محمود سرسك: سأحمل روحي.. بين كرة القدم وسجون الاحتلال!
محمود السرسك يروي "للميادين نت" قصته في الأسر ومعركته بالأمعاء الخاوية. لماذا رفض حضور مباراة برشلونة وريال مدريد؟
لا شكّ في أن بعض الألحان يأسر الذاكرة ويحملها إلى بحر من الخيال، يسافر بنا على جناح الشوق إلى المدى البعيد، وكذا تفعل بنّا الموسيقى الثورية التي تذكّرنا بفلسطين. وليست الموسيقى التي تفعل ذلك فقط، إذ يعدّ حضور بعض الأشخاص معنا والاستماع إلى حديثهم بمنزلة النغمة والوتر ولحن الزيتون الذي يذهب بنا إلى فلسطين المحتلة.
زارنا في "الميادين نت" الأسير المحرّر ولاعب كرة القدم السابق، وبطل معركة الأمعاء الخاوية، محمود السرسك، وتلا علينا بعضاً من أبيات الكفاح والتحدي والعزيمة.
من هو محمود السرسك؟
ولد محمود السرسك في 20 كانون الثاني/يناير 1987 في مخيم رفح، حي الشابورة، في قطاع غزة. التحق بنادي رفح الرياضي للأشبال عندما كان يبلغ من العمر 8 سنوات.
واختير لتمثيل المنتخب الفلسطيني لكرة القدم وهو لم يتجاوز سن الـ14 من العمر، ليكون أصغر لاعب في صفوف المنتخب الوطني.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي السرسك بتاريخ 22 تموز/يوليو 2009، بعدما أوقفته على حاجز "أيرز العسكري" بينما كان في طريقه إلى الالتحاق بنادي شباب بلاطة الرياضي في نابلس (الضفة الغربية) للاحتراف في صفوفه كلاعب كرة قدم، وذلك على الرغم من حصوله على تصريح مرور من قوات الاحتلال لدخول الضفة الغربية.
وأفرج عنه في 10 تموز/يوليو 2012 بعد إضرابه عن الطعام لأكثر من 96 يوماً بعد حكمه إدارياً، ووصل إلى قطاع غزة.
سأحمل روحي على راحتي.. السرسك يروي "للميادين نت"
ما زالت كلمات الشاعر عبد الرحيم محمود راسخة في قلوب وعقول الذين يحملون القضية الفلسطينية كإكسير حياتهم، إذ يقول "سأحمل روحي على راحتي.. وألقي بها في مهاوي الردى.. فإمّا حياة تسرّ الصديق.. وإمّا مماتٌ يغيظ العدى.. ونفسُ الشريف لها غايتان.. ورود المنايا ونيلُ المنى".
ويتابع "وما العيشُ؟ لا عشتُ إن لم أكن.. مخوف الجناب حرام الحمى.. بقلبي سأرمي وجوه العداة.. فقلبي حديدٌ وناري لظى.. وأحمي حياضي بحدّ الحسام.. فيعلم قومي أنّي الفتى". ولا شك في أن الأسرى الفلسطينيين جسّدوا هذه الكلمات، ومنهم محمود السرسك فتى فلسطين الحر الذي خاض معركة الأمعاء الخاوية.
اقرأ أيضاً.. "نفق الحرية"... تحيّة رياضية
حضر السرسك بيننا في "الميادين نت" وحدّثنا عن المعتقل وأيام الإضراب ولقائه بأسرى باتوا اليوم شهداء.
يتحدث السرسك عن فترة أسره، ويصف عملية الأسر لدى الاحتلال الإسرائيلي بأنها "إرهاب منظم" يمكن أن يصل إلى القتل والاغتيال النفسي والمعنوي، ويقول إن كرامة الأسير الفلسطيني تسلب مباشرة عند اعتقاله إذ "يصنّف كرقم" ويفرز على أساس رقمه لا اسمه، ويعمل الاحتلال على تحويله إلى نكرة.
ويروي السرسك كيف يتحوّل الأسير الفلسطيني إلى رقم في حقل التجارب الصحي وليس النفسي فقط، سواء عند نقله إلى المستشفيات أو غير ذلك.
"الأسرى الفلسطينيون يعدّون أكبر حقل تجارب طبيّ في العالم"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) May 31, 2023
الأسير الفلسطيني المحرر ولاعب كرة القدم السابق محمود السرسك لـ #الميادين #فلسطين pic.twitter.com/Ej1nwmpbzD
بالنسبة إلى السرسك، ليس المهم في القضية اسم الأسير الفلاني، إنما القضية ككل، وما يتعرّض له الأسرى الفلسطينيون من تنكيل وإذلال واضطهاد، ويشدد على دور الإعلام الجماعي والفردي والمؤسساتي في القضية الفلسطينية.
يتطرّق السرسك في كلامه إلى حالات خاصة لبعض الأسرى وضرورة ظهورهم إلى الإعلام، والعمل على جذب الرأي العام لمساندتهم والانتصار لقضيتهم، كما يفعل العدو الإسرائيلي في قضية "الهولوكوست" مثلًا. ولم ينس الحديث عن عوائل الأسرى ودورهم في دعم أبنائهم وتعزيز صمودهم وإبقاء قضيتهم حية في ضمير الأمة.
محمود السرسك في السجن.. لاعب كرة القدم هز الكيان
قضى محمود السرسك 3 سنوات في السجن، ولا يخفي أنه فقد الأمل في بعض المرات في الخروج، لكنه كان يعلم أن أسره بمنزلة رسالة للعالم. السرسك أسر بحسب قوله وصنّف كما كان يصنّف أسرى جنوبي لبنان، أي أنه أسير معركة كما الشيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني والشهيد سمير القنطار، وقرار الاعتقال في مثل هذه الحال يكون في يد"رئيس الكيان"، وهو اعتقال مفتوح من دون فترة زمنية.
وعن معركة الأمعاء الخاوية والإضراب المفتوح عن الطعام، يقول السرسك إن "الأسير في السجن لا يملك سوى جسده لكي يستخدمه في المعركة"، ويتحدث عن تجربته مؤكداً أنه استفاد من تجربة زملائه في الأسر، الذين نجحوا في انتزاع حريتهم.
بعد اعتقال دام 18 عاماً، الأسير المحرر محمود السرسك يروي مسار الاعتقال في سجون الاحتلال لـ #الميادين #فلسطين pic.twitter.com/rOE03GeBbF
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) May 31, 2023
تأثر السرسك بهذا النوع من التحدي والنضال، ونظر إلى نفسه ولم ينس أن جسمه الرياضي وكتلته العضلية قد تساعده في الإضراب. لذلك، لم يتردّد وقرّر أن يقاوم بأمعائه.
اقرأ أيضاً.. من الأسر إلى الملاعب.. "كأس التحدّي والصمود"
ويشرح السرسك أن ممارسته رياضة كرة القدم ساعدته في عملية الإضراب، خصوصاً في الفترة الأولى، إذ إنه سيخسر وزناً كبيراً في الفترة الأولى، لكن جسده الرياضي شكّل عامل قوة وميزة في تخطي صعوبة الأيام الأولى من الإضراب.
بعد 96 يوماً من تجربة صعبة، يقول السرسك إنه كان قريباً من الموت ونقل إلى ما يسمى "الموت الإكلينيكي" وأدخل إلى المستشفى بعد ضغط دولي، وهنا يؤكد أن كرة القدم والتدخل الدولي كانا سبباً في نقله إلى المستشفى بنسبة كبيرة، ولم يكن نقل الكيان له عطفاً ورحمة به إنما تهديد الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، بسحب تنظيم بطولة كأس العالم تحت 23 عاماً من كيان الاحتلال.
ويروي السرسك أن الأسرى الآخرين عندما ينقلون إلى المستشفيات إنما ينقلون إلى "مذابح"، لإجراء الاختبارات وحقنهم وحتى في بعض الأحيان التخلص منهم.
لماذا رفض السرسك مشاهدة مباراة ريال مدريد وبرشلونة في العام 2012؟
يقول محمود السرسك إن كرة القدم هي المسرح الذي يجتمع فيه الجميع، وهناك يتحدون بعيداً عن توجهاتهم ومعتقداتهم الدينية، كما يعلم أهمية هذه الرياضة في توجيه الرسائل وخصوصاً السياسية والإنسانية منها، وهو مدرك لعمل الكيان الإسرائيلي محاولاً التسويق وتلميع صورته من خلال الرياضة وهذا ما قاله للميادين نت.
في العام 2012، وجّهت دعوة إلى السرسك الذي هز العالم بقضيته عندما كان أسيراً، من نادي برشلونة لحضور مباراة "الكلاسيكو" أمام ريال مدريد. يقول السرسك وهو مشجع لبرشلونة، إنه لم يرفض الأمر وأبدى موافقته.
لكن هاتفه بعد هذه الموافقة لم يتوقف ليلاً، والكل يدعوه إلى مشاهدة الأخبار، ففي العناوين "دعوى للجندي الصهيوني جلعاد شاليط ولاعب كرة القدم الفلسطيني محمود السرسك في الكلاسيكو"، وكأنها محاولة لتبييض الصورة، ويعبّر السرسك عن هذا الأمر بأن "لا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية"، ليرفض الحضور بهدف دحض فكرة "السلام المزيف"، من شخص عانى كل المعاناة في سجون الاحتلال.
كما يتحدث السرسك عن زياراته لملعب "حديقة الأمراء" في فرنسا، حيث كان يريد مشاهدة مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان في العام 2013، عندها رفع العلم الفلسطيني نصراً للقضية، على الرغم من أنه كان يعلم منع ذلك في الملاعب الأوروبية وخصوصاً فرنسا، بعدها اعتقل ومنع من فعل ذلك، وحول هذه النقطة يتحدث السرسك عن تدخل "اللوبي الصهيوني" لمنع أي إشارة دعماً لفلسطين في ملاعب كرة القدم.
لقد كان محمود السرسك واحداً من آلاف الأسرى الذين رفعوا لواء النصر لبلدهم ورفضوا أي ذل وهوان، وردّدوا على الرغم من بطولتهم وبتواضع، نشيداً مفاده الفدائية والحب والانتماء والإخلاص بعيداً عن أي تنازل؛ "فدائي فدائي فدائي، يا أرضي يا أرض الجدود… فدائي فدائي فدائي يا شعبي يا شعب الخلود.