الثابت والمتحول الإيراني بين "إسرائيل" والولايات المتحدة

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد خرقت إدارة بايدن المبادئ التي يتبناها المجتمع الدولي، والتي تؤكد أن الحل الوحيد الممكن هو وجود دولتين، كما أن قوى سياسية إسرائيلية يسارية ترى أن القدس يمكن أن تكون عاصمة لدولتين، يهودية وعربية.

  • "إسرائيل" بدأت تطالب بتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاهها.

تأخّر أول حديث لجو بايدن مع بنيامين نتنياهو لمدة 3 أسابيع بعد تنصيبه، في إشارة إلى وجود فتور دبلوماسي بينهما، وإلى أن الواقعية البراغماتية ستهيمن على العلاقات الثنائية. واليوم، تختلف "إسرائيل" والولايات المتحدة حول التكتيكات والخطط متوسطة المدى، وحول الرؤى والأهداف طويلة المدى للمرة الأولى، فطموحات "إسرائيل" الإقليمية باتت تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، كان نتنياهو مجبراً على تشكيل حكومة ائتلافية، محاطاً بتحديات إقليمية أبرزها مفاوضات الملف النووي الإيراني والانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أوصلت الرئيس إيراهيم رئيسي مع مشروعه المقاوم.

وبدأت "إسرائيل" تطالب بتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاهها، وبدا أنها دخلت بالفعل حقبة ما بعد الولايات المتحدة. هذه المطالبات عادت مجدداً بعد طوفان الأقصى، عندما قال نتنياهو إن "إسرائيل" ستقف وحيدة إذا فُرِضَ عليها أن تقف وحيدة.

لطالما وصف نتنياهو ترامب بأنه أفضل صديق لـ"إسرائيل" على الإطلاق في البيت الأبيض، وأنه الرئيس الأكثر تأييداً لها في التاريخ الأميركي، ورغم كل ذلك، فإن خبراء استراتيجيين يرون أن العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" ستظل متينة بغض النظر عن مواقف إدارة بايدن، فـ"إسرائيل" ليس لديها حليف أكثر أماناً من الولايات المتحدة، كما ينظر الأميركيون إلى "إسرائيل" باعتبارها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط. وبرغم عدم وجود تقارب أيديولوجي دافئ مثل الذي كان قائماً بين ترامب ونتنياهو، وبرغم أن "إسرائيل" تريد إعادة انتخاب ترامب، فإن الولايات المتحدة و"إسرائيل" ستتصرفان بشكل عملي تجاه القضايا المشتركة.

هناك اعتقاد بأن ثمة صدعاً حقيقياً بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، وهو صدع غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، عندما أجبرت إدارة أيزنهاور "إسرائيل" على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء المصرية، فقد عبر بايدن عن استيائه من "إسرائيل" بعد عملية طوفان الأقصى عدة مرات، منها بعد الغارة التي أدت إلى مقتل عدد من عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي، وكذلك موقفه من العملية العسكرية المقترحة في رفح، رغم أن "إسرائيل" تدرك أنه في ما يتعلق بالقضايا الرئيسية بين الطرفين، فإن إدارة بايدن لن تتراجع عن المكاسب التي حققتها إدارة ترامب لإسرائيل، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ودعم اتفاقيات أبراهام الموقعة بين عدة دول عربية و"إسرائيل"، وهي اتفاقيات تزعم الأخيرة أنها مؤشر على قبولها في المنطقة.

وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد خرقت إدارة بايدن المبادئ التي يتبناها المجتمع الدولي، والتي تؤكد أن الحل الوحيد الممكن هو وجود دولتين، كما أن قوى سياسية إسرائيلية يسارية ترى أن القدس يمكن أن تكون عاصمة لدولتين، يهودية وعربية.

كما تعتقد "إسرائيل" أن عدة دول عربية قد تخلت عن القضية الفلسطينية، وأصبحت مهتمة بما تسميه التهديد الإيراني أكثر من اهتمامها بإقامة دولة فلسطينية.

وقد تجلى ذلك من خلال إقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل إحراز أي تقدم في القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن فهمه على أنه أولوية تعطى للمصالح الوطنية لهذه الدول على أي اعتبار آخر.

لكن ماذا بخصوص ما تسميه "إسرائيل" نفوذ إيران الإقليمي وبرنامجها النووي، ولا سيما بعد تحول مسار الردع لمصلحة إيران بعد ردها الكبير على قصف قنصليتها في دمشق ورد "إسرائيل" الضعيف في أصفهان؟

يبقى الموضوع الإيراني محوراً رئيساً في لقاءات نتنياهو وجو بايدن ومحادثاتهما. وعندما انسحب ترامب من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، دعمت "إسرائيل" - التي تعارض الاتفاق- قرار ترامب بتشديد العقوبات على إيران.

ويعتقد الإسرائيليون أن المصالح الأساسية للمجتمع الدولي، سواء بالنسبة إلى "إسرائيل" أو السعودية أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وأيضاً روسيا والصين وتركيا، تتغير تجاه إيران، فالجميع يريد تأخير امتلاك إيران القدرة النووية بأي ثمن، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة برمتها.

وبالتالي، فإن الوضع الإيراني هو الأكثر أهمية بالنسبة إلى "إسرائيل"، وعلى نطاق أوسع لمنطقة الشرق الأوسط، ولكن من وجهة نظر براغماتية، فإن على إيران ألا تتخلى عن طموحاتها النووية لعدة أسباب؛ أولها منع الولايات المتحدة من الاعتداء عليها، كما فعلت مع  العراق عام 2003. لذلك، فإن الحل الوحيد أمام إيران هو في امتلاك القدرة ذات الردع المطلق: القدرة النووية.

كما أن امتلاك القدرة النووية مطلب قومي وشعبي إيراني. لذلك، تسعى "إسرائيل" والولايات المتحدة لمنع إيران من امتلاك قدرة نووية بأي ثمن، وفي الوقت نفسه يريد الطرفان تجنب الدخول في حرب مع إيران بشكل قاطع. لذلك، هناك اليوم سؤال إسرائيلي- أميركي حول الأخطر بالنسبة إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة: إيران نووية أم الحرب مع إيران؟

لقد انتقد ترامب إيران النووية باعتبارها أكثر خطورة، في حين اعتبر باراك أوباما كلا الأمرين على القدر نفسه من الخطورة. واليوم، يبدو جو بايدن أكثر اتفاقاً مع أوباما، مع أنَّ الظروف الدولية تغيرت عن عام 2015، بما في ذلك موقف الولايات المتحدة من بعض القضايا الدولية، ففي عام 2015، أعطى باراك أوباما أولوية كبرى لخطة العمل الشاملة المشتركة، وهو ما لا يعطيه جو بايدن اليوم، فأولوية إدارة بايدن اليوم محلية، وهي تحقيق المصالحة بين الأميركيين. وفي الخارج، التركيز على احتواء الصين وروسيا وإبقاء النفوذ الأميركي في آسيا أكثر من تركيزه على الشرق الأوسط.

يضاف إلى ما سبق أن "إسرائيل" اليوم تعتقد بأنها قوية أكثر من عام 2015 بسبب اعتراف عدد من الدول العربية بها من دون أن تضطر إلى تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية.

الإسرائيليون يراقبون ما يحدث بين إيران والولايات المتحدة، ففي حين تستمر التدابير الاقتصادية الأميركية على إيران، ترغب الأخيرة في العودة إلى المفاوضات لكن من دون قبول الشروط الأميركية، كما تسعى الولايات المتحدة إلى فرض عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران للتحقق من المنشآت النووية. من ناحية أخرى، تناضل إيران من أجل رفع الإجراءات الاقتصادية.

 وفي الوقت الحالي، فإن مواقف إيران والولايات المتحدة متباعدة للغاية، بحيث لا يمكن تصور تحقيق اختراق كبير. ويعتقد الأميركيون أن على إيران أن تفاضل ما بين دعم اقتصاد البلاد والتخلص من العقوبات أو امتلاك الأسلحة النووية مع المخاطرة بإضعاف الاقتصاد أكثر.

أما أوروبا، وخصوصاً فرنسا، فهي تعتقد أن الولايات المتحدة تسرعت في التوقيع على اتفاقيات فيينا عام 2015، إذ كان ينبغي توسيع الاتفاقية من حيث الوقت والموضوع، وكان ينبغي إلزام إيران بالتخلي عن قضية الأسلحة النووية والصواريخ البالستية وكبح ما تراه فرنسا طموحات إيرانية للتوسع الإقليمي. 

هذه المسائل لا تزال أولوية بالنسبة إلى الغرب، الذي ينظر إلى إيران كطرف مزعزع للاستقرار، ولا سيما من خلال هجماتها على المواقع الأميركية غير الشرعية في العراق وسوريا، ودعمها حزب الله في لبنان، ودورها في اليمن مع حركة أنصار الله، وهجومها الشامل غير المسبوق على إسرائيل رداً على قصف قنصليتها في دمشق.