مقابر السجناء المجهولة.. احتجاز الجثامين في السعودية يفاقم معاناة أُسرهم

السلطات السعودية تحتجز حتى اليوم 145 جثماناً، 133 منها تعود لشهداء قضوا في الفترة الممتدة من 2 كانون الثاني/يناير 2016 حتى 14 أيار/مايو.

  • من السجون نحو المقابر المجهولة.. احتجاز الجثامين في السعودية يفاقم معاناة العوائل
    من السجون نحو المقابر المجهولة.. احتجاز الجثامين في السعودية يفاقم معاناة العوائل

"على الرغم من تقديم العائلة نداءً يطالب بتسليم جثمان ابنها، إلا أنّ المسؤولين السعوديين رفضوا ذلك، وأبلغوها بأنه قد دفن في مقبرة مجهولة!". عبارة انطلق منها الناشط السياسي أمين النمر في تصريحه للميادين نت، أثناء حديثه عمّا تعرّضت له عائلة ابن عمّه المعارض الشيخ نمر باقر النمر، الذي أعدمته السلطات السعودية في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2016، بعد اعتقاله لأكثر من 3 سنوات، على خلفية احتجاجات المنطقة الشرقية عام 2012، وتبنّيه مطالب المواطنين هناك بمنحهم حقوقهم الكاملة، ورفع الظلم الواقع عليهم من قبل السلطات.

دفن الشيخ النمر تم من دون إذن وإشراف العائلة

يقول أمين إن العائلة تلقّت خبر تنفيذ الإعدام عن طريق التلفزيون الرسمي السعودي، وأن الدفن تم من دون إذنها وإشرافها، ومن دون أن يتسنّى لأحد معاينة الجثمان، ومع "غياب المعاينة، فإن وقت وتاريخ الإعدام الحقيقي وطريقته ومكانه غير معروف لذويه حتى الآن، ما يعدّ إهانة لكرامة الموتى". ومن هنا، يشير إلى أنه "لا يحق لأحد أن يصادر الجثامين، وأن ولي الدم هو المخول الوحيد بحق الدفن، وعليه فإن جميع الأسباب التي يقدمها النظام السعودي لتبرير احتجازه للجثامين هي مرفوضة مقدماً"، قائلاً إنه ومن خلال بحثه، "لم يجد أحداً يحتجز جثامين الموتى بل ويرفض تسليمها إلا الكيان الصهيوني والسعودية".

احتجاز جثامين عمّال أجانب

وفي السياق، تفيد مصادر مطّلعة للميادين نت أن ذوي "الشهداء المغيّبين" كما وصفوهم، طالبوا أكثر من مرة باستعادة جثامين أبنائهم غير أنهم واجهوا خطر الاعتقال، ما دفع بعضهم إلى الهرب خارج البلاد، بينما مُنِع آخرون من السفر، في وقت يتساءل هؤلاء عن طريقة تحصيل حقهم المشروع في استعادة الجثامين"، موضحة أن "هذه المطالبات مرفوضة من قبل النظام السعودي، ولا توجد أي عائلة استلمت جثمان ابنها أو ألقت عليه النظرة الأخيرة لكون النظام يفرض حاله الترهيب على المجتمع، علماً أن هذه العوائل لا تعرف مكان قبور أبنائها حتى، وأن المنظمات الدولية والإنسانية طالبت السعودية مرات عديدة بالجثامين المغيبة ولكن من دون جدوى".

كما توضح المصادر أن استراتيجية "مصادرة الجثامين التي تعتمدها السلطات السعودية شملت أيضاً عمالاً أجانب، وأنه في حالات عديدة، يتم رفض إصدار شهادات وفاة لهم، مما يعقد العديد من الإجراءات القانونية، فيما لا يتم إبلاغ عوائل من تم إعدامهم أو حكوماتهم بمكان الدفن".

145 جثماناً محتجزاً

بلغة الأرقام، يؤكد المعارض السعودي كميل محمد للميادين نت أن "السلطات السعودية تحتجز حتى اليوم 145 جثماناً، 133 منها تعود لشهداء قضوا في الفترة الممتدة من 2 كانون الثاني/يناير 2016 حتى 14 أيار/مايو 2022، من بينهم الشيخ نمر باقر النمر والشيخ محمد عبد الغني العطية الذي قضى نحبه في مجزرة 23 نيسان/أبريل 2019"، مشيراً إلى وجود 12 جثماناً محتجزاً منذ ما قبل حراك 2011.

من جهتها، توضح لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية للميادين نت أن من تحتجز السلطات السعودية جثامينهم، إما أنهم ضحايا لعمليات إعدام خارج نطاق القانون كالاغتيال والإعدام الميداني بذريعة محاربة الإرهاب، مثل الشاب جعفر المبيريك، والشاب صادق الدرويش، والشاب حسن العبد الله. أو ضحايا للإعدامات التي تتم بعد محاكمات لا تراعي المعايير القضائية والحقوقية، مثل الشيخ نمر باقر النمر الذي أُعدم انتقاماً لمواقفه الصريحة ومطالبه الحقوقية، والشيخ محمد العطية.

أيضاً من بين المحتجزة جثامينهم، معتقلون قضوا من جرّاء التعذيب المستمر أثناء التحقيق، مثل الشبّان محمد الصويمل ومكي العريض، ونزار المحسن، ومحمد رضا الحساوي، أو بسبب الإهمال الطبي المتعمد، كالناشط الحقوقي عبد الله الحامد، الأستاذ زهير علي شريدة، الشاب حسن عبد الله العوجان، والشاب حبيب الشويخات.

عوائل ممنوعة من "مكالمة الوداع"

تتعمّد السلطات السعودية إخفاء أعداد معتقلي الرأي الذين يواجهون أحكام الإعدام، وتمنع عائلاتهم ومحاميهم من الوصول إلى المعلومات والتهم الموجهة إليهم، فيما تنعقد المحاكمات بشكل سري في انعدام تام للشفافية. محاكمات تليها عملية تنفيذ للأحكام بطريقة سرّيّة، بلا أي إيضاحات عن أماكن الدفن، أو سماح للعوائل باللقاء الأخير مع أبنائهم قبل تنفيذ الحكم، ما يجعلهم يترقّبون المستجدات عبر وسائل الإعلام، كأي مواطن آخر، وكأنهم لا تربطهم أي صلة بهم.

وفي هذا السياق، تفنّد لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية في تصريحها للميادين نت الإجراءات التي تتّبعها السلطات السعودية فيما يتعلّق بالإعدامات، إذ يتم حرمان العوائل من وداع المحكوم عليهم حتى عبر الهاتف، ولا يتم إعلامهم بموعد تنفيذ الحكم أو طريقته، إضافة إلى احتجاز جثامين المعتقلين في انتهاك صارخ للقوانين، ودفنهم في أماكن سرية. كما يتم منع العوائل من إجراء مراسم العزاء وتهديدهم بالعقاب والاعتقال، وكذلك منعهم من استقبال المعزين والمواسين، ومن الإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام لكشف معاناة أبنائهم.

محاولة لإخفاء آثار التعذيب

أما عن الأسباب التي تدفع السلطات السعودية إلى احتجاز الجثامين، فتشير اللجنة إلى أنها ترمي إلى "إخفاء معالم وآثار التعذيب الجسدي الذي تعرض له المعتقلون أثناء التحقيق أو الاعتقال، ومعاقبة أهالي المتوفين وحرمانهم من توديع أحبائهم وإجراء المراسم الخاصة بهم، إضافة إلى منع ظهور أي تعاطف شعبي يكشف بطلان التهم والادعاءات التي تصوغها السلطات السعودية تحت عنوان الإرهاب، وصولاً إلى الحيلولة دون تحول مراسم التشييع والدفن إلى منصة لإعلان المواقف التي تطالب بالإصلاح والتغيير، ومن دون تحوّل هؤلاء إلى رموز للحرية.

وفيما تتجاهل السلطات السعودية النداءات الدولية التي أطلقتها المنظمات الحقوقية لإعادة الجثامين التي تحتجزها إلى العوائل، والسماح لهم بإعادة دفن أحبائهم، والحداد عليهم وفقاً لتقاليدهم ومعتقداتهم وممارساتهم الثقافية والدينية، تطالب لجنة الدفاع بضرورة إلزام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية السلطات السعودية بذلك، مؤكدة أن الاستمرار بالاحتجاز تصرف غير إنساني وغير حقوقي، وأن رفضها الكشف عن مصير الجثامين ممارسة تعسفية لم تقم بها إلا أشد الدول ممارسة للظلم والقمع، حيث تعتبر السعودية الدولة الوحيدة التي تمارس سياسة احتجاز الجثامين التعسفية في حالات السلم ضد مواطنيها والمقيمين على أراضيها.