عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.. ضربة قاصمة لـ"إسرائيل"
لطالما أقدم الكيان الصهيوني على الكذب والاحتيال والخداع، وتوظيفها من أجل رسم صورة جديدة للشرق الأوسط تعتمد على التقارب العربي-الإسرائيلي، وإبعاد النظام الإيراني عن جيرانه وحلفائه في المنطقة.
تلقّت "إسرائيل" ضربة قاصمة بعد خبر عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، وما كان لهذه العلاقات أن تُستأنف لولا الجهود الكبيرة والمُضنية التي قامت بها سلطنة عُمان وجمهورية العراق وجمهورية الصين الشعبية وغيرها من الدول التي كانت تحرص على إعادة هذه العلاقات إلى سالف عهدها؛ لأهميتها في ترسيخ الأمن الإقليمي بعيداً من شغب الكيان الصهيوني الذي حاول، مراراً وتكراراً، تعكير الأجواء الأخوية بين إيران والسّعودية.
وقد كانت هناك مؤشرات قوية سابقة، قام بها العراق من أجل رأب الصدع بين إيران ودول الجوار، حتى تقطع إيران على "إسرائيل" كل المبررات التي يمكن أن تقف حائلاً في وجه هذه العودة، وتعزل إيران عن جيرانها وعالمها الإسلامي. وبهذا الإعلان، تسقط كل المبرّرات التي ساقها الكيان الصهيوني وحاول تمريرها للعالم بأن إيران دولة إرهابية تصنع القنبلة النووية، ولا تبالي بوجود "إسرائيل" على خارطة العالم وتدعو إلى محوها، وتحاول "إسرائيل" أن تشوّه سمعة إيران وتثير البلبلة داخلها وتسعى لاغتيال قادتها وعلمائها.
لكن إيران أثبتت اليوم أنها قادرة على ضبط نفسها أكثر من اللازم، رغم الاستفزازات الصهيونية والمحاولات الإمبريالية لزعزعة الاستقرار في الداخل الإيراني، واستغلال بعض الأحداث الجارية كمقتل مهسا أميني في أيلول/سبتمبر الماضي، واندلاع احتجاجات عنيفة وتسويقها إعلامياً؛ لإثارة الرأي العام العالمي، وتأليبه على النظام الإيراني حتى يزداد العالم اقتناعاً بأن إيران تغتال صوت الحقيقة، وتكرس النظام الديكتاتوري.
ولطالما أقدم الكيان الصهيوني على الكذب والاحتيال والخداع، وتوظيفها من أجل رسم صورة جديدة للشرق الأوسط تعتمد على التقارب العربي-الإسرائيلي، وإبعاد النظام الإيراني عن جيرانه وحلفائه في المنطقة. لكن، ما حصل اليوم يثير الدّهشة في الكيان الصهيوني، ويبعث برسائل طمأنة إلى العالم الإسلامي، إذا عادت العلاقات الإيرانية-السعودية إلى حالتها الطبيعية، ومن شأن ذلك أن يُرسي تعاوناً جديداً بين الدولتين في مجالات عدة وكثيرة، يمكن من خلالها إقصاء الكيان الصهيوني من المشهد الإقليمي، والتعاون من أجل الأمن والأمان والسِّلم والسلام في مضيق هرمز والمياه الإقليمية الخليجية.
وبهذه الخطوة الجميلة، تعود إيران إلى وضعها الطبيعي ومكانتها المؤثرة في المنطقة، وتشكل مع السعودية ثنائيّاً متجانساً ومنسجماً يخلق نوعاً من التفرّد والتنوّع في الحياة الاقتصادية والفكرية والثقافية، بعيداً من أي تجاذبات سياسية أو مذهبية أو طائفية، لأن ما يجمع بين الدولتين الكثير والكثير، ما يمكن الاتفاق والبناء عليه من أجل الانطلاق نحو عالم جديد، أفُقه كبير، ومنزلتُه رفيعة، ودرجتُه عالية، يفتح أمام الشباب الكثير من قنوات العمل في جميع ميادين الحياة.
أما الكيان الصهيوني فقد تلقّى ضربة قصمت ظهره، وعلقت أحلامه، وخيّبت آماله، إثر الاتفاق التاريخي الذي حصل في بكين، وزعزع الكيان من داخله، وبعثر أوراقه، وهزّ خططه، ونشر أكاذيبه، ولم يعد لديه من الأوراق حتى يفرشها ويبعث برسائل تهديد كبيرة لإيران والعالم.
وباتت الفرصة اليوم أكبر أمام الدولتين الصديقتين أن تتعاونا تدريجياً من أجل إبعاد الكيان الصهيوني عن الاستثمار في التقارب العربي-الإسرائيلي، والاتجاه رويداً رويداً نحو إظهار حقيقة هذا الكيان المتطرف الذي يسعى لقمع الشعب الفلسطيني، وتدنيس المسجد الأقصى الشريف وتشويه المقاومة من أجل التحرير الكامل لدولة فلسطين.
إن ما حدث في بكين يعود بنا إلى الذكريات الأولى للتلاحم بين الدول الجارة في المنطقة، والتعاون من أجل توفير الأمن والسلم، بعيداً من شبح الحروب التي تهلك الحرث والنسل، وهذا يتطلب جهوداً كبيراً مضنية تقوم بها دول أخرى، وقد ظهر جلياً هذه المرة دور سلطنة عمان في ترسيخ هذه العلاقات وإعادتها إلى مجراها الطبيعي، ما يفتح الباب أمام تسويات أخرى كالحرب في اليمن التي طال أمدها، وآن الأوان أن يشعر الشعب اليمني أنه حرٌّ وآمنٌ. وملف إيران النووي الذي يمكن أن يُفتح من جديد وتبدأ مفاوضات أخرى عميقة وجدية، ويساعد ذلك الاتفاق المرحلي الذي جرى بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كل ذلك يعكس جدية النظام الإيراني في حل المشكلات مع جيرانه والعالم بطرق سلمية.