في الجغرافيا السياسية للمعادن النادرة

تتسابق الدول إلى إعادة مسح احتياطياتها من المعادن، وإلى وضع يدها على ما تيسر منها على كوكب الأرض، وإلى حرمان منافسيها منها، إذ إن ميزان القوى الدولي اليوم بات يعتمد على خريطة السيطرة على الموارد المعدنية.

  • في الجغرافيا السياسية للمعادن النادرة
    في الجغرافيا السياسية للمعادن النادرة

مع تقدم التكنولوجيا، تتخذ بعض المعادن أهمية متنامية في زماننا. فمن الهاتف الذكي إلى الجهاز اللوحي والحاسب المحمول والسيارة الكهربائية والجهاز المنزلي الذكي والطابعة ثلاثية الأبعاد والإنسان الآلي (الروبوت) والمكوك الفضائي والطائرة النفاثة والصاروخ الباليستي، أصبحت المكونات أو عمليات التصنيع (أو كل من الأمرين)، تعتمد بصورةٍ أقل على حوامل الطاقة، وبصورةٍ أكبر على المعادن، ولا سيما النادرة منها.

يزداد مثل هذا النزوع تجذراً مع الابتعاد عن الطاقة الأحفورية، واتساع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. فالعصر الإلكتروني هو عصرٌ افتراضي في الجوهر ومعدني في المظهر. والبشرية تلج إليه بسرعة 20 غيغابيت في الثانية، وهي سرعة إنترنت الـ 5G العادية. ويولد ذلك شراهةً موازيةً للموارد المعدنية، كأن البشر يحركهم، في بحثهم المحموم عن مزيد من احتياطياتها عبر مجرة درب التبانة برمتها، عقلٌ كلي هدفه الأعلى تجسيد ذاته معدنياً.

تتسابق الدول، في الآن عينه، إلى إعادة مسح احتياطياتها من المعادن، وإلى وضع يدها على ما تيسر منها هنا على كوكب الأرض، وإلى حرمان منافسيها منها، إذ إن ميزان القوى الدولي اليوم بات يعتمد، في أحد أهم أركانه، على خريطة السيطرة على الموارد المعدنية المبثوثة في كوكبنا. 

هذا يعني أن مواقع تلك الموارد المعدنية جغرافياً، وما إذا كانت تقع في هذه الدولة الصديقة أو تلك المعادية أو في مياهها الاقتصادية، وأن القدرة على تشكيل تحالفات متينة ومنظومات علاقات دولية مستقرة تحشد أكبر قدر من الموارد المعدنية تحت جناحها، أمرٌ بات مفتاحاً أساسياً من مفاتيح إعادة تشكيل النظام الدولي، أو المحافظة عليه، كما الآن، غربياً.

لم تعد المعادن إذاً حقل المتخصّصين بها من علماء ومهندسين فحسب، بل صارت، أكثر من أي وقتٍ مضى، مسألة جغرافيا سياسية، لأن خريطة انتشارها باتت تفرض استحقاقات وأولويات سياسية على من يملكها، ومن لا يملكها، ومن يحرص على ألا يملكها عدوه.

فمن يملكها يصبح مستهدفاً أكثر من غيره إذا كان ضعيفاً، ويفرض ذلك عليه أن يبحث عن تحالفات لحماية نفسه. وتلك حال كثيرٍ من دول الشرق والجنوب، المرشحة لتفاقم الصراعات عليها وفيها، أكثر من ذي قبل، إذا كانت تمتلك مواردَ معدنيةً نادرة، كأن خريطة المعادن دولياً باتت تفسر بعضاً من صراعات عالمنا المعاصر القائمة والمقبلة.

من ذلك المنطلق تحديداً، صار لا بد من الحديث عن الجغرافيا السياسية للمعادن عموماً، وللمعادن النادرة خصوصاً.

اقرأ أيضاً: وجه آخر للصراع العالمي: حديدٌ عتيقٌ لكونٍ جديد

لمحة عن المعادن وفئاتها

يمكن تقسيم المعادن، اقتصادياً ومالياً، إلى عدة فئات، منها:

أ – المعادن الثمينة Precious Metals، وهي تُحفظ لذاتها كمخزنٍ للقيمة، وتوجد لها استخدامات صناعية متعددة أيضاً، ومنها الذهب والفضة والبلاتين. ويعد البالاديوم، ضمن هذه الفئة، نموذجاً عن معدن ثمين تغلب استخداماته الصناعية على تلك المالية، وسبق تناوله بإسهابٍ في مادة "وجه آخر للصراع العالمي: حديد عتيق لكونٍ جديد"، في الميادين نت في 5/4/2022، عشية اندلاع الحرب الأوكرانية.

ب – المعادن الأساسية Base Metals، وهي تكثر في الأرض مقارنةً بغيرها، وتُستخدم صناعياً أساساً، ومنها الحديد وفئاته، ومعادن أخرى غير حديدية، مثل النحاس والنيكل والألمنيوم والزنك والرصاص والقصدير والتايتينيوم وخلائطها. ويُعَدّ الطلب عليها طلباً مشتقاً من الطلب على المنتوجات التي تُستخدم تلك المعادن فيها أو في صنعها، أي أن قيمتها تعتمد على حالة الاقتصاد الكلي بدرجةٍ ما، فكلما ازدهر، ارتفع سعرها، والعكس بالعكس. 

ج – المعادن النادرة Rare Earth Metals، وهي مجموعة من 17 عنصراً، تصنف 15 منها في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية تحت فئة اللانثانيدات Lanthanides، ويضاف إليها عنصرا الإيتريوم والسكانديوم. وهي، على ندرتها، ذات استخدامات صناعية أساساً، راحت تزداد أهميةً في عالمنا المعاصر لكثرة استخدامها في منتوجات التكنولوجيا المتقدمة مدنياً وعسكرياً (وصبراً على المصطلحات الجديدة لأنها أسماء معادن المستقبل). 

د - تُضاف إلى هذه الفئات الثلاث فئةٌ رابعةٌ من العناصر الواقعة في منازل وسطى بينها. فهي معادن أقل شيوعاً من المعادن الأساسية، وأكثر شيوعاً، بدرجات متفاوتة، من المعادن الثمينة والنادرة. وتدخل ضمن هذه الفئة معادن الكوبالت والزئبق والتنغستون والزركونيوم والليثيوم (الذي أعلنت إيران اكتشاف 8.5 ملايين طن منه في آذار/مارس الفائت). 

ومن البديهي أن بعض عناصر تلك الفئة أكثر ندرةً من غيرها، وخصوصاً تلك التي لا توجد خاماتها في الطبيعة، ولا بد من معالجة معادن أخرى لاستخلاصها. ومن البديهي أيضاً أن معادن الأرض النادرة أقل ثمناً من المعادن الثمينة.

يشار إلى أن ندرة معدنٍ ما لا تعني بالضرورة أنه نادرٌ بصورةٍ مطلقة، إذ قد يتوافر في الطبيعة بكثرة، لكنْ ليس بصورةٍ مركَّزةٍ جغرافياً بما يكفي لجعل استخراجه مجدياً اقتصادياً. تخيل مثلاً لو أنك نثرت كيلوغراماً من الملح على هكتارٍ من الأرض، وأن ذلك الملح اتحد في التربة والحجارة على مر القرون، ثم أنك أردت إعادة استخراجه... إن مثل ذلك الانتشار هو ما يجعل بعض المعادن نادرة: صعوبة استخراجها، وتعقيد العمليات الصناعية اللازمة لاصطفائها، وبالتالي ارتفاع تكلفتها.

في الاستخدامات الصناعية للمعادن الثمينة

أما المعادن الثمينة والأساسية، فمعروفة لعامة للناس، على رغم أن وظيفة المعادن الثمينة كمخزن للقيمة، أو كزينة، ربما تغطي على وظائفها الصناعية التي راحت تزداد أهميةً باطّراد في العصر الإلكتروني.

يستخدم 75% من الذهب المستخرج حديثاً في الزينة والسبائك. لكن شبكات أسلاك الكهرباء في المركبات الفضائية مثلاً تصنع من الذهب لأنه موصلٌ موثوق به جداً للكهرباء. ويستخدم الذهب في هاتفك الخلوي وحاسبك المحمول وجهازك اللوحي وغيرها من الإلكترونيات، لأنه أكثر المعادن الثمينة كفاءةً في بث المعلومات الرقمية. لذلك، يُستخدم طلاء الذهب في المعالِجات الدقيقة وشرائح الذاكرة وفي موصلات شبك الكابلات. ويذكر أن الذهب طيّعٌ إلى درجة تتيح صناعة ورق رقيق منه بنسبة تقل عن 1 إلى عدة ملايين من سنتمتر واحد. ولأنه لا يصدأ بسهولة، فإنه يُستخدم أيضاً على الأسطح الخارجية والداخلية كديكور.

كذلك تُستخدم الفضة في صناعة البطاريات والإلكترونيات بصفتها موصلاً ممتازاً للحرارة والكهرباء. وهي ضرورية للمفاعلات النووية وأشباه الموصلات والشاشات التي تعمل باللمس، كما تدخل في حياكة النسيج لمنع تراكم البكتيريا فيه، وتدخل في صناعة الأدوية وطب الأسنان، وفي تنقية المياه، كما تدخل في كثيرٍ من الاستخدامات الأخرى.

يُستخدم البلاتين بدوره في صناعة المتفجرات والمنظفات والأسمدة والبلاستيكيات وبعض أنواع الأحماض. وعندما يُضاف إلى خليطٍ مع الإيريديوم Iridium، وهو معدنٌ ثمينٌ آخر من فئة البلاتين، تصنع منه بلورات أشباه الموصلات والبلورات التي تطلق أشعة الليزر. ويُستخدَم الإيريديوم أيضاً في معدات المختبرات التي تتعرض لدرجات حرارة عاليةٍ بصورة غير عادية.

ليست هذه سوى نبذة صغيرة فحسب عن الاستخدامات الصناعية للمعادن الثمينة. والجديد هنا هو أهميتها المتزايدة في منتوجات التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يُضفي عليها بعداً آخر، صناعياً متقدماً، ربما يعيد تعريف معناها كليةً مع مرور الزمن.

في الاستخدامات الصناعية لمعادن الأرض النادرة

ليس الاستخدام الصناعي، التقليدي، للمعادن الثمينة، جديداً في الواقع، ويبلغ عمره عقوداً على الأقل، إن لم نأخذ في الاعتبار استخدامها في صناعة الأواني المنزلية والأصنام والكماليات منذ فجر التاريخ المكتوب.

أما الجديد فهو دخول معادن الأرض النادرة في خطوط الإنتاج بمثل القوة التي دخلت فيها في العصر الإلكتروني، مع أن بعضها اكتُشف كعنصر كيميائي منذ القرن الـ19.

يضاف معدن السكانديوم النادر مثلاً إلى الألمنيوم، ويدخل في مكونات صناعة الطيران، كما يُستخدم في مصابيح الإضاءة. وبلغ سعره في بورصة الصين 5241.6 دولاراً أميركياً للكيلوغرام الواحد النقي بنسبة 99.999%. وهذا يعني أن سعر الطن الواحد النقي هو 5.2 ملايين دولار ونيف، وكان على هبوط.

يخلط معدن الإيتريوم النادر في المقابل مع الألمنيوم لإنتاج أشعة الليزر؛ ويضاف إلى أوكسيدات الزركونيوم (من فئة المعادن الرابعة أعلاه) لاستخدامه في حشوات الأسنان وفي خلايا الطاقة ومحركات الطائرات النفاثة وتغليف المحركات وتوربينات الغاز؛ ويخلط مع الحديد لاستخدامه في العلاج الكيميائي للسرطان وشمعات الإشعال في السيارة (البوجيات) ومصابيح الإضاءة الموفرة للطاقة (مثل اللدات)، وغيرها كثير. وهذا غيضٌ من فيض.

بلغ سعر الطن الواحد من من أوكسيدات الإيتريوم في الصين، والتي تبلغ نسبة نقائها 99.999%، في شهر نيسان/أبريل الفائت، أكثر من 765 ألف دولار أميركي، هبط مرة واحدة بفعل المضاربات والصراع مع بورصة هولندا في روتردام إلى 6640 دولاراً الشهر الفائت.

يُستخدم معدن البريزيديموم النادر مثلاً في المواد الممغنطة والليزر والنظارات الواقية، التي يستخدمها من يلحمون المعادن، وفي الألياف الضوئية، وغير ذلك كثير. ويضاف مع الحديد والبورون، شبيه المعدن، لإنتاج أحجار مغناطيس ذات استخدامات واسعة النطاق في الهواتف الذكية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية.

بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من معدن البريزيديموم 146.8 دولاراً أميركياً، في 7/6/2023 في الصين والهند، أي أكثر من 146 ألف دولار للطن، وكان على هبوط منذ بداية العام الجاري، حين بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه نحو 200 دولار أميركي. وهذا مرتبط، على الأرجح، بتوقعات تراجع الاقتصاد الدولي مع رفع سعر الفائدة الأميركية.

بحسب موقع متخصص في الإنترنت، يُستخدم معدن النيوديميوم النادر في صناعة أحجار مغناطيس لـ"محركات الأقراص الصلبة والهواتف المحمولة وأنظمة الفيديو والصوت في التلفاز"، من بين أشياءٍ أخرى. وبلغ سعر كيلوغرام واحد منه 147.8 دولاراً أميركياً في 7/6/2023، أي أن الطن الواحد بلغت قيمته في السوق الدولية أكثر من 147 ألف دولار، وكان على انخفاض، إذ إن الكيلوغرام الواحد بلغت قيمته أكثر من 209 دولارات أميركية بداية العام الجاري. وبلغت قيمته يوم 15/6/2023 أكثر من 620 ألف دولار للطن.

... يمكن أن نستمر في تعداد الاستخدامات الصناعية الحديثة لمعادن الأرض النادرة الباقية، وتعداد أسعارها المرتفعة، وما يمكن أن يدرّه تصديرها أو استخدامها في الصناعة على منتجيها، على نحو ينافس النفط والغاز والمعادن الثمينة.

يمكن أن ننعطف بعدها إلى تعداد المعادن شبه النادرة واستخداماتها وأسعارها، من الزئبق إلى الليثيوم. لكنّ ذلك سيكون أشبه بضرب الميت، لأن الفكرة أرجو أن تكون أصبحت واضحة.

الأهم الآن هو السؤال التالي: أين تقع، جغرافياً، معظم الاحتياطيات المكتشفة حتى الآن من تلك المعادن النادرة وشبه النادرة؟ ومن الذي يملك، بالتالي، بعض مفاتيح النظام الدولي الجديد؟ ومن الذي يملكها ولا يستطيع الدفاع عنها، الأمر الذي يرجح أن تصبح دولته ملعباً لصراعات دولية عنيفة؟

ميزان قوى الليثيوم دولياً

لا بد من الإشارة، قبل الدخول في المعادن النادرة، إلى أن المعادن شبه النادرة ليست صفراً على اليسار. فالليثيوم مثلاً بلغت قيمة الطن الواحد منه 312500 دولار أميركي، وأن الكوبالت بلغت قيمة الطن الواحد منه 29525 دولاراً، وذلك في 15/6/2023. والعبرة في الاستخدامات الحديثة لتلك المعادن، إذ إن الليثيوم ذو فائدة في تشغيل بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة التي يجري تشغيلها عن بعد، الأمر الذي يجعل الطلب المتوقع عليه متزايداً مع تقدم الإلكترونيات وانتشارها.

لكن أغلبية احتياطيات الليثيوم في العالم تتوزع كما يلي (قبل إعلان اكتشاف إيران 8.5 ملايين طن منه): تشيلي (9.3)، أستراليا (3.8)، الأرجنتين (2.7)، بوليفيا (2.1)، الصين (2.0)، الولايات المتحدة (1.0)، كندا (0.93)، زيمبابوي (0.310)، البرازيل (0.250)، والبرتغال (0.060). 

وهي أرقام غير مؤكدة، لأن مراجع أخرى، مثل "المسح الجيولوجي الأميركي" الرسمي، المنشور في 17/3/2023، تضع احتياطي بوليفيا عند المستوى الأعلى دولياً، واحتياطي الأرجنتين في المقام الثاني بعدها، ثم تشيلي. وتضع احتياطيات الهند عند 5.9، وروسيا عند 1، وصربيا عند 1.2، والكونغو عند 3، وألمانيا عند 3.2، وكندا عند 2.9، والمكسيك عند 1.7. لكن المؤكد أن أميركا اللاتينية تحتوي على معظم احتياطي الكوكب، المكتشف حتى الآن، من الليثيوم.

في جميع الأحوال، يصعب أن نأخذ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والاهتمام الإيراني بأميركا اللاتينية عموماً، بعيداً عن هذا السياق، وإن كان من الإجحاف اختزال العلاقة في ذلك البعد وحده. تخيلوا مثلاً لو نشأ معادل "أوبك +" لليثيوم، فكيف سيكون تأثير ذلك في الغرب، ولا سيما أن الكفة تميل بوضوح إلى البريكس وأميركا اللاتينية؟

تشيلي، بوليفيا، والأرجنتين، والدول الأفريقية، ستكون نقاط صدام طبعاً، ومن المتوقع أن تنشأ اضطرابات فيها وحولها من أجل الزجّ بها في المحور الأميركي. وسيكون لأميركا اللاتينية حديثٌ في ظل تحول ميزان القوى دولياً لن تتركه الإدارة الأميركية يمر بسلام.

وصدف أن احتياطيات الكوبالت عالمياً تتركز أيضاً في الكونغو (4 ملايين طن)، ثم أستراليا (1.5 مليون طن)، ثم إندونيسيا (600 ألف طن)، ثم كوبا (500 ألف طن)، ثم الفليبين (260 ألف طن)، ثم روسيا (250 ألف طن)، ثم كندا (220 ألف طن)... إلخ. والعبرة واضحة في مَيْل الميزان إلى الجنوب والشرق، وفي احتدام الصراع على تلك المناطق وفيها، وهلمّ جرّاً بالنسبة إلى سائر المعادن شبه النادرة.

التوزع الجغرافي للمعادن النادرة

تملك الصين اليد العليا في أسواق المعادن النادرة. وفي عام 2010 شرعت في حجبها عن اليابان ثم عن الغرب، فقاضاها الغرب في منظمة التجارة العالمية بذريعة إعاقة التجارة الحرة، وكسب القضية عام 2014، فحررت الصين صادراتها من المعادن النادرة إلى الغرب، واليابان مجدداً.

في عام 2017 مثلاً، أنتجت الصين 81% من معادن الأرض النادرة دولياً، مع أنها لا تمتلك إلا 36.7% من احتياطياتها، أساساً من منغوليا الداخلية في منطقة "بيان أوبو". وأنتجت أستراليا 15% من معادن الأرض النادرة، وأنتجت سائر دول العالم مجتمعةً 4% منها!

الاحتياطي شيء إذاً والإنتاج شيءٌ آخر، وتمكنت الصين هندسياً من امتلاك مهارات استخراج المعادن النادرة واستخلاصها من الأرض والمعادن الأخرى، في حين تلكّأ الغرب خلفها خوفاً من الضرر البيئي الذي يسببه استخدام الأحماض وغيرها في استخراج تلك المعادن.

في عام 2019، قبل حلول كوفيد 19، أنتجت الصين ما يراوح بين 85% و95% من معادن الأرض النادرة، نصفها من ميانمار التي اكتشفت عند حدودها مع الصين احتياطيات هائلة من المعادن النادرة في محافظة كاشين. ولا يمكن فصل ذلك عن التحريض الغربي على ميانمار، إذ أصبح الغرب فجأة المدافع الأول عن المسلمين فيها، وانساق كثيرون خلف اللعبة، بعد أن أصبحت ميانمار أكبر مصدر للمعادن النادرة دولياً.

في شباط/فبراير 2021، وقع انقلابٌ في ميانمار، وحافظت الصين على استثماراتها الحدودية بفضل "الجيش الديموقراطي الجديد" في محافظة كاشين في ميانمار، والذي تحول إلى حرس حدود.

وفي نيسان/أبريل الفائت، لوحت الصين بفرض حظر على تصدير معادن الأرض النادرة رداً على الحملة الغربية لحظر أشباه الموصلات عن الصين، وكان لذلك التهديد أصداءٌ في الأسواق الدولية.

قبل الصين، كانت المعادن النادرة تأتي من الهند وجنوب أفريقيا، ثم من الولايات المتحدة الأميركية. ويجري البحث اليوم بصورةٍ حثيثةٍ عن المعادن النادرة في أستراليا والبرازيل وكندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا والولايات المتحدة وغرينلاندا (الدنماركية، في القطب الشمالي).

أمّا ميزان قوى معادن الأرض النادرة، بحسب "المسح الجيولوجي الأميركي" لعام 2023، وقد تعمدنا هنا أن نتخذ مرجعاً أميركياً رسمياً، فهو كما يلي من حيث عدد أطنان المعادن النادرة التي تملكها الدول التالية:

الصين: 44 مليون طن.

فيتنام: 22 مليون طن.

البرازيل: 21 مليون طن.

روسيا: 21 مليون طن.

الهند: 6.9 ملايين طن.

أستراليا: 4.2 ملايين طن.

الولايات المتحدة الأميركية: 2.3 مليون طن.

غرينلاندا (الدنماركية، في القطب الشمالي): 1.5 مليون طن.

دخلت الصين بقوة لغرينلاندا، بالمناسبة، على رغم الاحتجاجات الغربية، لكن انتبهوا جيداً لفيتنام، التي توجد نقاط تناقض بينها وبين الصين. في الآن عينه، أعلنت السويد اكتشاف مليون طن من معادن الأرض النادرة في أقصى شمالها القطبي بداية العام الجاري، وهو ما يضفي لمسةً خاصة على سعي السويد للانضمام إلى حلف الناتو.