الكيان الصّهيونيّ من حروبٍ بلا مبرّرات إلى أعذار اللّاحرب
جاءت الصّواريخ ترجمةً حقيقيّةً لمعادلة السيّد نصر الله في نصرة الأقصى ولترسي معادلةً جديدةً تقول إنّ الأقصى ليس وحيداً وإنّ الفلسطينيّين لن يتركوا لمواجهة مصيرهم.
منذ احتلال فلسطين لم يكن الكيان الصّهيوني بحاجة إلى مسوّغات أو مبرّرات للتّوسع والاحتلال وشنّ أعماله العدوانيّة داخل فلسطين أو لبنان أو في بلد عربيّ. لم يكن الكيان حينها مضطراً لتقديم أيّ سببٍ (لشرعنة) عدوانه وإرهابه، بل كان يلجأ إلى تهيئة ظروف شنّ الحروب واصطناع مبرّراتٍ لأيّ عمليّةٍ عسكريّةٍ كونه (الجيش الذي لا يقهر) الذي يخوض حروبه بدعم ورضا دوليّ.
هذا حتّى جاءت اللّحظة التاريخيّة التي بدأت تتهشّم فيها صورته المثاليّة بتحطيم جبروته وكسر هيبته منذ الانتفاضة الأولى ومروراً بالانتفاضة الثّانية، وما شهدتها تلك الفترة من معاركَ ومواجهاتٍ وحروبٍ عام 1993 ضدّ لبنان، وعمليّة عناقيد الغضب عام 1996، وصولاً إلى انتصار المقاومة اللبنانيّة عام 2000 ودحر جيش العدوّ وكسره شرّ انكسار، واتصالاً بما يخطّه اليوم رجال الله في فلسطين من مواجهاتٍ وعمليّاتٍ بطوليّةٍ حوّلت "الجيش الأسطورة" إلى نمرٍ من ورقٍ هو أعجز من أن يحمي نفسه.
انكشاف أرغم قادة الكيان على تقديم مبرّرات لعدم خوض الحرب وبعْث رسائلَ عديدةٍ عبر وسطاء تقول إنّهم لا يريدون الحرب مع حزب الله، رغم عدوانهم المتكرّر على سوريا واستهداف بعض مراكز الحرس الثّوري الإيراني والتباهي بتحقيق ذلك. إلّا أنّ المواجهة مع حزب الله لها حساباتها الخاصّة التي يدركونها جيداً.
فبالتجربة الميدانيّة التي خاضها الحزب والمقاومة في لبنان على مدى سنوات المواجهة مع العدوّ استطاع حزب الله فرض معادلاته التي أرضخت العدوّ بها والتي من ضمنها كانت عمليّة إطلاق الصّواريخ من جنوب لبنان باتجاه شمال فلسطين، وهي المعادلة التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤخّراً محذّراً الكيان الصّهيوني المؤقّت من مغبة الإقدام على المسّ بالأقصى الذي سيؤدّي إلى حربٍ في المنطقة وقد تكون حرباً وجوديّة بالنّسبة إلى الكيان الصّهيوني.
جاءت الصّواريخ ترجمةً حقيقيّةً لمعادلة السيّد نصر الله في نصرة الأقصى ولترسي معادلةً جديدةً تقول إنّ الأقصى ليس وحيداً وإنّ الفلسطينيّين لن يتركوا لمواجهة مصيرهم باللّحم العاري أمام آلة القتل الإسرائيليّة. وبمعنى آخر فإنّ السّيّد نصر الله أكّد الأسباب التي تدعو لمواجهة الكيان الصّهيوني المحتلّ ومقارعته حتى اجتثاثه من الوجود. وهذا ليس سبباً فحسب بل عقيدة قتاليّة لدى كلّ المسلمين والأحرار والشرفاء في العالم الذين يؤمنون بحتمية زوال هذا الكيان السّرطاني.
وبالتالي يدرك العدوّ أنّ هذه العقيدة بات تحقيقها قاب قوسين أو أدنى. فالكيان الهزيل والعاجز عن وقف أو الحدّ من العمليّات في القدس والضّفة وأمام صواريخ المقاومة في غزّة لن يستطيع أن يقاتل على عدّة جبهات وهو مكشوف على جبهةٍ واحدة لذلك لم يرغب بخوض الحرب ليس من باب الحرص على لبنان أو تقديراً لظروف الشّعب اللّبنانيّ الذي يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّةٍ أو لأي سببٍ آخر بل لسببٍ واحدٍ فقط وهو انهزامه وعجزه عن خوض الحرب في ظلّ تآكل منظومته الدّفاعيّة وتهاوي منظومته الأمنيّة باعتراف قادته.
فوفقاً لما نقلته القناة الـ 12 العبرية عن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان الذي قال إنّ تآكل الرّدع الإسرائيليّ والضّعف الذي تنبعث منه الحكومة دفع عدوّنا إلى تحرّكٍ منسّق ومخطّطٍ. حقيقة أكّدتها قناة كان العبريّة التي أشارت إلى أنّه يجب قول الحقيقة، لقد تآكل الرّدع ضدّ غزّة الذي تمّ بناؤه في العامين الماضيين بشكلٍ تدريجيٍّ. في حين لخّص أحد المسؤولين الأمنيّين الأزمة بثلاثة اتجاهاتٍ سلبيّة تهدّد أمن الكيان الصّهيوني المؤقت بالآتي:
1 - توحيد السّاحات، تحدّثنا لسنوات عن صراعات محدودة، لكن في الوقت الحالي، تدرك إيران وحزب الله وحماس وجود إمكانيّة التّصعيد في السّاحة الفلسطينيّة للضّغط على "إسرائيل" من جميع الجهات.
2-انخفاض في درجة الرّدع، فأعداؤنا لم يعد يهمهم لا الولايات المتحدة ولا غيرها، ولا يحسبون لها حساباً.
3-ضعف الجبهة الدّاخلية لـ "إسرائيل"، يجعل جميع أعدائنا في حالة تأهّب، وينظرون إلى الأزمة بأنّها فرصة ويمكن أن تؤدّي إلى انهيار "إسرائيل" في ظلّ تآكل قوة ردع "الجيش" الإسرائيلي.
أمّا رئيس جهاز الشاباك رونين بار فقد عبّر عن قوّة التحدّيات التي يواجهها الكيان سواء في الدّاخل أو في الخارج من عدّة جهات، إيران وحماس والجهاد الإسلامي. لقد مرّت ثلاثة أشهر منذ بداية العام أحبطنا فيها أكثر من مئتي عمليّة كبيرة منها 150 عمليّة إطلاق نار وعشرون هجوماً باستخدام المتفجرات إضافة إلى عمليّات الدهس.
وسط كلّ ذلك يدرك العدوّ الإسرائيليّ أنّ أيّ معركة مقبلة ستكون محوريّة وأنّ ما أرساه الأمين العام لحزب الله من معادلاتٍ لن تتغيّر ولن تتبدّل لا بل هي آخذة بالتّطوير وفقاً لظروف المعركة.
وعليه فإنّ إطلاق الصّواريخ من جنوب لبنان هو ضمن تلك المعادلة، والرّد على غارات العدوّ التي استهدفت الجنوب آتٍ لا محالة، وهذا ما يدركه العدوّ وقبله الأميركيّ الذي بعث برسالة تحذير وفقاً لما نقلته "خدشوت إسرائيل" من أنّ مسؤولين أميركيّين بعثوا برسالة تحذير لـ "إسرائيل" تتضمّن معلوماتٍ استخباريّةً تفيد بأنّ حزب الله قد يشنّ هجوماً مكثّفاً على "إسرائيل" في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.