سويسرا تسعى إلى تطوير أداة ذكاء اصطناعي
سويسرا تنضم إلى السباق العالمي لتطوير ذكاءٍ اصطناعي قادر على "التفكير" مثل البشر. فهل هذا التقدير واقعي، أم أنه مجرّد تفاؤل مبالغ فيه؟
-
الذكاء الاصطناعي نعمة أم نقمة؟ (المطاعم السويسرية تستخدم الروبوت مكان الإنسان (الصورة: سويس انفو)
منذ إطلاق "تشات جي بي تي" عام 2022، اعتاد ملايين الأشخاص التفاعل مع الذكاء الاصطناعي كما لو كان بشراً. ومع ذلك، لم ينجح أيّ نظام ذكاء اصطناعي، حتى الآن، في إظهار ذكاء بالمعنى "البشري" للكلمة.
وانضمّت سويسرا إلى السباق في مجال الذكاء الاصطناعي، مع إطلاق نموذج لغوي وطني ضخم (LLM)، ليكون بديلاً لمنصات ونماذج مثل " تشات جي بي تي"، و "لاما"، و "ديب سيك".
وأمَّا أكثر منصات الذكاء الاصطناعي شيوعاً، فتقوم على النماذج اللغوية المتقدمة (LLM)، وتقدّم التقديرات استناداً إلى أنماط متكرّرة، تعلّمتها من كميات هائلة من البيانات.
ومعظم هذه النماذج غير قادر على التعلّم الفوري، أو التكيّف مع معلومات جديدة كما يفعل العقل البشري. ويقول تورستن هوفلر، أستاذ علوم الحاسوب في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ: "تخدعنا هذه النماذج بذكائها المصطنع، الذي يبدو شبيهًا بذكائنا البشري. لكنها تفتقر إلى الفهم العميق والحقيقي، فهي مجرّد محاكاة حاسوبية".
هل يمكن للآلات أداء أيّ مهمة بدقة؟
ومن أجل سد الفجوة بين الإنسان والآلة، تتسابق الشركات، ومراكز الأبحاث حول العالم لتطوير "الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، لأنه سيمنح الآلات قدرةً على أداء أيّ مهمة بدقةٍ ومرونةٍ شبيهة بالبشر.
وفي سويسرا،هناك من يعتقد أنّ هذا الهدف بات قريب المنال. وفي المقابل، يشكّك بعض الخبراء والخبيرات في قدرة النماذج اللغوية المتقدمة، أو النماذج المشابهة، على تحقيق هذا الهدف. بل ويذهب البعض إلى التشكيك في ما إذا كان السعي وراء ذكاءٍ اصطناعي "بشري"، هدفًا مرغوباً فيه أصلًا.
اختبار الذكاء الاصطناعي
في قلب هذا السباق، تبرز (Giotto.ai)، وهي شركة سويسرية ناشئة تتصدر حالياً تصنيف جائزة "آرك" (ARC)، المسابقة العالمية لقياس التشابه بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والتفكير البشري، من خلال سلسلة من الألغاز البصرية.
#Swiss developers have entered the global race to build #artificialintelligence (AI) that is capable of “thinking” like humans. Some of them claim to be on the verge of a breakthrough. Is this really the case?
— swissinfo.ch (@swissinfo_en) November 3, 2025
Read the full story. 👉 https://t.co/AkKonQDQPM pic.twitter.com/0p7dvfZeTz
و تقول "جيوتو" إنها نجحت في حل 27،08 %من الألغاز. وبذلك، تتفوق على نماذج لغوية شهيرة مثل "جروك" (Grok 4)، و"جي بي تي" (GPT-5). وانتهت منافسة هذا العام في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر.
ومن المعاهد السويسرية الساعية إلى بلوغ هدف إنشاء الذكاء الاصطناعي العام، يبرز معهد الأبحاث "لاب 42"، ومقرُّه دافوس. ويدعم المعهد فرق البرمجة حول العالم، لتطوير خوارزميات قادرة على حلّ هذه الاختبارات. وفي عام 2024، حقَّق أحد فرقه البحثية رقماً قياسياً عالميًاً جديداً رابط خارجي، بحلّ 34% من اختبارات “آرك”، في منافسة غير رسمية.
ورغم أنّها مذهلة، ما تزال هذه النتيجة بعيدة جداً عن مستوى الذكاء البشري. ويؤكد فرانسوا شولي، واضع اختبار "آرك"، قدرة الإنسان "الذكي" على حلّ أكثر من 95 % من الألغاز، دون تدريب.
ويعتقد فريقا البحث في “جيوتو”، و "لاب 42" أن الفوز في المسابقة قد يقرّبهما من ابتكار تكنولوجيا تعمل مثل الدماغ البشري من حيث الإبداع، والقدرة على التعلّم بشكل مباشر، والسرعة في اكتساب مهارات جديدة.
François Chollet (@fchollet) on the ARC Prize and how we get to AGI.
— Y Combinator (@ycombinator) July 3, 2025
At AI Startup School in San Francisco.
00:00 - The Falling Cost of Compute
00:57 - Deep-Learning’s Scaling Era & Benchmarks
01:59 - The ARC Benchmark
03:02 - The 2024 Shift to Test-Time Adaptation
05:01 - What… pic.twitter.com/rOiu8LpTcj
ذكاء النماذج اللغوية المتقدمة لا يزال محدوداً
يرى ماركو زافالون، المدير العلمي لمعهد دالي مولي لدراسات الذكاء الاصطناعي في لوغانو، أنّ الذكاء العام لا يزال بعيد المنال، بالنسبة إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية، مهما كانت نتائجها جيدة في بعض الاختبارات.
ويشرح قائلاً: “لا تمتّ معظم النماذج اللغوية المتقدمة اليوم للذكاء الفعلي بصلة. فهي تتعرّف على الأنماط، لكنها لا تفهم الأسباب”. وبحسب زافالون، وفي ظل غياب فهم قانون الأسباب والنتائج، ينحصر الذكاء الاصطناعي في المستوى الأدنى، ويتوقّف عند الترابطات الإحصائية.
أما النظام الذكي فعلًا، فيجب أن يكون قادرًا على تخيّل سيناريوهات بديلة، وطرح سؤال من النوع التالي: “ماذا سيحدث لو…؟”. ووفقًا له، تبدو النماذج اللغوية المتقدمة قادرة على ذلك، لكنها مجرد محاكاة للأنماط الموجودة في نصوص كتبها البشر.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يعوّض نقص الموظفين في الفنادق السويسرية
ويعتبر زافالون أنّ المشكلة تكمن في تركيز الشركات على تحسين النماذج، عبر بيانات ضخمة، وحلول هندسية سريعة. ويرى أنّ هذا النهج لا يؤدي إلى ثورة علمية تقرّب الذكاء الاصطناعي من طريقة عمل الدماغ البشري. ويختم قائلًا: “يتطلّب الذكاء الحقيقي نهجًا جديدًا لإنشاء ذكاء اصطناعي قادر على الدمج بين الأنظمة القائمة، وإعادة التفكير في أسسها”.
تطوّر نماذج الاستنتاج
يرى بعض الباحثين والباحثات أنّ نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي، تُعرَف باسم أنظمة الاستدلال الاستنتاجي، قد تساعد على تجاوز بعض القيود الحالية.
وتعتمد هذه الأنظمة أيضاً على التوقّعات الإحصائية. لكنها تحاول محاكاة التفكير البشري من خلال تجزئة المشكلات المعقّدة إلى أجزاء أصغر، وحلّها بشكل متسلسل.
@EPFL , @ETH_en and #CSCS today released Apertus, Switzerland's first large-scale, multilingual language model (LLM). As a fully open LLM, it serves as a building block for developers and organizations to create their own applications: https://t.co/7bJlINiIdn #Apertus #AI pic.twitter.com/gZ96Lhxo6F
— CSCS Lugano (@cscsch) September 2, 2025
وعلى غرار شركات كثيرة حول العالم، تأمل “جيوتو” في إنشاء الذكاء الاصطناعي العام من خلال أنظمة الاستدلال. وتؤكد الشركة أن نظامها أصغر حجمًا، وأكثر فعالية، مقارنة بنماذج مثل “جروك 4”، أو “جي بي تي 5”. لكن، لا تزال كيفية تحقيق هذه النتائج غير واضحة. إذ لم تكشف الشركة الناشئة عن التفاصيل التقنية لنهجها، غير أنها تعتزم نشر تقرير مفصّل عند انتهاء المسابقة.
هل تقترب سويسرا من إنشاء الذكاء الاصطناعي العام؟
في حال فوز نظام شركة “جيوتو” للذكاء الاصطناعي بجائزة “آرك”، وتفوّقه على عمالقة التكنولوجيا في أميركا، فسيكون ذلك إنجازًا لافتًا لسويسرا. ومع ذلك، لا تزال كيفيّة استخدام نموذج قادر على حلّ الألغاز على أرض الواقع، غير واضحة. ويقول تورستن هوفلر: “يتمتّع الإنسان بقدرة هائلة تتخطّى مجرد القدرة على حلّ الألغاز”.
وفي مقابلة مع سويس إنفو (Swissinfo.ch)، صرّح ألدو بوديستا، المدير التنفيذي لمعهد دالي مولي لدراسات الذكاء الاصطناعي، بأنّ أيّ تطبيق يخطر بالبال سيُصبح ممكنًا، إذا نجحت “جيوتو” في الاقتراب من هدف إنشاء الذكاء الاصطناعي العام خلال العام المقبل.
اقرأ أيضاً: "أبيرتوس" نموذج سويسري شامل للذكاء الاصطناعي
في المقابل، يبدي ماركو زافالون تحفّظه تجاه مثل هذه الادعاءات. فيشكّك في إمكانات الأنظمة القائمة على النماذج اللغوية المتقدمة والتقديرات الإحصائية، لأنّ وصولها إلى مستوى ذكاء شبيه بالذكاء البشري يظل أمرًا صعبًا. ويضيف أنّ الوعود المماثلة، من شركات مثل “أوبن أ.ي” (OpenAI)، و”أنتروبيك” (Anthropic)، تبدو حتى الآن مجرد حملات دعائية تهدف إلى جذب الاستثمارات الكبرى، خاصة أنها لم توضّح كيفية تجاوز التحديات الأساسية المرتبطة بالاستدلال السببي، على سبيل المثال.