العدو.. أنظمة تجسس حسب الحاجة
صحيح أنَّ تقنية DAS تساهم في تطوير حياة المجتمع في الدول المتقدمة وتحسينها، إلا أن العدو يستخدمها في بلادنا لزراعة الموت من دون رادع.
تعير دول العالم اهتماماً بالغاً بتطوير طرق التجسس خدمة لأهدافها الاستراتيجية. وفي عالم التسابق نحو اكتشاف معلومات ذات جودة عالية، لم يعد المطلوب مراقبة أشخاص محددين فقط، بل بات التجسس يشمل مجتمعاً كاملاً. كل ذلك يوفر خدمة لإمكانية كسب المعلومات ودراسة الشخص المستهدف والبيئة التي يعيش فيها.
ترافق التطور التكنولوجي مع التطور العمراني، وأصبح هناك تكامل، إذ دخل الإنترنت بقوة مع بناء المدن الذكية، وانتشرت كاميرات المراقبة وأنظمة المراقبة، حتى بدأت الدول باعتماد نظام DAS ، وهو نظام توزيع البيانات إلى شبكة بنية تحتية لنقل الإشارات الرقمية عبر كابلات الألياف الضوئية.
ومع دخول الذكاء الصناعي في عالم الاتصالات، بات نظام DAS قادراً على التنبؤ بأحداث مستقبلية مثل زحمة السير وكثافتها، ورصد المجرمين وتنقلاهم ومراقبة المجتمع وحفظ سلوكه وأنماطه، عدا عن استخدام نظام الاستشعار الصوتي وتقديم التحليلات، إلا أنَّ ذلك بات يشكل خشية على الحريات والخصوصية، حتى رفع الصوت عام 2013 مع فضيحة برنامج PRISM، إذ قامت وكالة الأمن القومي بجمع بيانات الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني لملايين الأشخاص في العالم، بما في ذلك مواطنو الولايات المتحدة.
وعام 2016، قام المطورون بربط النظام بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ استطاع النظام معرفة هوية المتظاهرين من خلال حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل المخاوف تكبر إزاء الاستخدام السيئ للنظام وقدرته على خرق الخصوصية من خلال مراقبة جماعية في مختلف دول العالم.
لذلك، فرضت رقابة ومحدودية في استخدامه، لكن ما لا يجوز في دول عالم الأول يجوز في دول عالم الثالث، فمع بداية معركة طوفان الأقصى وانطلاق جبهة المساندة من جنوب لبنان، إذ قامت المقاومة باستهداف قاعدة يارين التجسسية، انعكس الأمر ضعفاً في إمكانية التجسس على الداخل اللبناني، الأمر الذي انعكس بطلعات جوية مكثفة للطائرات التجسسية التي لا يقتصر عملها على التقاط الصور الجوية وتنفيذ الهجمات، بل على نقل الإشارات من المناطق العمياء التي يعجز العدو عن الوصول إليها ميدانياً، فتقوم الطائرات التجسسية المزودة بهوائيات بنقل الإشارات من هوائيات وحساسات مجهولة المكان بعدما قام عملاء العدو بزرعها في أماكن مختلفة.
تعد الشركات الإسرائيلية التي تصنع هوائيات وحساسات نظام DAS المطور بالذكاء الصناعي الأفضل في العالم، أشهرهاRafael Advanced Defense Systems ،Elbit Systems ، Israel Aerospace Industries ،Verint Systems ،NICE Systems .
تقوم هذه الشركات المنتجة بابتكار هوائيات وحساسات يمكن إخفاؤها في الأماكن العامة، إذ تأخذ أشكالاً مثل اللوحات الإعلانية وعواميد الإنارة والكاميرات الأمنية، كما يمكن زرعها في الأسقف والجدران والأثاث، ويقوم العملاء بطلي هوائيات DAS بألوان تناسب البيئة المحيطة، ويقصد زرعها في أماكن بعيدة عن الملاحظة والأضواء.
يقوم هذا النظام بالتقاط إشارات الراديو من الحساسات التي تجمع المعلومات، ليس من الهاتف الشخصي للشخص المستهدف فحسب، بل من الهواتف المحيطة وأجهزة Wi-fi المحيطة به أيضاً، ما يساعده على تكوين فكرة عن الضحية واهتماماته ورصد حركاته وموقعه.
صحيح أن العدو الإسرائيلي لديه برنامج بيغاسوس التجسسي الذي يمكنه خرق الحواسيب والهواتف الذكية ورسائل الواتسآب وغيرها، إلا أنَّ المهام التجسسية لم تعد محصورة بالأشخاص الذين ينوي استهدافهم، فجزء من المستهدفين على دراية بمخاطر الهواتف الذكية. لذلك لا يستخدمون الهواتف الذكية ولا أجهزة الحواسيب المتصلة بالإنترنت. لذا، يلجأ العدو إلى نظام DAS، وهو التجسس على المحيط ورصد أصواتهم وصورهم.
لا يقتصر عمل تقنية DAS على المراقبة الجماعية، بل يمكنها رصد المباني والمناطق المغلقة بدقة عالية، حتى لو لم يتم استخدام الهواتف الذكية، وزراعة بعض الهوائيات والحساسات بطرق خفية تعطي إشارة لنظام DAS لتحليل تغيرات الإشارات اللاسلكية التي تنتج من حركة الأشخاص داخل المبنى وتحديد تلك التغيرات عبر تحليل عودة الإشارات المرتجعة وتقدير الزمان والمكان لتحديد موقع الشخص داخل المبنى.
صحيح أنَّ تقنية DAS تساهم في تطوير حياة المجتمع في الدول المتقدمة وتحسينها، إلا أن العدو يستخدمها في بلادنا لزراعة الموت من دون رادع.
وبذلك، يصبح كل شخص مسؤولاً عن حماية نفسه وغيره من تبادل المعلومات على تطبيقات الهواتف والإنترنت إزاء أي حدث، كي لا يكون مساعداً للعدو الإسرائيلي من دون علم، وخصوصاً أن بيئة المقاومة تتعرض للاستهداف، ليس بشكل محدد فحسب، بل بشكل عام أيضاً.