لماذا خسر "الديموقراطيون" الناخب الأميركي في الانتخابات الأخيرة؟
لقد خسر "الديموقراطيون" المعركة الانتخابية لأنهم خسروا قطاعاً كبيراً من الشبان، في خضم معركة غزة في الجامعات الأميركية، أو في خضم أزمة التضخم التي أطاحت حظوظ الشبان في تأسيس حياتهم اقتصادياً أسوةً بأهلهم.
كان الجمهوريون، عند لحظة كتابة هذه السطور، يعززون تقدمهم على "الديموقراطيين" في مجلس النواب الأميركي، بـ 211 مقعداً في مقابل 199 للديموقراطيين، مع العلم بأن إحراز أغلبية تتطلب 218 مقعداً من أصل 435، وما برحت نتائج 25 مقعداً لم تُعلَن بعد. وكان الجمهوريون يسيطرون على مجلس النواب بـ 222 نائباً في الدورة الفائتة.
فإذا صح ترجيح وسائل الإعلام الأميركية حصول الجمهوريين على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب في هذه الدورة، الأمر الذي يتيح لهم اختيار رئيسه من بين صفوفهم مجدداً، فإن ذلك سيضاف إلى سيطرتهم على مجلس الشيوخ، بـ 53 مقعداً في مقابل 45 للديموقراطيين، من أصل 100، ومقعدين لم يُحسما بعد لن يغيرا حقيقة استعادة الجمهوريين السيطرة على مجلس الشيوخ بغضّ النظر عن هوية الحزب الذي يظفر بهما.
كذلك، حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم بين حكام الولايات، التي وُضِع 11 من مقاعد حكامها على مقصلة التصويت في هذه الدورة، بنسبة 27 حاكماً للجمهوريين في مقابل 23 للديموقراطيين.
لكنّ المفاجأة الكبرى طبعاً، وخصوصاً بالنسبة إلى النخب المعولمة على رأس المنظومة الأميركية، كانت اكتساح دونالد ترامب للمجمع الانتخابي بـ 295 مندوباً في مقابل 226 لكامالا هاريس، من أصل 535، أي أن 14 مندوباً لمّا تُعلنْ الهوية الحزبية لأيّ منهم بعدُ. لكنّ عتبة النجاح، وهي 270 مندوباً، تجاوزها ترامب بامتياز بغض النظر عن وجهة المندوبين المتبقين.
الأهم أن ترامب حصد 73.353 مليون صوت، بحسب الأصوات المفروزة حتى الآن، في حين نالت كامالا هاريس 69 مليون صوت ونيفاً، في انتخابات "كسر عظم" كانت أصوات في معسكر ترامب تهدد تكراراً بعصيان مدني، وأحياناً بعصيان مسلح، إذا جرى تزويرها لمصلحة "الديموقراطيين".
يُذكَر أن ترامب وأنصاره يُصرون على أن الانتخابات الرئاسية عام 2020 جرى تزويرها لمصلحة بايدن وهاريس، الأمر الذي تنكره المؤسسة الحاكمة بشدة، حتى إنها تدين وتعاقب أحياناً المسؤولين الحكوميين الذين يتبنون هذا الموقف المشكك في مشروعية النظام السياسي الأميركي فعلياً.
صحيحٌ، من وجهة نظرنا في الجنوب العالمي، أن المنظومة السياسية الأميركية برمتها هي منظومة معادية لشعوب الأرض، وللمهمشين الأميركيين أنفسهم، بغض النظر عن اللون والشكل للوجه الذي يتبوأ رأس هرمها، سوى أن صراع معسكر ترامب مع المؤسسة الحاكمة، أو الدولة العميقة، إذا صح التعبير، يعبّر عن انقسامٍ عمودي على خطوط ثقافية وهوياتية، على جانبي الموقف من العولمة، كما يعبر عن أزمة عميقة تُلِم بالمنظومة السياسية الأميركية وهي تدخل مدار أفولها عالمياً.
سيكون من الخطأ إذاً التعامل مع نتائج هذا الصراع بالذات عبر عدّها استمراراً للعبة تدوير المقاعد وتبديل الوجوه القديمة بين "الديموقراطيين" والجمهوريين في المنظومة السياسية الأميركية، أو حتى من زاوية أثرها المباشر فينا بالضرورة هنا والآن، بل يجدر تناولها من زاوية أثرها في تماسك تلك المنظومة سياسياً في المدى الطويل، أي من زاوية قدرة حكام تلك المنظومة على أن يستمروا في الحكم كما تعودوا محلياً، وبالتالي عالمياً، وهذا مهم لنا ولكل شعوب الأرض.
سبق الإيضاح، في أكثر من مادة، إحداها عن مشروع انفصال ولاية تكساس، وإحداها بعنوان "خطوط الصراع في الانتخابات النصفية الأميركية"، وإحداها بعنوان "الشأن الاقتصادي في ميزان الانتخابات الأميركية المقبلة"، وغيرها من المواد، أن ترامب يمثل الحرس القديم المتمسك بنموذج الدولة الإمبريالية ذات الهوية القومية الواضحة (ومن هنا شعار "أميركا أولاً").
عالم ترامب وتياره هو الكوكب الأميركي "الاستثنائي" البراق الذي يتجاهل العالم ويتفاخر في جهله به، والذي يدور حول محوره الخاص مدفوعاً بنزقه وانهماكه بذاته وهيامه النرجسي بها. إنه عالمٌ يحاكي، إلى حدّ ما، دونالد ترامب، كشخصية مباشرة، فجة، نزقة، نرجسية، سطحية، وغريبة الأطوار. وهي، فضلاً عن ذلك، شخصية آتية من خارج الصندوق سياسياً، وتتبادل السخط مع النخب والدولة العميقة. لذلك، جعلت شخصية ترامب منه المرشح النموذجي لتمثيل "الكوكب الأميركي" القديم كما يتخيله من يحنّون إليه.
وبغض النظر عن صحة التصور الساذج عن "استقلالية" الحالة الأميركية عن العالم في "عصرها الذهبي" الذي قام أصلاً على فرض دولارها، وعلى حروبها الخارجية، وحلف الناتو، وأساطيلها، وقنابلها النووية، وقواعدها العسكرية، وانقلابات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الخارج، وذلك بعد أن تأسست الولايات المتحدة الأميركية على سرقة الأرض من سكانها الأصليين وإبادتهم، ثم سرقة المزيد منها من المكسيك، واستعباد الأفارقة، وسخرة 20000 ألف عامل صيني مددوا السكك الحديدية عبرها، فإن المقصود طبعاً هو أن الولايات المتحدة كانت تؤثر في العالم أكثر كثيراً مما تتأثر به.
المهم، ازدهر ذلك الكوكب، بحسب تيار ترامب وأنصاره، قبل انسياح العولمة التي أحدثت تحولاتٍ بنيوية في الولايات المتحدة الأميركية، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، أدت بمجملها إلى تجريف ما هو قومي ووطني لمصلحة "القرية الكونية"، وكان المتضرر الأكبر هنا العامل والسلعة الأميركيين. وبالتالي، فإن المطلوب أصبح "جعل أميركا عظيمة مجدداً".
والحقيقة أن العولمة أنتجت، بمقدار ما انتشرت أميركياً وعالمياً، تذرراً هوياتياً ومناطقياً وطائفياً وعرقياً يظل في الصورة الكبيرة مرحلة فحسب نحو النموذج الليبرالي الأعلى الذي يمثل منتهى العولمة: الإنسان - الفرد القائم بذاته، الذي يفكر كرجل أو امرأة أعمال، والذي يرى "التاريخ" من خرم إبرة اللحظة الانتهازية الراهنة، ويتصرف كأنه "وطنٌ" قائمٌ بذاته، بعيداً عن "الرواسب" و"الحمولة" للأمة والطبقة والوطن والمجتمع والدين والعقائد.
نرى تكاثر تلك الكائنات بكثافة حيثما جلنا بنواظرنا، والجديد أنها أصبحت، بفضل العولمة، تتمتع بـ"المشروعية" وأصبحت تفرض نموذجها، وصولاً إلى تحقيق الانتصار النهائي للفرد وفرادته على السوسيولوجيا بصورها وأشكالها كافة.
ومن هنا مثلاً انتشار التكتلات الموقتة ذات القضية الواحدة، والتي تمثل تقاطع مصالح مجموعة من الأفراد، على حساب الأحزاب السياسية ذات البرامج الشاملة، والتيارات الفكرية، والعقائد.
لا يمكن فهم الصراع السياسي في المجتمع الأميركي خارج سياق التذرر الذي أحدثته العولمة وتأكُّل مفهوم الأمة والوطن والدولة الحاضنة، كما لا يمكن فهم التكتل السياسي الذي نشأ تحت جناح الحزب الجمهوري، لكنْ على حساب نخبه التقليدية، من أجل إيصال ترامب إلى الرئاسة، من دون الإدراك أنه تكتل موقت ذو قضية واحدة يضم الصوت الاحتجاجي على حكم "الديموقراطيين"، والخائفين على أولادهم من فرض المثلية والتحول الجنسي عبر النظام التعليمي، والعمال غير المهرة المرعوبين من تدفق المهاجرين بالملايين في ظل حكم بايدن، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة المهدَّدين بالسلع الصينية الرخيصة، والمتدينين الذين يرون في حكم "الديموقراطيين" تهديداً لهوية البلاد المسيحية، والمحافظين الذين يرونه تهديداً لتماسك العائلة... إلخ.
أضف إلى هؤلاء طبعاً أصحاب رؤوس الأموال والعقارات الكبيرة، والذين وعدهم ترامب بتخفيضات ضريبية كبيرة، وشركات الطاقة التي وعدها ترامب بتخفيف القيود البيئوية التي فرضها "الديموقراطيون" على نشاطاتها الاستخراجية والإنتاجية.
لكن الشركات متعدية الحدود ضد ترامب وتياره "على المسبحة". والرجاء الانتباه، على الرغم من احتفالات اليمين الصهيوني بانتصار ترامب، فإن 79% من اليهود الأميركيين صوتوا مع كامالا هاريس، في حين صوت 21% منهم فقط مع ترامب، بحسب "تايمز أوف إسرائيل" و"جيروزاليم بوست" في 6/11/2024، و75% مع هاريس، بحسب "هآرتز" في 7/11/2024. وهذا يعني أن هاريس هي خيار النخب المعولمة، لا ترامب.
العبرة أن تحول الناخب الأميركي على وجه الخصوص، والغربي على وجه العموم، إلى اليمين المتطرف واليمين الديني، هو نتاج عجز اليسار في الغرب عن التقاط اللحظة التاريخية التي اغترب فيها المواطن عن منظومته السياسية، فأصبح يسارياً ليبرالياً معولماً مشغولاً بالفرد والشجرة والمثلية والتحول الجنسي وإلى ما هنالك من ترهات، بدلاً من أن يدرك أن الدفاع عن العائلة والوطن والدين ليس سوى آليات دفاع اجتماعية التجأ إليها الناس الحقيقيون، لا "الفرد المجرد"، في وجه العولمة والليبرالية الجديدة، أي في وجه تسليع الإنسان والأوطان.
لم يضع اليسار الغربي مسألة الهوية القومية والحضارية في سياقها التاريخي، ولم يعطها حق قدرها، ولم يلتقط حقيقة كون الصهيونية هي وجه رأس المال المالي الدولي في مرحلة تحوله من الإنتاج إلى الربا والمضاربة على مستوى الكوكب. يُذكَر أن كارل ماركس، في كراسه "حول المسألة اليهودية"، قال إن الرأسمالية في مرحلة تحللها تتقمص شخصية اليهودي العملي (هكذا حرفياً).
لم يدرك اليسار الغربي أن الصهيونية أكبر كثيراً من احتلال فلسطين، وأنها ذات حضور عالمي، وأنها، بصفتها الكوسموبوليتية العابرة للأوطان والقوميات، مندمجة عضوياً في النخب المعولمة، وأن مشروع التفكيك المعولم هو مشروعها.
لذلك، يندفع الغرب الجماعي إلى الدفاع المستميت عن الصهيونية في فلسطين، في حين كانت السردية السائدة أنها مجرد ذراع للغرب الجماعي. وها هي تلك الذراع شلتها حركات المقاومة وقيدتها، فلماذا يستميت الغرب في الدفاع عنها إذا كان اليهود في فلسطين "جماعة وظيفية" فحسب، لم تعد قادرة على القيام بوظيفتها كما دأبت من قبلُ؟
لذلك كله، ملأ اليمين الشعبوي جيوب السخط الاجتماعي والسخط السياسي، والتي أدار اليسار ظهره لها. لذلك، تمكّن اليمين الصهيوني من استقطاب اليمين الشعبوي في الغرب إلى صفه، في حين يخترق "اليسار الصهيوني" المزعوم أي يسار يتحول إلى الليبرالية، كما نرى مثلاً في نموذج بعض اليساريين العرب سابقاً المناهضين للمقاومة، ليسيطر الصهاينة بذلك على جهتي معادلة الصراع غربياً.
لقد خسر "الديموقراطيون" المعركة الانتخابية لأنهم خسروا قطاعاً كبيراً من الشبان، في خضم معركة غزة في الجامعات الأميركية، أو في خضم أزمة التضخم التي أطاحت حظوظ الشبان تحت سن الـ 28، أي Generation Z، في تأسيس حياتهم اقتصادياً أسوةً بأهلهم. وسبق أن نبهت لهذا الأمر في مادة "مناهضة الصهيونية في الولايات المتحدة: كم يغذيها اغتراب الشباب عن منظومة الحكم؟"، في 29/7/2024.
يشار إلى أن عدد ناخبي الشباب تحت سن 28 عاماً بلغ يوم 5/11/2024 أكثر من 41 مليوناً، وأن أغلبيتهم امتنعت من التصويت، لمعاقبة "الديموقراطيين"، إذ إن الإحصاءات تُظهر أن 42% منهم فقط شاركوا هذه المرة، مقارنةً بـ 55% منهم عام 2020، حين مال الناخب الشاب آنذاك مع بايدن و"الديموقراطيين". فلو افترضنا أن نسبة المشاركة بقيت عند 55% هذا العام، فإن ذلك كان سيعني أكثر من 5 ملايين ناخب إضافي هم أكثر من فارق الأصوات بين ترامب وهاريس. وكان لغزةَ هنا دورٌ رئيس في ابتعاد الناخبين الشبان عن "الديموقراطيين".
أضف إلى الامتناع من التصويت أن الناخبين الشبان مالوا هذه المرة مع ترامب أكثر من ذي قبل، إذ صوت 46% منهم معه مقارنةً بـ 36% عام 2020، في مقابل 52% لهاريس، مقارنة بـ 61% لبايدن عام 2020. كما أن 56% من الشبان صوتوا مع ترامب، في حين صوتت 58% من الشابات مع هاريس، وكانت أغلبية الشبان، الذين صوتوا مع ترامب، من البيض أو من أصول إسبانية، في حين كانت أغلبية الشابات اللواتي صوتن مع هاريس من أصول أفريقية أو آسيوية.
لا شك في أن أصوات الشبان هي التي حسمت الانتخابات لمصلحة بايدن عام 2020، في حين أن إحجامهم عن المشاركة هذه المرة، وميلهم حين شاركوا بدرجة أكبر مع ترامب، حسماها لمصلحته. وتشير الإحصاءات إلى أن الشبان غير الجامعيين وغير الحاصلين على أي شهادة جامعية فضلوا ترامب بنسبة 54%، وأن الشبان البيض غير الحاصلين على أي شهادة جامعية فضلوه بنسبة 56%، وهو ما يؤكد ما ورد أعلاه بشأن العولمة والمهاجرين والخوف من المستقبل.
أضف إلى ذلك أن مرشحي الأحزاب الثالثة، وأهمهم جيل شتاين عن حزب الخضر (حصلت على نحو 644 ألف صوت)، وروبرت كينيدي (حصل على نحو 619 ألف صوت)، وتشايس أوليفر، مرشح الحزب التحرري (حصل على نحو 576 ألف صوت)، (وسحب أول اثنين تلك الأصوات من الحزب الديموقراطي، وسحب تشايس أوليفر أصواته من الحزب الجمهوري)، صب في المجمل لمصلحة ترامب. ويُذكَر أن روبرت كينيدي من يسار الوسط أعلن انسحابه من السباق الانتخابي وأيد ترامب، وبقي اسمه في القوائم لسحب أصوات "الديموقراطيين" الذين لا يؤيدون هاريس أو ترامب.
أخيراً، من المهم الانتباه إلى أن ترامب تعرّض لحملة اضطهاد شعواء، قانونياً وإعلامياً وسياسياً، من طرف المؤسسة الحاكمة، ولمحاولتي اغتيال، جعلته كلها يظهر في صورة المستضعَف، الأمر الذي أكسبه تعاطفاً كبيراً في صفوف المهمشين المناهضين للمؤسسة الحاكمة، وخصوصاً بين الشبان البيض ومن أصول أميركية لاتينية.
كان من ذلك إدانته بـ 34 تهمة تزوير لسجلاته المالية. كما دِين بتهمة اعتداء جنسي ما دون الاغتصاب، وبتشويه سمعة، وحكمت المحكمة بأن عليه دفع 88.3 مليون دولار كتعويض عطل وضرر. ويواجه ترامب أيضاً 52 تهمة جناية كبرى، تتصل 12 منها بمحاولته قلب نتائج انتخابات 2020، و40 بمزاعم احتفاظه بوثائق حكومية سرية.
وفي أيلول/سبتمبر 2023، دِين بالاحتيال المالي، وقضت المحكمة بأن يدفع تعويضاً مقداره 457 مليون دولار، في قضية باتت قيد الاستئناف. ومن المهم جداً، بالنسبة إلى ترامب الآن، أن يحسن اختيار وزير عدل في إمكانه أن يُسقط كل التهم الفيدرالية ضده، وأن يعرقل القضايا التي رفعتها محاكم الولايات، عبر طرائقَ شتى.
ترافق ذلك مع حملة إعلامية شرسة شنتها وسائل إعلام النخب الحاكمة، تضمنت، فيما تضمنته، تقارير خبراء نفسيين مرموقين بأن تحليلهم لخطابات ترامب الأخيرة يُظهر دخوله في حالة من الزهايمر والتدهور المعرفي، في حين كان بايدن هو الذي يستعرض خرفه في كثيرٍ من المناسبات المحرجة.
كما جاءت تلك الوسائل الإعلامية بطيفٍ من المحللين السياسيين والأمنيين والقانونيين ليشهدوا أن ظاهرة ترامب تضافرت مع ارتفاع منسوب العنف السياسي في الحياة السياسية الأميركية.
لم يقتصر الأمر على الكلام طبعاً، إذ صوّت الكونغرس، الذي يسيطر عليه "الديموقراطيون" عام 2019، على عزل ترامب خلال رئاسته الأولى. كما صوت على عزله مجدداً في 6/1/2021، بعد خسارته انتخابات 2020، وقبل أسبوعين من موعد تسليمه السلطة إلى بايدن. ولولا أن مجلس الشيوخ سارع إلى إلغاء قرار العزل في الحالتين، لما تمكن ترامب من الترشح للرئاسة مرة ثانية.
وفي عام 2023 حكمت المحكمة العليا لولاية كولورادو بعدم صلاحية ترامب للترشح، وبإزالة اسمه من بين المرشحين للرئاسة في الولاية، وكذلك فعلت محكمة دائرة الولاية في إيلينوي عام 2024. لكن المحكمة العليا للولايات المتحدة قررت بالإجماع في 4/3/2024 عدم صلاحية محاكم الولايات في تحديد أهلية المرشحين على مستوى البلاد ككل.
على الرغم من ذلك كله، فإن ترامب ظل يكتسب مزيداً من التأييد شعبياً، ويبدو أن النخب الحاكمة قررت عدم تزوير الانتخابات، بالتضحية بمرشحتها هاريس في وجه التأييد الواسع لترامب، من أجل المحافظة على تماسك البلاد في لحظة صعبة، مع إدراكها الكامل أن الدولة العميقة لديها كثير من الأدوات لعرقلة سياسات ترامب وإجهاضها في جميع الأحوال.