لقاء صاخب في سماء حلب، ومعركة إدلب الكبرى على الأبواب!

التنسيق الإسرائيلي مع الفصائل المسلحة ليس جديداً ولكنه بعد العدوان الأخير على حلب دخل مرحلة جديدة أكثر علانية ووضوحاً فيما تُستبعد المصادفة في هذا الحدث لعدة أسباب.

  • ما هي مؤشرات اقتراب معركة إدلب؟ 
    ما هي مؤشرات اقتراب معركة إدلب؟ 

لم تكن المرة الأولى التي تعتدي فيها "إسرائيل" على مطار حلب، ولا المرة الأولى التي تشنّ فيها الفصائل المسلحة في ريفي حلب وإدلب هجوماً بالمسيّرات على مدينة حلب، لكن أن تزدحم سماء مدينة حلب بالصواريخ الإسرائيلية ومسيّرات الفصائل المسلحة معاً فهذا لم يحصل مسبقاً منذ بداية الحرب على سوريا. 

نفّذت "إسرائيل" ليلة 29 آذار/مارس الماضي عدواناً جوياً من اتجاه أثريا جنوب شرق حلب مستهدفة عدداً من النقاط العسكرية في ريف حلب، وذلك بالتزامن مع اعتداء بالطيران المسيّر نفّذته التنظيمات المسلحة من إدلب وريف حلب الغربي، ما أسفر عن استشهاد وجرح عدد من المدنيين والعسكريين ووقوع خسائر مادية. 

 فهل كان هناك تنسيق بين الطرفين؟ وهل هذا التنسيق هو الأول من نوعه؟ وما هي أبعاده وأهدافه وتداعياته؟

عدوان مشترك أم محضُّ مصادفة؟

عمر التنسيق الإسرائيلي مع الفصائل المسلحة في سوريا من عمر الحرب تقريباً، ففي دراسة قدّمها الكاتب الإسرائيلي "إيهود يعاري" لمعهد واشنطن يتحدّث فيها عن تنسيق سريّ بين "إسرائيل" وقيادات بارزة في الفصائل المسلحة في محافظتي درعا والقنيطرة منذ عام 2012، حيث عقدوا اجتماعات معهم على طول الحدود السورية مع فلسطين المحتلة وفي طبريا.

كما تكشف الدراسة عن مشاركة ضباط إسرائيليين سراً في مركز العمليات العسكرية المشتركة التي عرفت بغرف "الموك" الذي أنشأته وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أواخر عام 2013 في الأردن، إلى جانب ممثّلين خليجيين وأوروبيين من أجل دعم الفصائل المسلحة في سوريا.

وبدأ يتكشّف هذا التنسيق إلى العلن شيئاً فشيئاً بعد أن نقل موقع "والاه" العبري اعتراف مسؤول رفيع في قيادة "الجيش" الإسرائيلي بمنطقة الشمال بمساعدة الجرحى السوريين على العلاج في "إسرائيل". وما إن فاحت رائحة العلاقة السرية بين الطرفين حتى نشر الصحافي الإسرائيلي "إيدي كوهين" مقطع فيديو أثناء لقائه ما أسماه رئيس الوفد المعارض السوري "عصام زيتون" من أجل مبادرة إسرائيلية لحل الأزمة السورية! 

فالتنسيق الإسرائيلي مع الفصائل المسلحة ليس جديداً ولكنه بعد العدوان الأخير على حلب دخل مرحلة جديدة أكثر علانية ووضوحاً فيما تُستبعد المصادفة في هذا الحدث لعدة أسباب: 

أولاً: استهدفت "إسرائيل" في الاعتداء مستودعات الذخيرة المخصّصة لمواجهة المجموعات المسلحة شمال غرب سوريا. 

ثانياً: تزامنت هجمات لمسلحي إدلب على جبهات الجيش السوري والقوات الرديفة مع انطلاق معركة طوفان الأقصى في غزة. 

ثالثاً: تزامنت أيضاً بعض الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا من قبل مع إحراز الجيش السوري تقدّماً على الفصائل المسلحة، ساعدها بعض الأحيان في الخروج من عنق الزجاجة.

ما أهداف وأبعاد هذا العدوان المشترك بين "إسرائيل" والفصائل المسلحة؟ 

إنّ التدخّل الإسرائيلي في دعم الفصائل المسلحة ضد الدولة السورية يشي بأهمية دعم محور المقاومة بأهم نقطة لا تستطيع غير سوريا فعلها، وهي تسخير أراضيها كمساحة جغرافية للتدريب والتحشيد وبناء القوة الاستراتيجية القادرة على تحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تهدف إلى تدمير العمل المقاوم المشترك الذي يبني مسار قوته وتحضيراته للمعركة الكبرى على الأراضي السورية. 

من هنا يتضح لنا الهدف الرئيسي من كلّ الاعتداءات التي تنفّذها "إسرائيل" على الأراضي السورية، لكن علاوة على تلك الأهداف الرئيسية هناك هدف تكتيكي خفي وقد بدأ ينجلي في الأفق وهو اقتراب معركة إدلب الكبرى. 

ما هي مؤشرات اقتراب معركة إدلب؟ 

هناك الكثير من المعلومات التي تتناقلها الأوساط العسكرية والسياسية عن اقتراب هذه المعركة الحاسمة التي ستفضي إلى تحرير كامل محافظة إدلب، وتنسجم هذه المعلومات مع المناخ السياسي والميداني العام المتمثّل بـ: 

أولاً: النتائج التي تشير بخسارة إردوغان للمعركة الانتخابية في بلاده، وإذا انتهت حقبة إردوغان في تركيا فستنتهي معها سياسة المراوغة واللعب على حافة الهاوية، وخاصة فيما يتعلق بالقضية السورية. 

ثانياً: محاولة مسلحي إدلب تسخين مختلف الجبهات من خلال تنفيذهم عدة هجمات في جبهات أرياف حلب وإدلب واللاذقية، وهذه المناوشات تهدف إلى المشاغلة والاستنزاف قبل بدء معركة إدلب. 

ثالثاً: الاقتتال الداخلي في أوجه بين الفصائل المسلحة في إدلب واحتراق ورقة الجولاني بعد التصعيد الشعبي ضده فرصة ملائمة لتصفية مسلحي إدلب من قبل الجيش السوري وحلفائه. 

رابعاً: دراسة الدولة السورية موضوع تحديد الخدمة العسكرية الذي سيبتّ بالقرار فيها قريباً يفتح المجال أمام عدد كبير من المتخلّفين المهاجرين إلى العودة إلى سوريا والالتحاق بصفوف الجيش السوري. 

ومن المحتمل أن يشمل قرار تحديد الخدمة العسكرية المرتقب قرار عفو شامل يفتح الطريق أمام استقبال عدد كبير من الشباب لتسوية أوضاعهم والالتحاق بالخدمة، خصوصاً بعد الحملات المعادية التي يتعرّض لها السوريون المهجّرون في تركيا ولبنان. 

وأيضاً شكّل عقد التطوّع الأخير الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع السورية ركيزة أساسية في رفد القوات المسلحة بآلاف المتطوّعين وتخفيف العبء عن الملتحقين بالخدمة الاحتياطية. 

ومن المحتمل أيضاً مع بدء معركة إدلب أن تفتح الدولة السورية ممراً آمناً يشمل المتخلّفين عن الخدمة العسكرية للالتحاق والاستفادة من مرسوم تحديد الخدمة، والذي قد يكون مشفوعاً بمرسوم عفو شامل. 

 بناء على تلك المؤشرات يتبيّن أن معركة إدلب المقبلة هي الهدف التكتيكي الخفي الذي جاء من أجله العدوان المشترك بين "إسرائيل" والمسلحين على مدينة حلب، وبمجرد أن تنطلق معركة إدلب سنشهد تطوراً أكبر في هذا التنسيق. 

إنّ خسارة مسلحي إدلب أمام الجيش السوري وانتهاء الوجود المسلح في تلك المنطقة يعني تفريغ حجم كبير من القوة العسكرية السورية، وكذلك القوات الرديفة إلى جبهة الجولان، والتي تعلم الدولة السورية جيداً أنها أمام تحدٍ وفرصة مجموعهما يضعها أمام ضرورة التفرّغ لتلك الجبهة. 

أما السبب فهو عقدة التمرّد وعدم الاستقرار الدائم في الجنوب السوري لا يحلّها إلا استئصال اليد الإسرائيلية العابثة في مناطق درعا والسويداء والتي تمتد من أراضي الجولان المحتل. وأما الفرصة فهي تطوّرات معركة طوفان الأقصى التي استنزفت واستهلكت قوة "الجيش" الإسرائيلي بشكل كبير. 

الخلاصة

إن خروج تنسيق الفصائل المسلحة مع الإسرائيلي إلى العلن سينعكس تأييداً شعبياً أمتن وأكثر صلابة للجيش السوري والدولة السورية، خصوصاً مع استمرار معركة طوفان الأقصى وتصدّر دعم القضية الفلسطينية، ومواجهة غطرسة "إسرائيل" سدّة الرأي العام العربي والعالمي، وسيحيي أيضاً العقيدة القتالية لدى الجيش السوري والمرتبطة بشكل عميق جداً بالقضاء على "إسرائيل"، فتكون معنويات الجنود السوريين أكثر حماسة في معركة إدلب.

تحمل المرحلة المقبلة التي تنبئ بخسارة إردوغان للمعركة الانتخابية، وانطلاق معركة التحرير في إدلب نقلة نوعية شاملة في الوضع السوري، وإذا ما نجحت الدولة السورية بتفكيك عقدة إدلب ستنحلّ باقي العقد والملفات الشائكة تباعاً، كعودة المهجّرين وتحسين الوضع الاقتصادي.

وبالرغم من أن الدولة السورية ستكون أمام تحديات مجتمعية وثقافية أكبر بعد تحرير محافظة إدلب، ولكنها حتماً ستتفرّغ بتركيز أكثر وقوة أكبر لباقي الملفات الشائكة، كتحرير شرق الفرات والجولان المحتل.