فيديو | "المنقلة".. لعبة تراثية سورية أقوى من ظروف الحرب

المنقلة هي لعبة ثنائية يمارسها الرجال، وهي لعبة تراثية معروفة، ولها طقوس اجتماعية مرافقة، وكانت في السابق تجمع الرجال في السهرات في المنازل، ولها قواعد وضوابط وشروط في أصول اللعب وعدم المخالفة فيه.

0:00
  • "المنقلة".. لعبة تراثية سورية أقوى من ظروف الحرب

"المنقلة" لعبة تراثية، معروفة في ثقافات عدد من الشعوب، من بينها سوريا، التي قاومت فيها هذه اللعبة ظروف الحرب والحصار طيلة الـ14 عاماً الماضية، ولتحافظ على نفسها كواحدة من الألعاب التي لا تزال تجد من يمارسها، برغم الثورة الكبيرة في عالم التكنولوجيا وأجهزة الهاتف المحمول والألعاب أيضاً.

ولعلّ واحدة من أسباب عدم اندثارها حتى الآن، وجود جمعيات ثقافية تعنى بالتراث، كجمعية صفصاف الخابور الثقافية في محافظة الحسكة، التي تنضم سنوياً بطولة للعبة المنقلة، بهدف تحقيق الاختلاط المطلوبة بين أجيال مختلفة من اللاعبين، مع الحرص على مشاركة فئة الشبان واليافعين، لتعلمها والحفاظ على استمرارية اللعبة.

يجلس يوسف (38 عاماً) أمام محمود (72 عاماً)، وتتوسطهم عشرات الحصيات الموضوعة ضمن لوحين من الخشب مقسم على 7 حفر في كل لوح، وهي عبارة عن لعبة تراثية اسمها "المنقلة"، والتي أقامت لها جمعية صفصاف الخابور الثقافية في الحسكة، بطولة جديدة في دورتها الخامسة على التوالي، بهدف تشجيع الشباب واليافعين على لعبها، وتوارثها من الرجال المتقدمين في السن، وسط أجواء منافسة حماسية.  

وأطلقت الجمعية على هذه الفعالية اسم "بطولة لعبة المنقلة السنوية"، لتنظم الدورة الخامسة منها هذا العام، والتي أقيمت بمشاركة عدد من الأشخاص من أعمار مختلفة، لتأكيد ضرورة الحفاظ على الألعاب التراثية، كجزء مهم من الموروث الشعبي والثقافي لسورية بمختلف بيئاتها الاجتماعية.

ويتحدث أحد المشاركين في البطولة، العم أحمد الحمود، للميادين نت، عن لعبة المنقلة، مؤكداً أنها "لعبة شعبية تراثية يمارسها في الغالب كبار السن في المدن والأرياف، بهدف التسلية، ويعود تاريخها إلى سنوات طويلة ماضية"، مشيراً إلى أن "اسمها لم يتغير فهي تعرف باسم المنقلة، لأن من يلعب بها ينقل الحجارة من مكان إلى آخر، وتسمى أيضاً البويتة لأنها تعتمد أيضاً على التبويت ووضع الحجارة في حفر وتبيتها".

ويرى أنها "لعبة ذات فائدة مهمة، فهي بالإضافة لكونها لعبة شعبية وتراثية، تحتاج إلى حسابات ذهنية دقيقة وذاكرة نشيطة، مع الحاجة فيها إلى الصبر والحدس"، مؤكداً "أهمية تعليمها للأجبال المقبلة لحمايتها من الاندثار، لما لها أبعاد اجتماعية، لكونها تشجع على الحياة الاجتماعية بين الأقارب والجيران وأبناء الحي أو القرية أو المدينة الواحدة".

أما يوسف، وهو أحد الشبان المشاركين في البطولة أيضاً، يقول إنه تعلم هذه اللعبة منذ سن العشر سنوات، وبات يحترف اللعب فيها، لكونها من الألعاب المفيدة للعقل والذهن وتحتاج لقدرات عقلية خاصة لممارستها، لافتاً إلى أنه علّمها لأولاده بغاية الحفاظ عليها كلعبة تراثية مهمة، بعيداً عن التقدم الحاصل في التكنولوجيا. ويضيف: "أشارك في البطولة بانتظام منذ عدة سنوات، لأنني أجد فيها مساحة مهمة لتطوير قدراتي في هذه اللعبة"، معتبراً أن  وجود بطولة لمثل هكذا لعبة تراثية بهذه الظروف التي تعيشها البلاد، تعد لفتة مهمة من الجهات المنظمة لها".

من جهته، يشرح رئيس جمعية صفصاف الخابور الثقافية، الباحث أحمد الحسين، قائلاً إن الهدف من البطولة "إقامة جسر من التواصل بين الأجيال، من كبار السن والشبان واليافعين، بهدف الحفاظ على اللعبة وإحياء هذا الموروث وديمومته"، مؤكداً أنهم في الجمعية يحاولون "الحفاظ على موروثنا لأنه يمثل لنا الهوية ويضمن استمرارية القيم والتقاليد والأفكار التي شكلت ثقافة الجيل السابق، ونحافظ عليها أمام موجة العولمة والافتراض والألعاب الالكترونية، لأن في ذلك هوية المجتمع".

ويلفت إلى أن "المنقلة هي لعبة ثنائية يمارسها الرجال، وهي لعبة تراثية معروفة، ولها طقوس اجتماعية مرافقة، وكانت في السابق تجمع الرجال في السهرات في المنازل، ولها قواعد وضوابط وشروط في أصول اللعب وعدم المخالفة فيه"، ويرى أنها "لعبة يمكن أن تُلعب في كل وقت ومع كل جيل، لذلك نعمل على الحفاظ عليها وتعليمها للأجيال وهي والألعاب التراثية الأخرى".

وتتكون لعبة المنقلة من 49 حصاة لكل لاعب مقسمة على 7 حفر أو تجويفات متتالية إحداها تعد بمثابة خزنة منفصلة لكل لاعب، ويسعى كل طرف من اللاعبين ملء الحفر بالحصوات، ومن يملأ حصوات أكثر في الحفر الخاصة به يفوز. وأدرجت لعبة المنقلة على قائمة التراث الثقافي اللا مادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثفاقة "يونيسكو"، كواحدة من الألعاب التراثية الموثقة في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في البلدان العربية وتركيا.