برغم الحرب.. شاطئ صور لا يزال الوجهة الأبرز للصامدين والسيّاح أيضاً!

لم يتقاعس عمّال البلدية في مدينة صور عن أداء دورهم المعهود في الموسم السياحي البحري، فقد استنفر فريق العمل طاقاته لاستقبال الوافدين إلى بحر المدينة، مُتحدّين ظروف الحرب من أجل القيام بعملهم.

0:00
  • برغم الحرب.. شاطئ صور لا يزال الوجهة الأبرز للصامدين والسيّاح أيضاً!
    برغم الحرب.. شاطئ صور لا يزال الوجهة الأبرز للصامدين والسيّاح أيضاً!

لم تستطع الحرب الراهنة على جنوبي لبنان بكل مآسيها أن تسلب الفرح من أرواح النازحين والصامدين، فهؤلاء أوجدوا لأنفسهم سبلاً لاستغلال فرص الترفيه المتاحة أمامهم، والخروج من دائرة القلق والخوف والترقب المرهق لانتهاء الحرب. 

بحر مدينة صور وشاطئها كان محط إقبال الكثير من أبناء القرى النازحين، وكذلك الصامدين في البلدات الأمامية والخلفية، الذين وجدوا في هذه المساحة الجغرافية متنفساً لهم، بعدما تابع عدد من أصحاب المبادرات الفردية والمؤسسات الرسمية المعنيّة والجمعيات البيئية، نشاطاتهم ومبادراتهم للمحافظة على هذا المتنفس والمعلم البيئي برغم المخاطر والتحديات الموجودة.

مبادرات فرديّة لحماية الشاطئ

لم تسمح فاديا جمعة، الناشطة في المجال البيئي منذ ما يقارب العشر سنوات، بأن تحدّ صعوبات الحرب من نشاطها وعملها على شاطئ بلدة المنصوري الجنوبية، فالشاطئ الذي يعدّ الأنظف على الإطلاق في البلاد، أبت أن تتركه تحت أي ظرف.

تشرح جمعة للميادين نت عن هدفها في هذا السياق قائلة: "الشاطئ بحاجة دائمة إلى الحماية والاهتمام، شعرت أنه بمقدوري أن أقدم أي شيء في هذا المجال مستفيدةً من خبراتي المكتسبة، لا سيما في الوقت الراهن". وبناءً على ذلك، أقدمت بالفعل على تأسيس فريق عمل متكامل، بالتعاون والتنسيق مع كشافة الرسالة الإسلامية وعددٍ من المتطوعين من أبناء بلدة المنصوري.

شملت مبادرات الناشطة البيئية مهمات عديدة، كان أبرزها المساعدة في التخلص من التلوث النفطي في البحر، والقيام بحملات توعية وتثقيف للطلاب والأهالي عن أهمية الشواطئ، وتنظيم فعاليات لإطلاق السلاحف البحرية النادرة الموجودة، وقد تركز العمل خلال هذا العام بشكل أساسي على الاهتمام بموضوع السلاحف وحمايتها والمساعدة على تكاثرها، فضلاً عن التنظيف شبه اليومي للشاطئ من قبل العديد من المتطوعين.

جمعة أشادت باهتمام الناس ورغبتهم في المشاركة والتعرف أكثر على ثروات هذا الشاطئ وحمايتها، وقد كان هذا الأمر هو أهم ما تم لحظه هذا العام في سياق المبادرات المبذولة، مع العلم أن في السنوات السابقة، لم يكن الناس على هذا المستوى من الاندفاع للمشاركة والتعاون.

وبشأن الخطط البيئية لما بعد الحرب، أكدت جمعة استمرار الزخم بشكل أقوى، والعمل أكثر على تعزيز مشاركة الناس حتى من خارج القرى المحيطة للاستفادة المشتركة من الخبرات في المجال البيئي، وختمت بالقول: "حتى لو لم تنته الحرب، فنحن سنكمل عملنا لأننا ننتمي إلى هذه الأرض والطبيعة والبلد".

النشاط البلدي: حضورٌ وتعاون

لم يتقاعس عمّال البلدية في مدينة صور عن أداء دورهم المعهود في الموسم السياحي البحري، فقد استنفر فريق العمل طاقاته لاستقبال الوافدين إلى بحر المدينة، مُتحدّين ظروف الحرب من أجل القيام بعملهم ونشاطاتهم المعروفة في كل موسم سياحي.

"البلدية حاضرة على الأرض كما كل عام"، يؤكد صلاح صبراوي، نائب رئيس بلدية صور للميادين نت، مضيفاً أن البلدية أخذت على عاتقها مهمة تنظيم حركة الرواد والعاملين على الشاطئ، والقيام بحملات لتنظيفه بشكل دوري، فضلاً عن دورها التنسيقي مع محمية شاطئ صور الطبيعية. ويشير أيضاً إلى أن الإقبال هذا العام كان في معظمه من النازحين إلى المدينة وضواحيها، وبرغم امتناع العديد من الرواد من خارج منطقة صور عن الحضور إلى بحرها، فإن حضور النازحين عوّض إلى حد كبير غيابهم.

وأشاد صبراوي بالدور الكبير الذي تلعبه حركة السياحة البحرية على مستوى المدينة ككل من حيث الدورة الاقتصادية، إذ يتم توظيف ما يقارب 75 شاباً في فرق الإنقاذ البحري والحراسة والجباية وشؤون التنظيف العام للشاطئ وغيرها، مفيداً بأنّ الخيم البحرية المنتشرة على شاطئ صور، والبالغ عددها 49 خيمة، تستقبل في عطلة نهاية الأسبوع ما يقارب 1500 سيارة.

وأكد نائب رئيس بلدية صور أن البلدية قامت بخطوات تشجيعية وإسنادية لأصحاب هذه الخيم، أهمها منحهم حسماً بنسبة 50% على الرسوم المالية الشهرية المستحقة لصالح البلدية خلال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، ويستمرّ عمل هذه الخيم لغاية منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر كحدّ أقصى.

استثمار وفق الشروط البيئية 

"الشاطئ الممتد من صور إلى الناقورة هو أجمل وآخر شاطئ رملي في لبنان"، يؤكد مدير محمية شاطئ صور، حسن حمزة للميادين نت، وذلك بناءً على دراسة سنوية يقوم بها مركز العلوم والبحار في لبنان، ويمتد هذا الشاطئ على مساحة طولها 20 كلم2 ، وهو يعدّ منطقة مفتوحة لجميع الناس.

وعن كيفية استثمار الشاطئ، يشير حمزة إلى أنّ الأمر يتم وفق إجراءات بيئية سليمة بموافقة وزارة البيئة، وذلك عبر كتاب ترفعه بلدية صور إلى المحميّة بشكل سنوي، لتقوم الأخيرة بتحويل الكتاب إلى وزارة البيئة لأخذ الموافقة ضمن لائحة مواصفات معينة تنطبق على مجموعة شروط بيئية محددة.

ووفقاً لمدير المحميّة، تتضمن الشروط البيئية، على سبيل المثال، أن تكون الخيم المشيّدة على الشاطئ مصنوعة من الخشب، والتقيّد بالمسافة الفاصلة عن بداية الحد المائي (100 متر)، وحصر الخيم بعدد معين يتم الترخيص لها بشكل سنوي. ونوّه إلى أن هذه الخيم تؤمن مدخول ما يقارب 350 عائلة جنوبية، وتقدّم خدمات مختلفة من المأكولات والمشروبات وغيرها.

الجمعيات البيئية تواصل نشاطاتها

لم تقتصر المبادرات المرتبطة بحماية ثروات شاطئ صور وتنميتها على النشاط الفردي والبلدي فحسب، بل كان للجمعيات المحلية والدولية المهتمة بالشأن البيئي دور بارز في هذا السياق.

محمد هاشم، المساعد الإداري في جمعية "CTM ONLUS"، المسؤولة عن تنفيذ مشروع  "Blue TYRE"، يشرح للميادين نت عن طبيعة هذا المشروع المموّل من الوكالة الإيطالية للتنمية والتعاون، والذي يأتي بالشراكة مع بلدية صور ويغطي ثلاثة محاور أساسية، وهي حماية موائل السلاحف البحرية ونشاط التكاثر عندها، دراسة الأسماك والكائنات البحرية الآتية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وتأثيرها في التنوع البيولوجي فيه، أما المحور الثالث فهو مكافحة النفايات الشاطئية والبحرية.

وفقاً لهاشم، فإن العمل على هذه المحاور استلزم القيام بعدة أنشطة، أبرزها زيادة الوعي البيئي في المنطقة، وإشراك المجتمع المحلي بهذه العملية. انطلاقاً من ذلك، تم إعداد فرق عمل من أبناء المنطقة، وتحديداً من هم بحاجة إلى فرصة عمل مُلحّة، وتوزعت مهمات هذه الفرق بين مكافحة الكائنات البحرية الغازية، وفرز النفايات البحرية بالتعاون مع أصحاب الخيم المشيّدة والتنسيق مع مراكز إعادة التدوير، وحماية نشاط تعشيش السلاحف البحرية، وبشكل خاص على شاطئي العباسية وحمى المنصوري، وقد وصل عدد الأعشاش لهذا العام إلى ما يقارب 65. 

نشاطات الجمعية شملت أيضاً محمية شاطئ صور، عبر تقديم تجهيزات لوجستية مختلفة لها وإعادة تأهيل مبناها، بالإضافة إلى إقامة دورات توعية لطلاب المدارس والمعلمين على مستوى لبنان بالتنسيق مع وزارة التربية، كتقديم تدريب على مادة نظرية تتمحور حول موضوع السلاحف البحرية والأسماك الغازّة. وفي سياق متصل، تتعاون الجمعية كذلك مع المركز اللبناني للغوص في مشروع عمل لجمع النفايات العالقة في قاع البحر، والتي تسبّب الكثير من الأذى للكائنات البحرية، وقد تم انتشال ما يقارب 2 طن من النفايات لغاية الآن.

هاشم أشاد بالدور الكبير والشجاع للعاملين في هذا المجال، الذين لم يتخلوا عن أداء مهماتهم برغم القصف والمخاطر لا سيما في المناطق القريبة جداً منها، لافتاً إلى أنّ مهمة المشروع ستستمر وتتوسّع بعد الحرب القائمة، وستشمل الساحل اللبناني بأكمله وليس فقط الشاطئ الجنوبي.