"شبابنا استشهدوا بهالأرض لنرجع عليها".. أهالي جنوب لبنان يُجددون الحياة في قراهم
في مشهد عودة الحياة إلى القرى الحدودية جنوبي لبنان تتشابه الصور والغايات: الأرض لأهلها والرزق لساقيه، وشهداؤنا أفضل السقّائين.
-
"شبابنا استشهدوا بهالأرض لنرجع عليها".. أهالي جنوب لبنان يُجددون الحياة في قراهم
في ما تبقى من منزلها المهدّم في بلدة البيّاضة الحدودية جنوبي لبنان، أعادت أم إبراهيم افتتاح فرن الحطب الوحيد في القرية التي انسحب الاحتلال منها مؤخراً. أبت ابنة البلدة الجنوبية أن تعيش يوماً إضافياً خارج منزلها، أزاحت الركام عن الجزء المتضرر من المنزل، رتّبت زاوية في داخله لإعداد الخبز، وأعلنت مجدداً عن عودتها إلى مهنتها في بيع خبز "المرقوق" الجنوبي.
لأن "بيتي المدمّر هو بالنسبة لي جنّة"، أصرت أم إبراهيم على إعادة الحياة الى منزلها وقريتها، مثلها كباقي الأهالي الذين بدأوا بالعودة تدريجياً إلى بيوتهم وحقولهم وبساتينهم التي لم تسلم هي أيضاً من قذائف الاحتلال وصواريخه، فيصنعون بذلك مشهد "العودة إلى الحياة" التي منحها الجنوبيون شكلًا ومعنىً مادياً وروحياً استثنائياً.
فور سماح الجيش اللبناني للأهالي بالدخول إلى الأحراج المجاورة للقرية عينها، ارتدى أبو علي "بدلة النحل" ومضى بين أشجار السنديان ليعاين مكان وجود قفران النحل التي تركها خلال الحرب. يشرح الرجل الخمسيني للميادين نت عن دهشته من وجود عدد من القفران التي لا زالت تضج بالحياة، علماً بأن المنطقة تعرضت للقصف العنيف. "وجدت خمسة عشر قفيراً، وعمّا قريب سأجعلها ثلاثين، بفضل المقاومة، نحن وأرزاقنا سنبقى بألف خير".
من البيّاضة إلى الخيام حيث مقبرة الأعداء، المدينة العصية على الانكسار والاستسلام، عاد أهلها إليها وأعادوا معهم مقومات الحياة. "هذه الأرض لنا، قدمنا لأجلها أغلى ما نملك، وبفضل دماء شهدائنا وجرحانا عدنا"، يشرح أبو حسين خريس صاحب قهوة في الخيام، للميادين نت، مشيراً إلى أن الثبات في الأرض وإعادة افتتاح المحال والمصالح، سيساهم حتماً في إعادة بناء المدينة لتصبح أفضل مما كانت.
يؤكد أبو حسين، وهو والد لشهيد ارتقى على طريق القدس، أن من عمّر البلاد عام 2000 و2006 سيعيد بناءها مجدداً، وأن "إيماننا بالله وبمقاومتنا كبير جداً"، مشدداً على أن الناس جاهزون لتحمل كل التحديات مقابل العودة، لافتاً إلى التعاون والتكاتف بين الأهالي الذين بادروا هم أيضاً إلى إعادة افتتاح مصالحهم.
علاء خريس، هو أيضاً صاحب صيدلية في مدينة الخيام، يعيد ترميم المكان لافتتاح صيدليته مجدداً، "لأنه لا يمكننا أن نترك أهل مدينتنا، وألا نكون سبّاقين إلى خدمتهم". الصيدلي الذي ثبّت مجدداً مبدأ التكافل بين الأهالي، رأى أن كل مقومات الحياة ستعود برغم كل التحديات الموجودة، إن كان على صعيد الكهرباء والمياه وغياب اليد العاملة وغيرها، وأن المسألة هي رهينة الوقت فقط، لا سيما في ظل هذا الاندفاع الكبير الموجود لدى الناس للعودة والبدء من جديد.
إلى عيترون، وبرغم الدمار الهائل الذي خلفه الاحتلال الاسرائيلي في البلدة، يصرّ علاء شور على إعادة افتتاح مطعمه فيها. ومع غياب الكهرباء ومحطات الإرسال وتدمير البنى التحتية، فإن عدداً من المصالح عادت إلى البلدة على الفور، من الفرن إلى السوبر ماركت والمطاعم وغيرها، وإصراره على العودة سببه قبل كل شيء أن "شبابنا استشهدوا بهالأرض لنرجع عليها"، إضافةً إلى رغبته في تلبية حاجات الأهالي الذين بدأوا بالعودة للمكوث في البلدة.
"مهما صعب العيش فيها، لن نعيش خارجها"، هي أيضاً أرض عيترون التي زرعها ابنها مفيد مراد بمختلف أنواع المزروعات سابقاً، كان آخر من تركها وأول من عاد إليها، ليعيد معه الحياة إلى تربتها وحقولها. وبرغم التحديات التي تكاد تكون متشابهة مع بقية بلدات الحافة الأمامية، فإن عيترون عادت تزدحم بأهلها، وبلديتها لم تتوان عن مساعدتهم وخدمتهم وسط سعي معظمهم للعودة السريعة وإصلاح بيوتهم ومصالحهم.
ولـ"أم العز" عيتا الشعب، موعد آخر مع حكايات مشهد العودة، كما حكايات مشهد النصر. البلدة الصامدة التي عاد أبناؤها إليها منذ الساعات الأولى لانقضاء موعد الهدنة، باشروا اليوم افتتاح مصالحهم التجارية لضخ سبل الحياة فيها. كان محمد نصّار من أوائل المبادرين في هذا السياق، لأنه آمن بأن "أهل العزم والإرادة يخلقون للحياة مقوماتها". يدير نصّار سوبر ماركت في البلدة، وقد بدأ بتأمين احتياجات الناس شيئاً فشيئاً، كحال بقية أصحاب المصالح الذين لم يستسلموا.
في مشهد عودة الحياة إلى القرى الحدودية جنوبي لبنان تتشابه الصور والغايات: الأرض لأهلها والرزق لساقيه، وشهداؤنا أفضل السقّائين.