من لبنان .. أكبر مرصد فلكي في الشرق الأوسط
"الميادين نت" يطّلع على تفاصيل فكرة مشروع أكبر مرصد فلكيّ لبناني في الشرق الأوسط، سيدرج ضمن أهمّ 15 مرفقاً فضائياً عالمياً، على الرغم من الظروف الصعبة والأزمات التي تمرّ بها البلاد.. فماذا في التفاصيل؟
-
نكد للميادين نت: المرصد من أهمّ 15 مرفقاً فلكيّاً في العالم (غرافيك: ندين بدر الدين)
شهد لبنان مؤخّراً قفزة نوعية في مجال الرصد الفضائي والفلكيّ، تجلّت في التحضير لاقامة أهمّ مرصد فلكيّ، ربّما سيكون الأهم في الشرق الأوسط والمنطقة.
قد يُفاجئ اللبنانيون العالم بقدرتهم على تخطّي الصعاب، على الرغم من الأوضاع الصعبة السائدة بسبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية، والاعتداءات الإسرائيلية اليومية المتفاقمة والمتزايدة على أراضيه وناسه، بعد عدوان واسع استمر على مدى 66 يوماً خلال الصيف الماضي.
لبنان متميّز بتفرّد مواطنيه الحضاري والمتقدّم في البذل واجتراح الأمل على الرغم من الألم، في شتى المجالات وغيرها.. لا يلوي أهلوه على شيء، وهم ينشدون دوماً بذل المزيد والتطوّر والتقدّم..
ومع تواصل القصور والتقصير في مؤسسات ووزارات الدولة، لأسباب تتعلّق بالفساد واهتراء الجسم المؤسساتي، وتأثير الأحداث والأزمات والضغوطات الخارجية، إلا أنّ "المارد" داخل الشعب اللبناني يأبى إلّا أن ينتفض من تحت الرماد في كلّ الكوارث والمحن التي تحاول كسره..
تطوير البحث العلمي والأكاديمي
ومؤخراً، تمّ توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة سيدة اللويزة "NDU" في لبنان الرائدة في الأبحاث والدراسات، وبلدية بشري شمال البلاد، ،انطلاقاً من الرغبة المشتركة في تعزيز التعاون بين القطاع الأكاديمي والقطاع البلدي، وحرصاً على تطوير البحث العلمي في لبنان، ولا سيما في مجال علم الفلك.
#NDU signed a pioneering agreement with the Municipality of #Bcharre to establish the “NDU Observatory” on Mount Makmel, incorporating an advanced 60-cm-wide telescope donated by the prefecture of Kochi, Japan to NDU. The location has been selected based on studies conducted by… pic.twitter.com/3h2LEkctLu
— Notre Dame University-Louaize (@NDU_Louaize) October 21, 2025
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إنشاء أول مرصد فلكيّ (Observatory) في لبنان على جبل المكمل، الذي يعدّ من أعلى القمم اللبنانية وأكثرها ملاءمة للأبحاث الفلكية، استناداً إلى الدراسات الصادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية.
رئيس الجامعة: "حدودنا هي السماء"!
رئيس الجامعة الأب الدكتور بشارة الخوري الذي يهتم على الدوام بالبحوث والدراسات والمشاريع الحيوية، وكلّ ما يعطي لبنان تميّزاً، أعرب عن "اعتزازه بهذا التعاون البنّاء بين الجامعة وبلدية بشري"، معتبراً "أنّ هذه الشراكة تجسّد رؤية الجامعة القائمة على أنّ حدودها هي السماء"، مؤكّداً أنّ الجامعة تواصل مسيرتها بإيمان وصبر لتجاوز التحدّيات، وتعزيز رسالتها الأكاديمية والإنسانية، وفاء للأمانة الملقاة على عاتقها".
وأشار إلى "أنّ هذا المشروع يشكّل إطاراً جديداً يفتح أمام طلاب الجامعة آفاقاً تعليمية وبحثية واسعة في مجال العلوم الفلكية".
#NDU celebrated #ErasmusDays 2025 through an enriching exchange held in the presence of representatives from the Ministry of Education and Higher Education, the Ministry of Culture, the European Union Delegation to Lebanon, the National #Erasmus+ Office, and the Embassies of… pic.twitter.com/TSgcT6OKup
— Notre Dame University-Louaize (@NDU_Louaize) October 22, 2025
عميد الكلية لـ الميادين نت: نسعى لمحميّة سماوية
وفي السياق يوضح عميد كلية العلوم الطبيعية والتطبيقية في الجامعة الدكتور روجيه نكد لـ الميادين نت أن إنشاء أول مرصد فلكي في لبنان سيكون على جبل المكمل، وهو من أعلى القمم اللبنانية وأكثرها مُلاءمة للأبحاث الفلكية.
ويضيف في معلومات خاصة لـ "الميادين - منوعات" أنّ "من أبرز جوانب المشروع إعلان منطقة جبل المكمل (سلسلة جبال لبنان الغربية) "محميّة سماوية Dark Sky Reserve"، وهي منطقة تُحمى فيها السماء من التلوّث الضوئي"، من الإضاءة الصناعية المُفرطة التي تحجب رؤية النجوم وتُفسد جمال السماء الطبيعية".
ما دور اليابان؟
ويكشف أنه "من خلال جهود الدكتور الياباني كازوهيرو Sekiguchi من المرصد الفلكي الوطني الياباني (NAOJ)، تبرّعت محافظة كوتشي في اليابان لجامعة سيدة اللويزة (NDU) بتلسكوب قطره 60 cm".
وعليه فإنّ "المكان الطبيعي لهكذا تلسكوب هو مرصد فلكي على علوٍّ شاهق، "فلبنان غني بعدد القمم التي يفوق ارتفاعها 2000 متر".
وتجدر الإشارة إلى أنّ دراسة مموّلة من المجلس الوطني للبحوث العلمية، والتي شملت العديد من الجبال اللبنانية، أشارت إلى أنّ معظم هذه القمم تبشّر بظروف رصد ممتازة، وتأتي القرنة السوداء في المقدّمة. ووفقاً لذلك، أوصت الدراسة بجبل المكمل كأفضل موقع في لبنان لبناء مرصد فلكي".
فوائد المرصد في جبل المكمل؟
ويوضح الدكتور الشاب "أنّ التعاون مع السلطات المحلية هو المدخل الإلزامي لبناء وتشغيل و إدارة هذا المرفق الهامّ في منطقة نائية كجبل المكمل".
وهذا الجبل هو امتداد لسلسلة جبال لبنان الغربية، وهو أعلى جبل في لبنان، وتقع فيه أعلى قمة في بلاد الشام قاطبة وهي القرنة السوداء حيث يبلغ ارتفاعها 3093 متراً عن سطح البحر.
وهنا يعدّد ايجابيات إقامة المرصد في جبل المكمل " فإضافة إلى النوعية الفلكية المحتملة ،فتركيب المرصد في الموقع لديه الكثير من الفوائد:
1- إنّ الموقع بعيد عن التنمية ويقع في منطقة يتمّ حالياً تطوير السياحة البيئية فيها بشكلٍ كبير ما يضمن حماية طويلة الأجل للموقع.
2- المرصد هو مرفق مثاليّ ضمن مفهوم السياحة البيئية.
3- يعتبر الموقع قمة في لبنان ومنطقة جغرافية واسعة تتميّز بسهولة الوصول إليها،خلافاً لقممٍ أخرى أقلّ ارتفاعاً في لبنان أو في بلدان أخرى.
4- سوف يكون المرصد من بين أعلى المراصد الفلكية البصرية في العالم.
-
المرصد الحالي الموجود في حرم الجامعة
فوائد المرصد السياحية والعلمية
ويشرح أنّ المراصد في جميع أنحاء العالم هي مناطق الجذب السياحية الكبرى على الرغم من بُعدها. ومرصد جامعة سيدة اللويزة ليس استثناءً. فبقدر ما هي مرافق للبحوث فإنها تفيد من خلال:
1- تخدم أغراض التوعية والتعليم.
2- ينظّم فيها مهرجان علم الفلك السنوي خلال فصل الصيف الذي يزيد جذب الناس إلى المنطقة.
2- تقصدها زيارات نهارية بالتنسيق مع الوكالات السياحية، ومعظمهم من منظّمي السياحة البيئية.
وبذلك يوضع المرصد والمنطقة باعتبارهما المقصد المفضّل لمثل هذه الأنشطة في نطاق السياحة البيئية العلمية .
ومن الجدير بالذكر أنّ مرصد جبل ماجنتيك في كندا الذي يبعد عن مونتريال 100 كم و 300 كم عن شيربروك هو مقصد زوّار سنوي من أكثر من 35000 شخص، مع عدم إغفال حقيقة أنّ المرفق هو مرفق للأبحاث بالدرجة الأولى.
3. تطوير الموقع قد يجذب المرافق الدولية الأخرى كما هي الحال في العديد من المواقع الفلكية في جميع أنحاء العالم. وسيساعد هذا التعاون على جذب الفلكيين الدوليين والموظفين التقنيين إلى المنطقة التي سوف تستخدم المرافق المحلية للإقامة فيها.
-
القبة المشادة تحضيراً للمرصد الفلكي في جبل المكمل
مرصد صديق للبيئة
ويكشف العميد للميادين نت أنّ "هذا المرصد سيكون مثالاً للأبنية الصديقة للبيئة وذلك للمحافظة على المياه الجوفية والتنوّع البيئي في الموقع. فبقدر ما سيكون هذا المرفق مركزاً للأبحاث الفلكية المتقدّمة، كذلك سيكون مركزاً للتوعية البيئية ونموذجاً للتنمية الصديقة للبيئة والمستدامة من خلال تصميم المبنى واستعمال الطاقة والمياه ومرفق التوعية الفلكية".
الجانب العلمي الحيوي
و التلسكوب (60 سم) يتطلّب قبّة لإيوائه، وبالتالي إلى بناء يحتل مساحةً قطرها 6م إضافةً إلى غرفة تحكّم مساحتها 15 م2 .
وإذا كان الحديث عن الفلك في لبنان غالباً ما يرتبط بالأبراج والتنبؤات المستندة إلى حركة الكواكب، لكنّ نكد يؤكّد "أنّ هناك جانباً علمياً أكثر عمقاً بعيداً عن الإطار التجاري، فهناك باحثون وعلماء وطلاب يعملون على ترسيخ موقع لبنان على الخريطة العلمية العالمية في مجال أبحاث الفضاء".
ويضيف "يتجسّد هذا الجهد بوجود أكبر مرصد فلكيّ من نوعه في الشرق الأوسط في حرم جامعة سيدة اللويزة، والذي سيعمل بالتكامل مع المرصد المزمع إنشاؤه في جبل المكمل، لتوفير بيانات فلكية دقيقة تسهم في تطوير البحث العلمي".
-
موقع المرصد (من صفحة جبة بشري)
واحد من أهم 15 مرصداً فلكياً في العالم
وحول تمويل المرصد يوضح عميد الكلية "بموجب الاتفاقية، ستتولّى بلدية بشري تأمين موقع المرصد وتمويل بنائه بكلفة تُقدَّر بحوالى نصف مليون دولار". ونظراً للظروف المالية الصعبة التي تمرّ بها البلديات، أبدى عدد من أبناء بشري المقيمين في الخارج وبعض المقيمين فيها حماساً كبيراً للمساهمة في تمويل المشروع.
ويتوقّع روجيه نكد أن "يكون المرصد واحداً من بين أهمّ 15 مرصداً فلكياً في العالم، ما سيضع لبنان في مصاف الدول الفاعلة في مجال الإنتاج العلمي، ويجذب باحثين عالميين للمجيء إلى لبنان".
اقرأ أيضاً: كيف كانت النجوم ترسم حدود العرب؟
"محمية سماوية"
وفي كلّ الأحوال، يعدّ هذا المشروع إنجازاً وطنياً فريداً من نوعه في لبنان، إذ يجمع بين العلم والسياحة البيئية، ويساهم في ترسيخ موقع منطقة بشرّي كوجهة رائدة في مجال الفلك والبحث العلمي.
ويجيب د.نكد عن سؤالنا فيقول "على الرغم من الأزمات والحرب التي تعرّض لها لبنان، نهتمّ كجامعة، ليس فقط في الجانب العلمي والأكاديمي والتطويري، بل بالحفاظ على بقاء وتطوير الشباب اللبناني، وأهمية العمل معهم على تطوير الاختصاصات وتوفير فرص العمل، وأن تكون مترابطة مع القطاعات المعنية، وتحفيزهم بالدرجة الأولى على البقاء في بلدهم، وكي تصل رسالتنا إلى هدفٍ يخدم الجميع".
-
خلال توقيع الاتفاقية
ويؤكّد أنّ ما يميّز الشعب اللبناني أنه قادر على التقدّم إلى الأمام برغم الحروب والضغوط الكبيرة، والتأسيس لجيل يبقى في لبنان بفضل المشاريع الحيوية من علمية وغيرها.
وفي الختام، يُطرح هاجس مشروع يحمل فرضيّة عدم السماح بتنفيذ المرصد من قِبل الخارج، خاصة وأنه سيكون مرفقاً لبنانياً عالمياً متقدّماً، كما جرى مع مشروع الصاروخ الفضائي العلمي اللبناني في الستينيات، والذي عملت عليه "الجمعية اللبنانية للصواريخ" التي أسَّسها البروفيسور اللبناني ومُدرِّس الرياضيات والفيزياء مانوغ مانوغيان في "جامعة هايكازيان"، وواجه اعتراضات شديدة من بعض الدول الغربية وأوقف بعد عدة تجارب ناجحة.
وبرأي نكد الشخصي، فإنّ "هكذا مرصد متقدّم هدفه علميّ بالدرجة الأولى، وسياحي وبيئي أيضاً، فالأهداف هنا تتجلّى في العلم والثقافة، ولا أرى أنّ هناك ضغوطات ستمارس على هكذا مشروع".
اقرأ أيضاً: قصة الصاروخ اللبناني الأول عربياً... كيف أوقفته "إسرائيل"؟