ما هي قضايا وأولويات الناخب الأميركي لاختيار الرئيس المقبل؟

تتصدّر المسائل المتعلّقة بالاقتصاد وتكاليف المعيشة إضافة إلى الرعاية الصحية اهتمامات الناخبين الأميركيين، وأولوياتهم لاختيار رئيسهم المقبل في الانتخابات التي ستقام في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

  • ما هي قضايا وأولويات الناخب الأميركي لاختيار الرئيس المقبل؟
    ما هي قضايا وأولويات الناخب الأميركي لاختيار الرئيس المقبل؟

قضايا داخلية وخارجية تشغل الناخب الأميركي، وتُحدّد خياراته في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر. وتبدو القضايا الداخلية التي يعايشها المواطن الأميركي بشكل يومي أكثر إلحاحاً، ولها الأولوية إلى حدّ بعيد في  توجيهه عند الاقتراع.

وتتصدّر المسائل المتعلقة بالاقتصاد وتكاليف المعيشة إضافة إلى الرعاية الصحية اهتمامات الناخبين. وقد كشف تقرير صادر عن مؤسسة "مورنينغ كونسلت" الأميركية، أُجري في الولايات المتأرجحة نهاية العام الماضي، أن 60% من الناخبين ذكروا الاقتصاد والرعاية الصحية باعتبارهما "مهمّين للغاية" في تحديد من سيصوّتون له في الانتخابات العامة. 

ويفضّل الناخبون في الولايات المتأرجحة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشكل حاسم فيما يتعلّق بالاقتصاد، بينما يقدّمون الرئيس الحالي جو بايدن عليه في خمس من الولايات السبع الرئيسية في مجال الرعاية الصحية.

وإلى جانب الاقتصاد والرعاية الصحية، تبرز العديد من القضايا الداخلية التي يوليها الأميركيون اهتمامهم، وتمثّل أولوية بالنسبة للناخبين، وتوجّه خياراتهم الانتخابية. وفيما يلي إضاءة على أبرز هذه القضايا.

الاقتصاد وتكاليف المعيشة 

لا ينظر كثير من الناخبين الأميركيين بإيجابية نحو المستوى العام للاقتصاد الحالي، الذي لا يوفّر الرفاهية التي اعتادها المواطن الأميركي فيما سبق، ويشكّل التضخّم وارتفاع تكاليف المعيشة الشاغل الرئيسي للناخبين، ويسيطر هذان الجانبان على تقييم الأميركيين للاقتصاد وحكمهم على مدى فعّالية البرامج الاقتصادية الحكومية المتّبعة.

ويعدّ الغذاء والإسكان والبنزين والطاقة على رأس المتطلّبات التي يشعر الأميركيون بالقلق إزاء الارتفاع في أسعارها، كما يعبّر بعضهم عن عدم رضاه عن مقدار الأجور التي تُمنح للموظفين.

تقول ميلاني كابيلو، ممرضة، في تصريح لها للميادين نت: "الهمّ الرئيسي الذي يشغلنا هو الموازنة بين تكلفة المعيشة والأجور، إن المبلغ الذي يتعيّن على الأميركيين أن يعملوا لأجله، فقط لتحقيق التوازن هو أمر مثير للسخرية، خاصة إذا كان عليك أن تفكّر في رعاية الأطفال. يجب زيادة الحد الأدنى للأجور، أجور جميع الطبقة العاملة".

وقد أدّى التضخّم الحاد في السنوات الأخيرة إلى تأثير سلبي على الأسر العاملة، وبالرغم من الانخفاض البسيط في مستوى التضخّم خلال الآونة الأخيرة، فإن الناخبين يرون أن التعافي غير متكافئ للجميع، فهو مفيد للذين لديهم مدخرات وممتلكات، وليس للذين يعتمدون في حياتهم على راتب شهري.

والواقع أن نحو نصف الأسر الأميركية لا تملك مدخرات، وهو الأمر الذي تنجم عنه ضائقة شديدة في حالات الطوارئ، وبحسب مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، فإن الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة، وأصحاب التعليم الأقل، والدخل المنخفض، وذوي الإعاقة، والأسر التي تتكوّن من أمهات عازبات، أقل قدرة على تأمين ودائع، لأنهم في حقيقة الأمر لا يملكون ما يكفي من المال لتلبية متطلّبات الحد الأدنى، فضلاً عن الادخار.

مستوى الرعاية الصحية

تمثّل الرعاية الصحية إحدى أهم القضايا التي تعني الناخب الأميركي بشكل أساسي، وتعدّ معياراً مهماً بالنسبة له عند الاقتراع. والغالبية العظمى من الأميركيين يعتقدون أنّ مستوى الرعاية الصحية متدنٍ في البلاد، ويرى أكثر من 70% من البالغين في الولايات المتحدة أن نظام الرعاية الصحية لا يلبّي احتياجاتهم، وذلك بحسب بيانات استطلاع هاريس، الذي أُجري ربيع العام المنصرم.

وتتركّز شكوى الأميركيين بالدرجة الأولى حول التكاليف المرهقة للعلاج، فنحو ثلاثة أرباع المواطنين يشعرون بالقلق إزاء تكلفة الرعاية الصحية ومدى توفّرها، أو من عدم  قدرتهم على تحمّل فاتورة طبية غير متوقّعة، ويرى كثيرون منهم أن فواتير العلاج من الأسباب الرئيسية للديون.

وأعربت مايكا تيسينير، وسيط تجاري، عن استيائها من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وقالت في حديث للميادين نت: "تستمر تكاليف الرعاية الصحية بالارتفاع، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على المواطن الأميركي العادي. لا بدّ من خفض التضخّم من أجل خفض أسعار الفائدة، وتكاليف المعيشة".

وهو الأمر الذي أكدته كاثي غريفين، حيث أشارت إلى مخاوفها من تصاعد نفقات الرعاية الصحية، الذي يمنع من تحقيق استقرار مالي. 

ولا يلقى نظام التأمينات الصحية رضى من قبل الناخب الأميركي، إذ لا يغطّي الحصة المرجوّة، فعلى سبيل المثال، لا يغطي التأمين كامل رسوم بعض الإجراءات الطبية، مثل فحوصات الموجات فوق الصوتية، وهو ما يتعيّن على المريض تأجيله أحياناً لعدم قدرته على تحمّل التكاليف، وبالتالي قد يؤدي تأخّر التشخيص إلى تفاقم الحالة، وعدم القدرة على تداركها، كما في بعض الأمراض الخبيثة مثل السرطان.

وفي مجال الرعاية الصحية يعدّ الرئيس بايدن الأوفر حظاً، فهو يدعم بشدة مشروع خفض تكلفة بعض الأدوية، ورفع مقدار الإنفاق على الرعاية الصحية في الميزانية، ويقوم بمهاجمة دونالد ترامب والجمهوريين دوماً بسبب خطتهم لخفض الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية.

الإجهاض

يعدّ الإجهاض من القضايا الجدلية الشائكة في المجتمع الأميركي، والخلاف فيه دائر بين مدى ما يجب أن يكون مسموحاً باعتباره حرية شخصية، ومدى تعارض هذه الحرية مع التعاليم الدينية والمبادئ الأخلاقية، التي تقرّر مبدأ الحماية للحياة البشرية بكلّ أشكالها، ويقول العديد من معارضي الإجهاض إن الحياة تبدأ عند الحمل، وحتى حفنة من الخلايا تستحق الحماية القانونية نفسها التي يتمتع بها الإنسان. 

ولطالما أصبحت هذه القضية مثاراً للنقاش، وإحدى المعايير التي يُقيَّم المرشّح وفقاً لها، ويرى أغلب الأميركيين أن الإجهاض ينبغي أن يكون مشروعاً في القانون في بعض الحالات على الأقل، وفي الوقت نفسه، تعتقد الغالبية العظمى أن عمليات الإجهاض في الثلث الثاني والثالث من الحمل يجب أن لا يقرّها القانون بشكل مطلق.

وكشف استطلاع قامت به مؤسسة جالوب الأميركية للتحليلات في شهر أيار/مايو الماضي، أن 35% من الأميركيين يقولون إن الإجهاض يجب أن يكون قانونياً "تحت أي ظرف من الظروف"، ويقول 50% إنه يجب أن يكون قانونياً "فقط في ظل ظروف معيّنة"، ويقول 12% إنه يجب أن يكون "غير قانوني في جميع الظروف".

ومن جانب آخر، تثير مسألة التلقيح الصناعي عاصفة أكبر من الجدل الذي يثيره الإجهاض، للاعتبارات الدينية والخلقية، ويعارض المتدينون والمحافظون الأميركيون معظم أشكال التلقيح الصناعي، ولا سيما الانتقائي منها، الذي يعتمد على زراعة أجنّة متعددة، واستبقاء ما ينمو بشكل أفضل، وإزالة الأجنّة الأخرى، إضافة إلى ذلك، يرى كثيرون أن التلقيح الصناعي ينتهك عهد الزواج، عند استخدام بويضات أو حيوانات منوية من متبرّعين.

والانجاب بطريق التلقيح الصناعي أصبح رائجاً في الولايات المتحدة، حيث أن نحو 2% من العدد الكلي للمواليد سنوياً يأتون عبر التلقيح الاصطناعي، ومن هنا يسود شعور بالقلق من التصويت لصالح سياسي قد يسن قوانين من شأنها أن تجعل التلقيح الصناعي أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين يحاولون الإنجاب.

الهجرة

يشكّل التدفّق الكبير للمهاجرين غير النظاميين أزمة للولايات المتحدة، ويبقى الخيار الصعب بين حقّ الدولة في حدود آمنة ومنظّمة، والواجب الأخلاقي والديني في رعاية الناس الأكثر فقراً وضعفاً. ويضاف إلى ذلك، القلق من الفوضى الأمنية التي قد تتسبّب عن الهجرة غير النظامية، وهنالك تخوّف متزايد من أن الهجرة  قد تشكّل عبئاً اقتصادياً على الولايات المتحدة، التي لا تبدو في هذا الجانب في أحسن أحوالها. 

ويؤيد أكثر من نصف الأميركيين فكرة إرسال قوات إلى الحدود الجنوبية وإصدار أوامر بالترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين. ويركّز الجمهوريون، بما في ذلك الرئيس السابق دونالد ترامب، في خطاباتهم الانتخابية ومؤتمراتهم الصحافية، على تعزيز سياسة الحدود المنضبطة. 

وفي حديث للميادين نت تقول المحامية كاثي غريفين: "إن موضوع الهجرة غير النظامية أمر مقلق للغاية بالنسبة للمواطن الأميركي، يجب على الحكومة المقبلة وضع حدّ للهجرة غير النظامية، وتأمين الحدود".

نظام التعليم 

يرى الناخب الأميركي أن النظام التعليمي في البلاد يحتاج إلى خطة إصلاح شاملة، ويعتقد معظم الأميركيين أن التعليم في مجالات عديدة مثل التكنولوجيا والرياضيات والعلوم في جميع المراحل الإلزامية لا يرقى إلى مستوى أكثر من  متوسط، بل هو أدنى من ذلك في بعض المجالات ​​مقارنة بالدول الغنية الأخرى.

ويمثّل ارتفاع رسوم التعليم الجامعي مشكلة حقيقية، ويطالب الأميركيون الحكومة بممارسة ضغوط على الكليات لخفض تكاليف التعليم، التي ارتفعت بشكل مطرد في العقود القليلة الماضية، بحيث أصبحت القروض الجامعية عبئاً ثقيلاً، وغدا 60% من أصحاب القروض الطالبية الفيدرالية يتخلّفون عن سداد قروضهم لسبع سنوات على الأقل.

ويطالب الناخبون بتخفيف أعباء قروض الطلاب، وإيجاد حلّ يساعد الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التغلّب على الديون التي تحمّلوها لأجل التعليم الجامعي، ويدعو تحالف من 67 منظّمة تمثّل الطلاب إلى إقرار قوانين من شأنها التنازل عن ديون المقترضين الذين يعانون من صعوبات مالية.

ويعاني العديد من أصحاب القروض الجامعية من صعوبات اقتصادية، وتتفاقم هذه الصعوبات بسبب القروض، مما يقلّل من قدرة الواقعين تحت وطأة الديون على شراء المساكن والادخار للتقاعد والاستثمار في أسرهم.

ومع اقتراب موعد الاقتراع، وفي ظلّ مستقبل ضبابي لما ستسفر عنه الانتخابات، على خلفية اللغط الكبير الذي يحيط بمرشّحي الحزبين البارزين الديمقراطي والجمهوري، لا يشعر الأميركيون بكبير انفتاح تجاه الخيارات المطروحة أمامهم، وبالرغم من ذلك، لا يزال الأمل يحدوهم بأن يكون الرئيس المقبل قادراً على تحقيق مطالبهم.