الهوية الوطنية تتجدد.. هكذا قلب جيل "Z" في إيران موازين المعركة

بعدما اعتُبر جيل "Z" الإيراني جيلاً ضائعًا وضعيف الانتماء، فجّر العدوان الإسرائيلي مفاجأة مدوية؛ إذ خرج هذا الجيل من خلف الشاشات ليعلن انتماءه ورفضه للهجوم، عبر ساحات الواقع ومنصات العالم الرقمي، دافعًا عن الهوية والسيادة بلغة العصر.

0:00
  • الهوية الوطنية تتجدد.. هكذا قلب جيل
    الهوية الوطنية تتجدد.. هكذا قلب جيل "Z" في إيران موازين المعركة

في ظل التصوّرات السائدة بأن جيل "Z" في إيران يعاني من أزمة هوية وطنية وضعف في الانتماء، جاء تفاعل هذا الجيل مع العدوان الإسرائيلي على البلاد ليرسم ملامح مغايرة. جيل ولد في عصر الإنترنت، وتربى في بيئة رقمية، لم يشهد الثورة ولا الحرب، لكنه حين قرعت طبول الحرب على أرضه، خرج من خلف الشاشات ليرفع صوته في الساحات وعلى المنصات. لقد أظهر هذا الجيل وعياً سياسياً مفاجئاً، وارتباطاً عاطفياً قوياً بالقضايا الوطنية، من خلال حملات تفاعلية حاشدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بدا كأنه يردّ عملياً على محاولات الخارج لعزله عن مفاهيم الهوية والوطن والانتماء.

في احتجاجات 2022، وتحديداً بعد حادثة وفاة الشابة مهسا أميني، اشتعلت شرارة لدى هذا الجيل، واعتقد أعداء إيران أن تلك الاحتجاجات ستسقط النظام وتحقق حلماً استمر لأكثر من 45 عاماً. وقد راهن الخارج على "جيل الإنترنت" بوصفه ذراعاً طيّعة للتغيير، واعتبروا تمرده واحتجاجه مكسباً استراتيجياً.

في سبيل ذلك، رُوّج لفكرة ضرورة إسقاط مصطلح "إيران" من عبارة "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وإعادة تعريف الوطن لدى هذا الجيل. انتشرت مصطلحات مثل: "فريق كرة القدم للجمهورية الإسلامية" بدلًا من "المنتخب الوطني الإيراني"، و"علم الجمهورية الإسلامية" بدلًا من "علم إيران"، في محاولة لفصل الهوية القومية عن النظام السياسي.

في الحقيقة لم يشهد جيل "Z" في إيران كفاح ما قبل الثورة ومخاضات إسقاط الحكم الملكي، ولا يعرف حرب الثماني سنوات التي شنها نظام صدام حسين على إيران. كان في معظمه يحلم بالهجرة، ويشعر بالاغتراب عن الوطن. غير أن الصواريخ الإسرائيلية التي سقطت في قلب طهران، كانت كفيلة بإيقاظ هذا الجيل من حلمه. فجأة أصبح الموت حقيقياً، والعدو مرئياً، والهوية مسؤولية.

صدمة الصواريخ: لحظة الوعي الجماعي

تقول هانية عزيزي لـلميادين نت: "كنت أبحث عن الشهرة فقط، ذهبت إلى تشييع شهداء العدوان الإسرائيلي بهدف تصوير فيديو يزيد من متابعيني، لكن حين مرّت أمامي توابيت الأطفال، شعرت بأنني كنت نائمة واستيقظت. تلك اللحظة غيرت حياتي بشكل كامل".

في 12 حزيران/ يونيو 2025، حين دوّت انفجارات الصواريخ الإسرائيلية في مدن عدة، اهتز جيل "Z" على وقع صدمة حقيقية. القناع سقط عن أعداء إيران الذين حاولوا التودد لهذا الجيل في احتجاجات 2022. 

استشهاد قادة عسكريين، وعلماء نوويين، ومدنيين، بعضهم من أبناء جيل "Z" أنفسهم، شكّل صفعة قوية لهذا الجيل الذي ظن البعض أنه هش وساذج. لكن تلك الصفعة كانت كفيلة بإيقاظه من الغفلة، وتبددت على إثرها جهود الخارج التي استمرت لسنوات.

قال الناشط صابر مهدوي للميادين نت: "قوى الاستعمار لا تتحمل أن تكون إيران مستقلة، خصوصا في المجال العلمي. فالاستقلال العلمي أخطر عندهم من امتلاك قنبلة نووية" أما مريم آزاده، فقالت للميادين نت: "بعد طوفان الأقصى والعدوان على بلادي، قرأت كثيرا عن الاستعمار الغربي، وأدركت أننا نحن الجيل الجديد قد نكون أداة له دون أن ندري. فلسطين ليست قضية إنسانية فقط، وعدوان إسرائيل علينا ليس بسبب النووي بل هو استهداف لهويتنا ووجودنا".

اعترافات وتحولات: قصص من جيل "Z"

وعلى عكس ما كان يتوقع، خرج جيل "Z" ليعبّر عن موقفه بوضوح. جيل تربى على الشاشات والمنصات، فتح قلبه علناً، وكتب كلمات ندم وتوبة، وأعلن براءته من قتلة أبناء وطنه والمعتدين على أرضه. كثير من المستخدمين عبّروا عن أسفهم لما بدر منهم في احتجاجات 2022، معتبرين أنها كانت مدفوعة بالسطحية والاندفاع، وأن الخارج استخدمهم بدون أن يشعروا.

تحول هذا الاعتراف إلى فعل. أطلق أبناء هذا الجيل حملة رقمية ضخمة دعماً للبلاد، عبروا فيها عن فخرهم بإيران، باللغتين الفارسية والإنجليزية. في أحد المقاطع، ظهرت فتاة مراهقة في ساحة الحرية بطهران، ترتدي الكوفية الفلسطينية وتهتف عبر مكبر الصوت: "قيل لنا أخلوا طهران، لكننا لن نرحل إلا جثثاً. الموت لإسرائيل".

وفي فيديو حقق أكثر من 5.6 مليون مشاهدة، ظهرت الشابة دنيا عبدي ساخرة من الإعلام الإسرائيلي، حيث قالت إن: "وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول إن حرارة طهران كانت مرتفعة، فقاموا بتفجير أنبوب للمياه" — في إشارة إلى القصف الصاروخي الذي استهدف ساحة تجريش وأسفر عن تفجير أنبوب مياه رئيسي في المنطقة. وأضافت: "وبما أن الكهرباء في مدينتكم انقطعت بسبب الهجوم الإيراني على محطة كهرباء حيفا، فقد أضأنا هذه الليلة سماء مدينتكم بصواريخنا الفرط صوتية"، ثم ختمت قائلة: "لم نتلق الضربة منكم، بل من بعض باعة الوطن".

أما عسل قرائي، فظهرت في فيديو ساخر نال 1.5 مليون مشاهدة، حيث هاجمت دعاة عودة الملكية، قائلة: "خامنئي، لماذا لا تستسلم وتدع الأمير رضا بهلوي (ابن شاه إيران) يأتي ليبني إيران؟ لا تنظر إلى زوجته التي لا يستطيع أن يتحكم فيها وهي بين أحضان صديق إلى آخر، ولا إلى دعمه لإسرائيل في عدوانها على إيران، ولا حتى عدم معرفته بفتح قنينة ماء معدني! في النهاية، هو ابن الشاه، ويجب أن يُؤمّن له كل شيء. لكنك يا سيد خامنئي لست مثله. أنت أمضيت كل عمرك في المعاناة والتعب من أجل إيران، ووقفت إلى جانب شعبها. نحن نحبك كثيراً. نحن نُقدّرك. لن نتخلى عنك. وسنظل معك حتى النهاية".

في فيديو آخر حقق ثلاثة ملايين مشاهدة، ظهرت "إيرانكا"، وهي شابة تستخدم اسماً مستعاراً، قائلة بالإنجليزية (مع ترجمة عبرية): "أنا إيرانية وأقف اليوم في بلدي إيران أقوى من أي وقت مضى. سيد ترامب، تهديداتك ليست إلا كذبة كبيرة. انتبه لنفسك!".

مشروع "تفكيك إيران" يتراجع: إقرار خارجي بالفشل

رافقت هذه المقاطع حملات وعي جماعية عبر هاشتاغات مثل: #پای_ایرانم (من أجل إيران)، #جانم_فدای_ایران (روحي فداء لإيران)، #لبیک_یا_خامنه‌ای (لبيك يا خامنئي)، كما انضم عشرات الآلاف منهم إلى مسيرة "جمعة الغضب" لتشييع الشهداء دعماً لإيران وقيادتها.

لقد بدّد هذا الجيل، خلال أيام معدودة، استثمارات إعلامية وأمنية بمليارات الدولارات، كانت موجهة لتفكيكه. اعترف قادة الانقلابات الناعمة في الخارج بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران أعاد مشروعهم لإسقاط الجمهورية الإسلامية عشرين عامًا إلى الوراء.

جيل "Z" الإيراني لم يعد كما كان. ربما يكون هذا الجيل، الذي رُوج له كجيل ضائع، هو ذاته من سيعيد بناء معاني الوطن والكرامة والاستقلال ولكن بلغته الخاصة، وبوسائله الجديدة.

اخترنا لك