العشائر السورية تصل إلى حقول النفط وتحصد تأييد السوريين لانتفاضتها ضد "قسد"

هل حان الوقت للحراك الشعبي المنظّم والمدعوم حكومياً أمام أي جهات محتلة أو إرهابية داعمة للاحتلال في سوريا لأن يقول كلمته ويفرض معادلاته ويحقق انتصاراته؟  

0:00
  • العشائر السورية والانتفاضة ضد
    العشائر السورية والانتفاضة ضد "قسد".

قد بات حلماً معقداً أن يرفرف العلم السوري فوق حقول النفط والغاز في دير الزور منذ سيطرة قوات "قسد" والاحتلال الأميركي على المدينة في العام 2014م.

تلك المنطقة الاستراتيجية، شرقي سوريا، الغنية بما يقارب 95% من مقدرات الشعب السوري وثرواته النفطية، تسرق منها قوات الاحتلال الأميركي ما يصل إلى 66 ألف برميل نفط يومياً، بحسب ما أعلنت عنه وزارة النفط السورية في بيان لها عام 2022م.

الانتفاضة العشائرية أمل السوريين في خلاصهم من عتمة المدن

منذ سيطرة القوات الانفصالية (قسد) والاحتلال الأميركي على أهم حقول النفط والغاز في سوريا كحقل العمر والتنك ورميلان والعزبة، وعيون السوريين غارقة في عتمة المدن، وقلوبهم المرتعشة من برد الشتاء، اللاهبة من حرّ الصيف، يشاهدون يومياً الحدود السورية- العراقية المكتظة بناقلات الكنز الأسود المنهوب بحراسة مشددة من القوات الأميركية والقسدية.

وقد كانت حقول نفط دير الزور قبل سيطرة الاحتلال الأميركي و"قسد"، المصدر الأكبر للثروة الباطنية في سوريا، وكانت ثلاث شركات وطنية تدير تلك الحقول، أكبرها شركة "الفرات" الحكومية التي كانت تستثمر كلاً من (حقل العمر- حقل التنك- حقل الورد- حقل التيم- حقل العزبة).

لكن، لم تكن منطقة شرق الفرات الغنية بالثروات لقمة سائغة سهلة الهضم لكل من القواعد الأميركية والمقار القسدية مع وجود العشائر العربية الرافضة لهذا التموضع الذي جرّ الويلات عليهم، وعلى  المواطنين السوريين الذين تعطلت مصالحهم من هذه التجزئة المفروضة على بلد الجسد الواحد.

وبعد أكثر من عام على تصاعد المقاومة الشعبية في وجه "قسد" وأرتال القوات الأميركية في المنطقة، أثبتت العشائر العربية في دير الزور خلال هذا الأسبوع تقدماً بارزاً فرضت من خلاله شكلاً غير مسبوق لانتفاضتهم الشعبية ضد ممارسات قوات "قسد" الانفصالية التي استباحت فيهم كل أشكال العنف والاضطهاد والإذلال والحصار تحت غطاء أميركي.

طوفان الغزيين يلهم السوريين في دير الزور جدوى المواجهة

بالنظر إلى الظروف الإقليمية المحيطة، يبدو أن العشائر العربية في دير الزور برزت إلى هذا النوع الجديد من المواجهة الشرسة مستلهمة من "طوفان الأقصى" سرديات مقارعة الظلم وفنون العين بالعين، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.

ذلك لأنه وبزمن قياسي سرعان ما أشعلت العشائر العربية هجوماً واسعاً ضد "قسد" طال مدن وبلدات أبو حمام وذيبان وغرانيج والطيانة والصبحة والحريجية والبصيرة والكشكية بريف دير الزور الشرقي، وتمكنوا خلال هذا الهجوم من احتجاز أسلحة وسيارات تابعة لـ"قسد"، وأسروا عدداً من المسلحين وأحرقوا مقارهم، موقعةً في صفوفهم 85 قتيلاً حتى اللحظة.

الانتفاضة العشائرية تحطم الخطوط الحمر لأول مرة

اللافت في هذه الانتفاضة العشائرية اليوم أنها، ولأول مرة، تقترب من قاعدة "القرية الخضراء " ذات الحساسية الخطيرة كونها تضم قوات أوروبية متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى قوات الاحتلال الأميركي القريبة من حقل العمر النفطي، وقد أكدت المصادر للميادين نت أن القوات الأميركية اكتفت بتسيير طائرات هيلكوبتر على طول نهر الفرات وفوق القرى التي تجري فيها المعارك ومناطيد لمراقبة الوضع من دون التورط في أي مواجهة مع العشائر لحماية "قسد" الأمر الذي قد يشي بانهيار قوات "قسد" الانفصالية أمام سطوة العشائر العربية ومقاومتها.

أرادت العشائر العربية من هذا الهجوم الكبير غير المسبوق استنزاف "قسد" التي أمعنت في ارتكاب المجازر بحق أهالي دير الزور وترويع الآمنين، سواء في مناطق سيطرتها أو في مناطق سيطرة الدولة السورية المحاذية لشرق الفرات، وكانت سبباً في تردي الوضع الاقتصادي للأهالي داخل مناطق سيطرتها، والسوريين كافة من خلال حرمانهم من نتاج 100 ألف برميل من النفط يومياً كان يغطي كل احتياجاتهم من المشتقات النفطية والكهرباء، ويحقق لهم الاكتفاء الذاتي والنهضة الصناعية قبل الحرب.

ومن خلال متابعة مجريات الأحداث وتجاوز العشائر السورية النقاط الحساسة، شكّل ذلك تهديداً للوجود الأميركي في المنطقة، إذ أوصل رسائله العسكرية والميدانية إلى القواعد الأميركية المحتلة، وخصوصاً بعد بث العشائر السورية مقاطع مصورة من حقول ومصافي النفط، والتي أصبحت حديثاً رائجاً للسوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.

التأييد الشعبي والحكومي لانتفاضة العشائر

هذه الخطوات الجريئة غير الاعتيادية للمقاومة العشائرية في دير الزور وإن بدت متأثرة ببطولات المقاومة في غزة، ومندفعة بردة الفعل على وحشية قوات "قسد" فإنها أيضاً تعززت بما تحظى به من مباركة وتهليل من أطياف الشعب السوري، وأيضاً الدولة السورية التي أكدت في أكثر من مناسبة ضرورة وجود مقاومة شعبية في مناطق سيطرة الاحتلال. 

فقد تحدث الرئيس بشار الأسد في إحدى مقابلاته حول هذه القضية الوطنية قائلاً: "موقفنا نحن كدولة منذ البداية يتمثل بدعم أي عمل مقاوم سواء ضد الإرهابيين أو ضد القوى المحتلة بغض النظر عن جنسيتها، سواء كانت أميركية أو فرنسية أو تركية أو إسرائيلية، نحن ندعم هذه القوى المقاومة انطلاقاً من دورنا الوطني كحكومة".

كذلك أشار الرئيس الأسد في مناسبة أخرى أثناء مقابلة له مع محطة "روسيا اليوم" أن الدولة السورية لا تستطيع أن تدخل في مواجهة عسكرية مع أميركا التي تحتل قواتها حقول النفط السورية، لكنه تابع قائلاً: "هذه المهمة ستوكل إلى قوات المقاومة الشعبية المكونة من القبائل العربية في المنطقة، وهذا حق مشروع ومكفول بالقانون الدولي"، وأضاف أيضاً: "لعلّ الضوء الأخضر قد صدر لهذه القبائل، سورية كانت أم عراقية لبدء هذه المقاومة وطرد قوات الاحتلال واستعادة السيادة على الآبار النفطية والغازية شرق الفرات". 

هذا الدعم الحكومي القديم المتجدد، والحثّ المستمر على انتفاضة العشائر رافقه تأييد شعبي كبير سواء بدأته العشائر قبل أكثر من عام، وزادت من وتيرة التصعيد هذا الأسبوع.

فقد نشر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة توثق وصول العشائر العربية إلى حقول النفط معلقين على هذا الحدث بالقول: "أبطال العشائر شرق سوريا فعلوها"، وعلّق آخرون أيضاً على الأحداث نفسها مهلّلين بقولهم: "مشاهد انتظرها السوريون منذ 14 عاماً. أسود العشائر العربية داخل مصفاة نفط حقل العمر بأطراف بلدة ذبيان"

ونشر عاصم أحمد من مدينة طرطوس خريطة توضح تقدم العشائر السورية في دير الزور في حسابه على "فيسبوك" وعلّق بقوله: "الأرض بتتكلم عربي. راجعة وحياة عينكم راجعة" 

هذا الالتفاف الشعبي والحكومي حول انتفاضة العشائر في شرق الفرات قد يتحوّل في قادم الأيام إلى دعم ميداني إذا ما تطلب الأمر حسب مجريات الأحداث والمفاجآت التي قد تحملها الأيام القادمة، فهل حان الوقت للحراك الشعبي المنظم والمدعوم حكومياً أمام أي جهات محتلة أو إرهابية داعمة للاحتلال في سوريا لأن يقول كلمته ويفرض معادلاته ويحقق انتصاراته؟