عثمان ديمبيلي... من منبوذ برشلونة إلى أمل باريس سان جيرمان

في عالم كرة القدم، قلما يظهر لاعب يجمع بين السرعة الخاطفة، والمهارة الفردية الاستثنائية، والرؤية الإبداعية مثل عثمان ديمبيلي. ذلك الفتى الفرنسي الذي انفجر موهبةً مع بوروسيا دورتموند في 2016، ليُصنّف كواحد من أبرز المواهب في القارّة العجوز ويجذب أنظار كبار الأندية الأوروبية من أجل التعاقد معه.

لكن مسيرة ديمبيلي رغم تألقه المبكر، تحوّلت إلى رحلة من التحديات: إصابات متكررة، ضغوط نفسية هائلة، وتوقعات لم تتحقق مع برشلونة. واليوم، في باريس سان جيرمان، يبدو ديمبيلي وكأنه وُلد من جديد: لاعِبٌ صحي، ومؤثر، وقائدٌ في الملعب. فكيف تحوّلت مسيرته من "مشروع مخيب للآمال" في برشلونة إلى "قصة نجاح" في باريس؟

شرارة الانطلاق في البوندسليغا

انضم ديمبيلي إلى دورتموند قادماً من رين الفرنسي في 2016 في مقابل 15 مليون يورو، لكنه سرعان ما أصبح أحد أهم اللاعبين في أوروبا. في موسمه الوحيد مع "أسود الفيستيفاليا"، سجل 10 أهداف وقدم 21 تمريرة حاسمة في 50 مباراة، محققاً معدل مشاركة مباشرة في هدف كل 84 دقيقة.

ومن ينسى هدف ديمبيلي الرائع في مرمى بايرن ميونخ في نهائي كأس ألمانيا 2017 على طريقة الـR2  الشهيرة، عندما تفوّق على مدافعي البافاري بتسديدة مقوسة من داخل منطقة الجزاء سكنت شباك الحارس زفن أولرايش، ليضمن التأهل لنهائي البطولة ومن ثم سجل هدفاً في النهائي ليتوّج دورتموند بلقب البطولة.

الحلم الكتالوني.. الذي تحوّل إلى كابوس

أداء ديمبيلي اللافت وإحصائياته المميزة دفعت برشلونة لتقديم عرض مغرٍ لبوروسيا دورتموند في صيف 2017 من أجل شراء عقد ديمبيلي.

وبالفعل دفع برشلونة 145 مليون يورو (ثاني أغلى صفقة في تاريخ النادي آنذاك) لضم ديمبيلي كـ"بديل لنيمار". الجماهير الكتالونية رأت فيه الأمل الجديد بعد رحيل البرازيلي إلى باريس سان جيرمان في صفقة قياسية في عالم كرة القدم، لكن الكارثة بدأت مبكراً، فالتوقعات كانت هائلة.

الأمور لم تسر كما هو متوقع. بدأت المشاكل مع أول إصابة خطيرة تعرض لها ديمبيلي في وتر العضلة أبعدته عن الملاعب أربعة أشهر.

وعلى مدى 6 مواسم، تحول ديمبيلي إلى ضيف دائم في غرفة العلاج ما دفع بعض جماهير برشلونة إلى القول إن الفريق الكتالوني تعاقد مع ديمبيلي لـ"المستشفى" وليس للعب كرة القدم، حيث غاب عن 102 مباراة رسمية بسبب الإصابات المختلفة.

لكن لماذا فشل ديمبيلي في فترته مع برشلونة؟

كانت هناك عدة عوامل وراء عدم نجاح ديمبيلي في برشلونة. الضغط النفسي الهائل لكونه البديل المكلف لنيمار، وسياسات التعافي المثيرة للجدل التي اتبعها النادي الكتالوني، إضافة إلى النظام التكتيكي الذي لم يكن في مصلحته. كل هذه العوامل أسهمت في تحويل واحدة من أكثر الصفقات إثارة إلى واحدة من أكثرها إحباطاً.

الدخان الأبيض في باريس

عندما أعلن باريس سان جيرمان تعاقده مع ديمبيلي في صيف 2023، قابل الجميع الخبر بدرجات متفاوتة من التشكيك. هل يمكن للاعب عانى من كل هذه الإصابات أن يعود إلى مستواه؟ حتى أكثر المشجعين تفاؤلاً كانوا متحفّظين.

لكن ديمبيلي فاجأ الجميع. في موسمه الأول مع باريس، شارك في 42 مباراة رسمية، وهو رقم لم يحققه سوى مرتين خلال 6 سنوات قضاها مع برشلونة. سجل 6 أهداف وقدم 14 تمريرات حاسمة، وكان له دور محوري في وصول الفريق إلى نصف نهائي دوري الأبطال والتتويج بـ3 ألقاب، بالإضافة إلى التتويج بثلاثة ألقاب: الدوري الفرنسي، وكأس فرنسا، وكأس السوبر الفرنسي.

الفرق بين أداء ديمبيلي في الفريقين لا يعود فقط إلى الحالة البدنية، بل أيضاً إلى كيفية استغلال موهبته. في برشلونة، كان يُستخدم كجناح تقليدي يعتمد على السرعة، ما جعله عرضة للإصابات. أما في باريس، فقد تحول إلى لاعب أكثر مرونة، يتحرك بين خطي الوسط والهجوم، ويشارك في بناء الهجمات بشكل أعمق. هذا التغيير، إضافة إلى الثقة الكبيرة التي منحه إياها المدرب لويس إنريكي، سمحا له بإظهار أفضل ما لديه.

وهنا إحصائيات ديمبيلي مع برشلونة وباريس سان جيرمان

مع برشلونة: لعب 185 مباراة، سجل خلالها 40 هدفاً وقدم 41 تمريرة حاسمة.

مع باريس سان جيرمان حتى الآن: لعب 84 مباراة، سجل خلالها 38 هدفاً وقدم 25 تمريرة حاسمة.

ونتيجةً لذلك، تأهل باريس سان جيرمان الثلاثاء إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بقيادة ديمبيلي كما أن الفريق تُوج بلقب الدوري الفرنسي رسمياً قبل انتهائه، إضافة إلى وصوله إلى نهائي الكأس. فهل سيقود ديمبيلي باريس سان جيرمان إلى حلم الثلاثية التاريخية؟