"سنُجدد النصر حتماً".. أبناء التحرير المجيد في جنوب لبنان يستحضرون ذاكرة العبور تحت النار

لا يبخل الجنوبيون بأغلى الأثمان لحماية أرضهم، متمسكين بخيار المقاومة. وفي حين تصادف ذكرى عيد المقاومة والتحرير مع استمرار ملحمة طوفان الأقصى، لا بدّ من الحديث عن هذه السلسلة المستمرة والمتينة والمترابطة لأهالي هذه الأرض الصامدين والمقاومين.

  • "سنُجدد النصر حتماً".. أبناء التحرير المجيد جنوب لبنان يستحضرون تحت النار ذاكرة العبور

"نحن معوّدين عالنصر". لا تبارح هذه العبارة ألسنة أهالي البلدات الحدودية جنوب لبنان النازحين بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر واستهدافه المدنيين والبيوت والمراكز الصحية وغيرها. هكذا يستحضر الجنوبيون أدبيات تحرير عام 2000 وكل ما اختزنوه في رؤوسهم من مشاهد في هذا التاريخ المجيد.

منذ العام 1978 حتى العام 2000، عانى أهالي الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً سكان القرى الحدودية الذين لا يغيب ما حصل عن بالهم بسبب ما قاسوه حينها، حتى تحقيقهم النصر بالإرادة والعزيمة والصمود. 

تستذكر الحاجة هيام، من سكان بلدة العديسة الحدودية، والنازحة في بلدة كفر جوز قضاء النبطية، في حديثها إلى الميادين نت فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني، عندما كانوا مُجبرين على المرور عبر الحواجز الإسرائيلية والحصول على تصاريح للخروج من بلدتهم إلى بلدات أخرى والتقيد بالوقت المطلوب للتنقل بين القرى.

"لم يكن للخوف مكان في قلبي، حتى لو وقف أمامي أكبر ضابط إسرائيلي. من لديه رجال مثل هؤلاء يقاومون ويدافعون عن الأهل والأرض فلن يجزع أبداً". آمنت الحاجة هيام بالمقاومة، فلم تخرج من أرضها، وتشبثت فيها أكثر حتى يوم التحرير في 25 أيار/مايو 2000.

تصف المشهد حينها بأنه "انفجار للحرية دفعة واحدة". هرول الأهالي إلى بلداتهم المحررة ساعة إعلان النبأ، واقتلعوا الحواجز، واحتضنوا ذرات التراب في أراضيهم العزيزة التي ابتعدوا عنها قسراً لسنوات.

واليوم، يقع بيت الحاجة هيام في مقابل المستوطنات الإسرائيلية وموقعي "المطلة" و"مسكاف عام"، لكنها على الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية التي أجبرتها على النزوح، وبعد تفقدها بيتها في فترة الهدنة ورؤيته متضرراً، على يقين بالنصر وبما يصنعه المقاومون، آملةً بأن تبقى كل تفاصيل ذكرياتها داخل المنزل، وأن لا تفقدها، "لأن كل شيء في هذه الأرض غالٍ ونحبه. هذه منازلنا وتاريخنا وأرضنا وأرض أجدادنا، ولن نتخلى عنها أبداً مهما حصل".

عدتُ لجني محاصيل أرضي واستصلاح بيتي

يصف الحاج أبو معين ابن بلدة الخيام الحدودية أيام التحرير بأيام العز والفخر، وخصوصاً أن بلدته شهدت تحرير الأسرى من معتقل الخيام بعد المعاناة والعذابات الطويلة على أيدي جنود الاحتلال.

لا يزال يرسخ في ذاكرة أبو معين مشهد العبور الرهيب إلى القرية، حين اقتلع الناس بوابة فاطمة (معبر حدودي سابق بين لبنان وفلسطين المحتلة)، وكيفية هروب العملاء مذلولين وتسليم البعض أنفسهم للدولة اللبنانية.

تشحذ هذه الذاكرة البصرية همّة الرجل الستيني، وتقوّي عزيمته على الصمود في ظل الحرب الحالية والاعتداءات على بلدته الخيام. وبالرغم من استهدافها بالغارات والقنابل الفسفورية، فلا يزال يتردد على البلدة بين حينٍ وآخر للاطمئنان إلى أراضيه الزراعية وحصادها، ليعود إلى المنطقة التي نزحَ إليها وبيع ما تمكّن من حصاده.

وأيضاً، لم يمهل الحاج أبو معين شوقه حتى بدأ باستصلاح بيته في بلدته الخيام بعد تعرضه لأضرار من جراء القصف، حاثّاً أبناءه المقيمين في الخارج على زيارة لبنان في الصيف والبدء بالتحضير لافتتاح "سوبر ماركت" في البلدة، لأن ما يملكه من يقين بصنع المقاومة، في رأيه، سيقود حتماً إلى النصر.

شهداء قربان التحرير

رواية أهالي الشهداء مختلفة. يختزنها الحزن والفرح معاً. تتحدث رجاء فضل الله، شقيقة الشهيد محمود إبراهيم فضل الله، الذي استشهد بغارة نفذتها مسيرة إسرائيلية في بلدة الشهابية في نيسان/أبريل الماضي، عن "حلاوة البذل فداء للأرض". هذه العائلة قدمت العديد من الشهداء قبل التحرير وفي حرب تموز/يوليو عام 2006 وطوفان الأقصى. 

ابنة بلدة عيناثا الحدودية تدرك جيداً عدوّها، وتعرف كيف يُصرف أذاه "بالدماء، وبالدماء وحدها". تستذكر رجاء حين اعتقلت والدتها وعُذّبت بعد استشهاد ولدها الشهيد أحمد إبراهيم فضل الله في عملية استشهادية في موقع حداثا عام 1999، "فالوالدة رحمها الله كانت تتعرض لمضايقات كثيرة، من بينها طلب العملاء منها تقديم معلومات عن المقاومين، لكنها كانت ترفض بشدة، إضافة إلى تفتيش المنزل بذريعة وجود السلاح، لكنها بقيت صامدة في منزلها مع أبي وأختي زهراء التي استشهدت في حرب تموز". 

لا يبخل الجنوبيون بأغلى الأثمان لحماية أرضهم، متمسكين بخيار المقاومة. وفي حين تصادف ذكرى عيد المقاومة والتحرير مع استمرار ملحمة طوفان الأقصى، لا بدّ من الحديث عن هذه السلسلة المستمرة والمتينة والمترابطة لأهالي هذه الأرض الصامدين والمقاومين والعاشقين للبلاد التي يسقونها من ماء أعينهم، مطمئنين لخاتمة المعركة، كما اختتموها قبل 24 عاماً بالنصر المؤزر.