اليد إسرائيلية والجريمة أميركية
كلما قرّر نتنياهو اتخاذ خطوة تصعيدية من النوع الذي تحذّر منه أميركا علناً، يقوم الأميركيون بنفي علمهم بالأمر، ونفي انخراطهم فيه، ثم يؤكّدون دعمهم لـ "إسرائيل" وحقّها في الدفاع عن نفسها.
على إيقاع صفّارات الإنذار ودويّ الصواريخ المتهاطلة كالمطر اليومي، يُمضي المستوطنون ما تبقّى لهم من وقت على أرضنا، مُستعجلين العودة من حيث أتوا في الغرب البعيد، مُغامرين بحياتهم في كلّ لحظة. أما رئيس حكومتهم فينشغل بمحاولاته المتواصلة لستر أزماته وإخفائها من خلال توسيع حربه، في حين أن فرق "جيشه" النخبوية غارقة في محاولاتها الانتحارية لسحب بقايا الضباط والجنود المسحوقة مع رميم الدبابات وناقلات الجند المحترقة بمن فيها على حافة الجحيم في تخوم البلدات اللبنانية على الحدود الجنوبية.
شاي ليفي مراسل القناة الـ12 العبرية، يفجّر فضائح بروباغندا القيادة العسكرية مُكذّباً المتحدّث باسم "الجيش"، دانيال هاغاري، ومزاعمه عن تقدّم جنود العدو في العملية البرية، بخلاف ما تثبته الوقائع الميدانية اليومية المتنقّلة على الشاشات. يقول عبر حسابه على موقع "أكس"، إن هاغاري استبعده من قائمة الصحافيين الذين اصطحبهم في جولته مقابل بلدة بليدا اللبنانية، لأنه "يتجنّب سماع الأسئلة الصعبة... ولا يريد فضح أيّ ذكر للحدث الذي اضطرّت بسببه إحدى مروحيات الأباتشي لإلقاء ذخيرتها داخل الأراضي الإسرائيلية".
وفي حين يتابع الرئيس الأميركي العاجز تمثيليات رفض واشنطن تصعيد نتنياهو الجنوني ونفي علمه المسبق بالهجمات الوحشية ضدّ المدنيين، يواصل تغذية الجسر الجوي المستدام لتزويد "إسرائيل" بالأعتدة العسكرية، بما فيها القنابل والصواريخ المحرّم استخدامها دولياً، بينما تطالب السفيرة الأميركية لدى لبنان بتسليمها ذلك الصاروخ الإسرائيلي الضخم الذي سقط في ضاحية بيروت ولم ينفجر، على اعتبار أنه "ملكية أميركية".
تماماً مثل الصحافي الإسرائيلي هوشع تارتكوفسكي الذي دخل لبنان بجواز سفر بريطاني بغرض التجسس، ولم يلبث أن جرى تسليمه للأميركيّين بعد تدخّل أميركي لدى السلطات اللبنانية منذ أيام. وكانت إذاعة "جيش" الاحتلال نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي أنّ "الأجهزة الأمنية في لبنان اعتقلت مواطناً إسرائيلياً دخل البلاد بصفة صحافي"، مؤكّدة أنه يحمل جوازَي سفر أميركياً وبريطانياً. والجدير ذكره أنه فور القبض عليه في لبنان سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية لتنفي أن يكون تارتكوفسكي يعمل جاسوساً لجهاز الموساد أو أنه دخل الأراضي اللبنانية بتكليف من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، للتجسس على حزب الله.
من جهة مقابلة يُلاحظ أنه كلما قرّر نتنياهو اتخاذ خطوة تصعيدية من النوع الذي تحذّر منه أميركا علناً، يقوم الأميركيون بنفي علمهم بالأمر، ونفي انخراطهم فيه، ثم يؤكّدون دعمهم لـ "إسرائيل" وحقّها في الدفاع عن نفسها.
وكانت وسائل الإعلام المحلية تناقلت خبراً مفاده أن جهاز الاستخبارات الأميركية يفتّش بانتظام مطار بيروت، وهو الذي "حرّر" الإسرائيلي الذي قُبض عليه متلبّساً بالتجسسن، كما أنه الجهة التي تمنع إصلاح طريق المصنع على المعبر الرسمي بين لبنان وسوريا.
كذلك يُلاحظ إعلان إدارة بايدن غضبها من نتنياهو وتصرّفاته الهوجاء، لترافق ذلك زيادة في حجم المساعدات الأميركية لـ "إسرائيل". ويهتمّ الأميركيون بإظهار أنهم غير قادرين على السيطرة على نزق نتنياهو، فيما يتبيّن بالواقع الملموس أنهم رعاة كلّ تصعيد إسرائيلي، وأنهم يدعمون "إسرائيل" مهما فعلت بذريعة "حقّها في الدفاع عن نفسها".
إلّا أنّ الواقع العسكري الميداني يكذّب مزاعم واشنطن ويُفشل مخططاتها. فهي تنجح في مساعدة "إسرائيل" على تحقيق إنجازات تكتيكية واضحة، لكنها تعجز و"إسرائيل" معها عن تحويل ذلك إلى منجزات استراتيجية، ما يجعل الكفّة تبقى راجحة لصالح المقاومة على الأرض.