"الكليجة" تتصدر حلويات عيد الفطر في العراق
تتشابه طقوس الاحتفاء بعيد الفطر في مختلف المحافظات العراقية، وتبرز حلوى "الكليجة" في مقدمة الحلوى التي تحرص الأمهات وربات البيوت العراقيات عادةً على إعدادها بكميات كبيرة.
طقوس وتقاليد عيد الفطر تبقى راسخة لدى العائلة العراقية، رغم ما تعيشه البلاد من تضخم وغلاء، لكن العراقيون حريصون على الاحتفاء بالعيد والاستبشار به خيراً.
وتتشابه طقوس الاحتفاء بعيد الفطر في مختلف المحافظات العراقية، حيث يقوم الأقارب والجيران والأصدقاء بتبادل الزيارات والتهاني بالعيد وتوزيع عيديات على الأطفال، وكذلك يقومون مع ساعات يوم العيد الأولى بزيارة قبور ذويهم وأحبائهم، في عادة متأصلة يحرص العراقيون على الالتزام بها في كل عيد.
صلة الرحم حاضرة
عادةً، في العراق يجتمع أفراد العائلة في منزل الوالدين أو "بيت الكبير" كما يقال في أرض الرافدين، حيث تتناول أغلب العائلات العراقية الفطور الصباحي الذي يتكون من طبق "الكاهي بالقيمر"، ويُعتبر هذا الطبق إحدى الأكلات العراقية المشهورة التي اعتادتها الأسر العراقية كوجبة فطور رئيسية أيام الأعياد والعطل الرسمية.
والكاهي هو نوع من الفطائر الهشة، يشبه "الفطير المشلتت" في مصر، أما القيمر فهو القشطة العراقية الدسمة، ويعتبر حليب الجاموس الموجود في أهوار العراق والمدن الأخرى المطلة على النهر، هو الحليب المفضل في صناعة القيمر.
ثم يتناولون وجبة الغداء أو ما تسمى بالإفطار الدسم، وتقدم وجبة الطعام الرئيسية في العيد صبيحة اليوم في معظم المناطق العراقية، والذي يتكون من أكلات شعبية تقليدية مكونة غالباً من الأرز ولحوم الغنم والدجاج، إضافةً إلى أكلة الدولمة (المحاشي).
والشاي العراقي أيضاً له حضور على مائدة العراقيين، إذ يتم إضافة الهيل إليه وإعداده بطريقة خاصة، إذ يتم "تخديره" على الفحم ويكون له مذاق خاص في صباح العيد، بعد غيابه تماماً في الصباح خلال شهر رمضان المبارك.
ويمثل العيد للأطفال في العراق فرحة مختلفة إذ ينتظرون أن يفرغ الأهل من زيارة الأقارب ليتوجهوا مباشرة إلى مدينة الألعاب لقضاء أوقات ممتعة.
"الكليجة" سيدة الحلويات
يحرص العراقيون على خلق أجواء مميزة للعيد في كل عام، من خلال الحفاظ على الطقوس المتوارثة الخاصة بهذه المناسبة، ومن بين صنع حلويات، وبرغم انحسار الكثير من عادات العيد وطقوسه الشعبية، بحكم تغير الحياة وتطورها، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بصورة عامة، لكن لا يحلو عيد العراقيين دون "الكليجة" سيدة الحلويات التي تشتهر بها العراق، وخاصةً في مثل هذه المناسبات العزيزة كعيد الفطر.
فخلال الزيارات، تبرز حلوى "الكليجة"، في مقدمة الحلوى العراقية الذي يرمز للعيد، والمكونة من أنواع عدة كالتمر والجوز، وتقدَّم مع الشاي أو القهوة للضيوف، وتُمنح للأطفال ساعة زيارة المقبرة في أول يوم من عيدي الفطر والأضحى.
وتحرص الأمهات وربات البيوت العراقيات عادةً على إعدادها بكميات كبيرة عشية يوم العيد، وتتبادل النساء في الإقدام على عجن الكليجة يدويّاً، ثم يُترك لقرابة ساعتين كاملتين. ويعتبر الاجتماع الكلي لأفراد العائلة حول المائدة أثناء التقطيع المتأنّي للعجينة على أشكال فنية صغيرة، من أهم طقوس تحضير الكليجة التي قد تطول لساعات كثيرة، وتمتد عادة حتى بزوغ فجر ليلة العيد.
ورغم أن إعداد حلوى "الكليجة" التقليدية ليس يسيراً ويتطلب جهداً وتعباً، لكن النساء العراقيات يُصِرُّنّ على صناعتها بأيديهن، ولا تكتمل فرحة العيد إلا عندما يوزعونها على الجيران وتقدمونها كضيافة عيد.
وتذهب الآراء إلى جعل "الكليجة" فارسية الأصل، وذلك اعتماداً على المعنى اللغوي لكلمة "كليجة" في اللغة الفارسية، فهي بحسب تلك المصادر تعني "القرص" أو "الكعك اللين"، وتعني الخبز الصغير المعجون بالزبد.
كما جاء ذكر "الكليجة" في رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، حيث كان ابن بطوطة في رحلة إلى بلاد خوارزم ونزل ضيفاً على مائدة أمير خوارزم قطلو دمور، فقام بوضع وصف للمائدة فقال فيها (الطعام من الدجاج المشوي والكراكي وأفراخ الحمام، وخبز معجون بالسمن يسمونه الكليجة، والكعك والحلوى).
وتحدث عنها العالم أبو عبد الله بن زكريا القزويني، حيث كان يكتب عن قرية نضيراباذ والتي كانت من قرى قزوين فقال (فلما كان وقت النيروز وعادتهم أن يحملوا الهدايا، بما فيها سلال فيها أقراص مدهونة وكليجات وجرادق ).
ويرى البعض أن سبب تسمية الكليجا بهذا الاسم، هو أن أصل كلمة "كليجا" هي تحريف عن كلمة "كليشة" وهي الأداة الخشبية التي تحوي النقوش المطبوعة علی قرص الكليجا. … ومع مرور الوقت اختصرت الكلام وأصبحت تقول "كلي جا كلي جا"، قبل أن يظهر اسم "كليجا".
ولا يوجد فرضية مؤكّدة تحدّد أصلاً واضحاً للكليجة، لكنّ المؤكّد هو أنّها اشتهرت بشكلٍ كبير في العراق والشرق السوري والسعودية ولا تزال حتى يومنا هذا ترمز لحلويات العيد.