 اتفاقية ومعاهدة وملحق وبروتوكول دولي تنظم بها الدول علاقاتها أثناء النزاعات المسلحة، بحراً وبراً؛ حفاظاً على الإنسان والأبرياء، وكان ذلك في فيينا وجنيف ولاهاي، صادقت على هذه الاتفاقات والمعاهدات غالبية دول العالم، حتى الكيان المصطنع "إسرائيل"، التي صادقت على اتفاقيات جنيف الأربع وملحقاتها وبروتوكولاتها القاضية باحترام الإنسان وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والجرحى والأسرى، وحظر استعمال الأسلحة المحرّمة التي تم ذكرها في مطلع المبحث.
هذه المصادقات على الاتفاقيات في 1948 وما بعدها لم تكن سوى حبر على الورق، إذ لم تحترم "إسرائيل" أياً منها، بل عاثت دماراً وفساداً وتنكيلاً وقتلاً وتهجيراً بالفلسطينيين والجوار العربي طوال 75 عاماً، علماً أن المجتمع الدولي والجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية كلهم كانوا يدينون ما ترتكبه "إسرائيل" ويأخذون الإجراءات بحقها.
فكانت "دولة إسرائيل" منذ ولادتها هدفاً لنحو ثمانين قراراً يدينها أو يدعوها إلى احترام القانون الدولي العام، وخاصة القانون الدولي الإنساني، وكان من الممكن للرقم أن يكون أعلى من ذلك بكثير لو لم تستخدم الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) بشكل منتظم ودائم لصالح "إسرائيل"، وحتى أنها عملت على القضاء على العديد من مسودات مشاريع قرارات قبل صياغتها.
لذلك، فإن إفلات "إسرائيل" المستمر من العقاب، وتغطية أميركا والغرب لأعمالها العدوانية، أوصلا العالم إلى نوع من الشلل الدولي من خلال شلل منظمة الأمم المتحدة، وعليه أصبح من الأفضل عدم المطالبة أو عدم الحاجة إلى قانون دولي عام، وعدم المطالبة من (الدول المتحضرة) بعبارات العدالة والإنصاف كلغة أيديولوجية عالمية، وإنما إحلال القوة مكانها، وبالتالي مكان القانون، وبهذا قد نتّجه تدريجياً إلى عالم قاتم ومظلم بشكل رهيب من دون قانون فيه إلا قانون القوة.
إذا عدنا إلى الوراء ثمانين عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، فإننا نجد أن قائمة القرارات التي صدرت من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين قد قارب عددها 130 قراراً، وكان أبرزها: القرار 181 المفضي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة ذات قومية عربية وأخرى ذات قومية يهودية، ومن ثم القرار 194 الذي أقر حق العودة للفلسطينيين والتعويض عليهم بموجب القانون الدولي.
وبين العام 1948 ونكسة 1967، صدر أربعون قراراً عن مجلس الأمن الدولي لحلّ الصراع العربي-الإسرائيلي بعد أن احتلت "إسرائيل" الأراضي العربية في مصر والأردن وسوريا، ولكن كيان العدو لم يطبق شيئاً منها وضرب بعرض الحائط كل هذه القرارات الدولية. وبعد حرب 5 حزيران 1967، صدر القرار 242 الذي دعا "إسرائيل" إلى احترام حقوق الفلسطينيين، وإقامة السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط والانسحاب من الأراضي المحتلة، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحصل.
واستمر الفلسطينيون بمعيشتهم تحت الاحتلال والتعذيب والقهر، وصدرت أيضاً بهذا الخصوص لجان للتحقيق في ممارسات "إسرائيل" التي لم تحترم حقوقهم ولا اتفاقية جنيف 1949 ولم تتعاون مع الأمم المتحدة، ولم تحترم أياً من قراراتها، وكل ذلك بدعم أميركي وغربي سافر.
في عام 1974، صدر قرار من الأمم المتحدة بإعطاء صفة مراقب للفلسطينيين في الجمعية العامة، بعد أن تم الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلة للشعب الفلسطيني. وصدر إلى جانب ذلك عام 1974 قراران من الأمم المتحدة، الأول يؤكد من جديد حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه وحق تقرير المصير، والثاني رقم 3246 يؤكد شرعية المقاومة المسلحة وحق تقرير المصير.
ومنذ عام 1974، صدر ما يقارب 130 قراراً لصالح فلسطين معظمها يؤكد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويدعو إلى حل هذه القضية، كما وأدينت "إسرائيل" مرات عديدة بسبب ممارساتها المناهضة لحقوق الإنسان، وتم فرض عقوبات عليها حتى القرار 1975/3414 الذي دعاها من جديد إلى الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية غير القابلة للتصرف.
بموازاة ذلك، صدر قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية، إضافة إلى قرارات عدة صدرت حتى الآن منها قرار إعلان دولة فلسطين عام 1988 الذي تلاه ياسر عرفات في الجزائر، ومن ثم جعل فلسطين دولة مراقبة غير عضو، بالإضافة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قبل 138 دولة. وتوالت القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة ضد "إسرائيل" وإجراءاتها التي تنتهك القانون الدولي، لكن هذه القرارات بقيت حبراً على ورق بسبب عدم التزام "إسرائيل" بها.
بعد صدور كل هذه القرارات، ومعظمها يعترف بحق تقرير المصير للفلسطينيين وإعطائهم حق الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال، وبعد مرور 75 عاماً على إنشاء "دولة" العدو الإسرائيلي التي مارست كل أنواع التعذيب والقهر والإهانة والسجن يوجد حالياً ما يقارب عشرة آلاف سجين (اعتقال إداري) وآلاف القتلى الشهداء والجرحى، وزرعت المستوطنين في كل مكان في أرض فلسطين وضمت القدس كعاصمة لـ"الدولة اليهودية".
قامت حركة المقاومة الإسلامية حماس، وضمن تحرير السجناء وحرب التحرير القائمة بعملية عسكرية في غلاف غزة سمّيت عملية "طوفان الأقصى" صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أسرت فيها نحو 240 إسرائيلياً، ولكن قتل نتيجة العملية 1200 إسرائيلي نتيجة تخبّط العدو وعشوائيته، فكانت ردة الفعل الإسرائيلية حرباً مدمرة ارتكبت فيها مجازر لم تحصل عبر التاريخ تشبه مجازر هتلر والنازيين، وذلك بدعم من أميركا وكل الدول الغربية، فقتلت حتى الآن زهاء 35 ألف مدني جلّهم من الأطفال والنساء، و70 ألف جريح وهجّرت مليوني فلسطيني، ولا تزال مستمرة بتدمير غزة وقتل الأبرياء.
أين القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب؟ أين اتفاقيات جنيف 1949 والبروتوكول 1 و2 واتفاقية لاهاي 1954؟
ففي الحديث عن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (طبعاً إسرائيل خرقت هذه الاتفاقية في غزة)، حماية المستشفيات والأعيان الثقافية والمدنية في الاتفاقية الرابعة والبروتوكول الإضافي الملحق رقم 1 والبروتوكول المادة 11.
كذلك نتحدث عن اتفاقية لاهاي 1954 المتعلقة بحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح، والتي سلطت الضوء على مفهوم التراث الثقافي للبشرية، طبعاً الحماية تشمل كل المواقع المدنية، بما في ذلك المدارس والجامعات ودور العبادة.
إن "دولة" الاحتلال مسؤولة عن حماية المدنيين، وحتى تأمين الغذاء والمستلزمات الطبية والمأوى من أجل بقاء المدنيين في المنطقة المحتلة، وفق القانون الدولي العام (اتفاقية جنيف 4)، ولكن كل ذلك تم خرقه من قبل "إسرائيل" بمساندة سياسية ولوجستية وعسكرية من الدول المسمّاة بالدول المتحضرة، للأسف.