روح مارادونا ما زالت هنا.. اليوم وُلد دييغو

في مثل هذا اليوم، وُلد الراحل دييغو أرماندو مارادونا. يوم تتذكّر فيه جماهير دييغو مارادونا كل ما قدّمه إلى اللعبة. ويمكن فيه استعادة كثير من المشاعر والعاطفة، من خلال رسالة هذه السيدة الأرجنتينية.

  • دييغو مارادونا مع نابولي
    دييغو مارادونا مع نابولي
  • روح مارادونا ما زالت هنا.. اليوم وُلد دييغو
    روح مارادونا ما زالت هنا.. اليوم وُلد دييغو
  • مارادونا لحظة تسجيله بيده في مرمى إنكلترا في كأس العالم 1986
    مارادونا لحظة تسجيله بيده في مرمى إنكلترا في كأس العالم 1986
  • روح مارادونا ما زالت هنا.. اليوم وُلد دييغو
    روح مارادونا ما زالت هنا.. اليوم وُلد دييغو

لم يرحل دييغو. لم يَمُت، بل هاجر إلى السماء. دييغو أرماندو مارادونا ما زال حياً في قلوب نسبة كبيرة من عشّاق كرة القدم. ما زال يسكن قلوب الملايين حول العالم، وليس فقط ملايين الأرجنتينيين.

دييغو بمثابة "أيقونة" للجيل الذي شاهده مباشَرةً، والجيل الذي لاحق فيديوهاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأخذ يشاهد الوثائقيات عنه كي يتعرّف إليه. في كل تناقضاته وأخطائه والقصص عن مساوئه، نسبة كبيرة من الجماهير تعشقه، وتصلّي لأجله، وتعتبره بين أفضل اللاعبين في التاريخ، ولا شك في ذلك. وهناك رأي آخر يراه في كفة، بعيداً عن سائر اللاعبين والأساطير.

في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فارق دييغو مارادونا الحياة. وفي مثل هذا اليوم، 30 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1960، وُلد. ومنذ تلك اللحظة، بدأت أسطورة "الفتى الذهبي" (El Pibe De Oro)؛ الفتى الذي أذهل العالم حيثما حلّ.

عندما تتحدّث عن مارادونا، إن كنتَ من محبيه وعشاقه، فلا يمكنك أن تزيح مشاعرك جانباً، حتى لو كنت مطالَباً بأعلى درجات الحيادية والموضوعية. فدييغو كتلة من المشاعر المتحرّكة داخل الملعب وخارجه. لذلك، تتحدث عنه الجماهير كأنه واحد منها، لأنه شخص بسيط عاش الحياة، في كل مراحلها. صعد وهبط، وأخطأ وحاول إصلاح نفسه. وبطبيعة الحال، لا شيء يبرّر "انحرافه وأخطاءه"، لكنه، في الملعب، لا يمثّل سوى "القديس" الذي يملك العالَم عندما يتلاعب بالكرة بين قدميه، يسدّد ويرواغ ويسجّل، ويُسعد الجميع.

لم يَمُت دييغو لأن صورته ما زالت حاضرة في بيوت الأرجنتينيين ووجدانهم، ويستعيدون ذكريات تتويجه بكأس العالم في المكسيك في عام 1986. لم يَمُت دييغو لأن اسمه أزاح اسم "السان باولو" عن ملعب نابولي، ليصبح ملعب "دييغو أرماندو مارادونا"، بحيث لا أحد يمكن وصف مشاعر الحب له. دييغو المحبوب في جنوبي إيطاليا، والذي وضع اسم نابولي في خريطة كرة القدم، وأعاد صراع فقراء الجنوب مع شمالي إيطاليا، هو نفسه مكروهٌ في إيطاليا، بعد أن قسّم الإيطاليين في مونديال عام 1990، عندما احتار الإيطاليون مَن يشجعون: إيطاليا أم مارادونا.

قصص دييغو لا تنتهي، صفحات خطّها "طفل روزاريو"، الذي تصفه شقيقته بأنه كان بمنزلة "الأخ والصديق والأب"، لأنه كان دائماً يضع نفسه في موقع المسؤولية. 

قصص دييغو مارادونا لا تنتهي.. رسالة عتاب وحبّ!

  • إشعال الشموع لمارادونا في مدينة نابولي الإيطالية
    إشعال الشموع لمارادونا في مدينة نابولي الإيطالية

من بين قصص دييغو التي تتحدّث عن علاقته بالجماهير، وما يعنيه بالنسبة إليها، رسالة من سيدة أرجنتينيّة إلى مارادونا بعد كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، وهي البطولة التي لم يشارك فيها بسبب تعاطيه المخدِّرات. فماذا تقول هذه السيدة؟

جاء في الرسالة: "دييغو، لم أُشاهد زوجي يبكي في حياته إلّا ثلاث مرّات. الأولى عندما أنجبت ابني ناتشو. الثانية عندما سجَّلتَ الهدف الثاني على إنكلترا. والثالثة عندما استُبعدتَ عن كأس العالم 1994 بسبب المخدِّرات. الآن، أنا متأكّدة من أن دماء زوجي ما زالت تَتَدفّق بسببك. كلّ الانفعالات التي تهُزّه أنت وراءها. لم يبكِ من أجلي، لكنه بكى من أجلك. ولأنّه يصلي من أجلك، قرّر إشعال شمعتين، وأنا سأفعل الشيء نفسَه، وسأجعل ذلك السكون العظيم الذي يجعله كلما فكَّر في مرضك يدخل إليَّ".

وتضيف "سآمُل مثله، على الرغم من أنّك لست قديساً أحترمه. أعترف بأنّك أَثَرْت غضبي عدة مرّات بسبب غرورك وقذارةِ لسانك، وأعتَرِف بأنني لا أفهمُ كثيراً من كرةِ القدم، ولا أريد أن أفهم، لكنّ هنالك أموراً تجعلني أصلّي لك في كل مساء، ولها علاقة مباشرة بشخصيّتك. هل تعرف لماذا أصلّي؟ الأمر واضحٌ جِدّاً. فعندما مرت علينا تلك الأيّام، التي لم نجد فيها شيئاً نقتات به، أدخلتَ الفرحةَ قلوبَنا".

وتتابع "كانت تلك أيّام الرئيس راوول، بحيث عَمّت الفوضى في البلاد في عهده، وكنّا نجوع أكثر من أيّ وقتٍ مضى. كان الشتاء قاسياً، وكان طعامنا القليل هو نفسه الذي نأكله في الفطور والعشاء. لكنّ الفوز بكأس العالم كان هدية من السماء خفّفت عنّا المعاناة، وكنت أنت السبب في إدخال الفرحة لعائلتي. عندما أسأل زوجي وابني عن ذكرياتِهما في ذلك العام، لا يذكران إلا اسمك، ويتحدّثان عنك بسعادة غامرة وعيون دامعة، فهما نسيا الجوع والألم اللذين عانيناهما ذلك العام. يجرحني أحياناً أنّ سائر دول العالم تظن أنّنا بسطاء وسذّج، لكنني أشرح بالقول إننا لا نصلّي لذلك الثرثار الذي يملأه الغرور، بل نصلّي لأجل لحظات الفرح القليلة التي عاشتها البلاد في الأعوام العشرين الماضية. عندما منعوك من اللعب في كأس العالم بسبب المخدِّرات، مشيتُ في الشوارع، وأقسم لك بحياة أبنائي الثلاثة، أنني لم أرَ يوماً العالم يبكي من حولي كما فعل في ذلك اليوم. لقد كان الناس يجرّون أقدامهم الثقيلة خلفهم في الشوارع والدموع تتساقط في صمت رهيب. بلادنا، التي نُحب، أُصيبت بالشلل. وقلت في نفسي: أيّ شعب نحن؟ ويومها، شعرت بالفخر لأنّ دماء كهذه تجري في عروقي أيضاً.

وتختم رسالتها: "يضع ابني الصغير، الذي لم يرَك ترفع الكأس، صورتَك في غرفته، ويتحدّث كما لو أنه شاهد كل مبارياتك. وحتى نانو، ابني الثاني، سامحك على كل ما فعلته مع الإيطاليين من أمور سيئة في ذلك الوقت. وحتى أكبرهم ناتشو، الذي يكره كرة القدم، يقول إنك أفضل من ذلك كثيراً، ويدافع عنك كثيراً. لقد منحتَ، في وجودك في الحياة، شعباً حزيناً بعضَ السعادة. فلماذا لا أبكي وأصلّي من أجلك؟".

هذه الكلمات تختصر كثيراً من الحديث عن ارتباط الحب والمشاعر بذكر اسم دييغو مارادونا، سواء في الأرجنتين، أو أيّ مكان. ولا توجد ذكرى أفضل من عيد ميلاده كي نتذكّره فيها.