الشرق الأوسط على أكفّ العفاريت
في الوقت الذي يترقب فيه العالم مصير الملف النووي الإيراني خلال الأسابيع المقبلة، يبقى السؤال الأبرز: هل تتجه المنطقة نحو مواجهة جديدة، تعيد إشعال الجبهات في أكثر من ساحة؟
-
تصدر من دمشق إشارات مقلقة قد تعكس تكراراً للأخطاء التاريخية.
يشهد جنوب سوريا تطورات متسارعة تضع المنطقة أمام معادلات جديدة، تطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل التوازنات الإقليمية. كيف تحوّلت دولنا من دول طوق كانت تمثل خط الدفاع الأول، إلى دول مطوقة عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم أمام مشاريع تتوسع بلا قيود؟ وما السر الذي كشفه السيد نصر الله، ليصبح ذلك مفتاح اغتياله؟
في خضم هذه المتغيرات، أطلق عبد الله أوجلان دعوة مفاجئة إلى"حزب العمال الكردستاني" بإلقاء السلاح، ما يطرح تساؤلات بشأن التحوّلات في المشهد الكردي، ومدى ارتباط ذلك بالحسابات الإقليمية. أما تركيا، التي تعدّ لاعباً رئيسياً في الملف السوري، فأين موقعها وسط هذه التغيرات؟
وفي الوقت الذي يترقب فيه العالم مصير الملف النووي الإيراني خلال الأسابيع المقبلة، يبقى السؤال الأبرز: هل تتجه المنطقة نحو مواجهة جديدة، تعيد إشعال الجبهات في أكثر من ساحة؟ أسئلة مترابطةٌ أكثر مما تبدو عليه في ظاهرها.
سنحاول تفكيك هذه التساؤلات، وتحليل أبعاد المشهد الإقليمي، لفهم طبيعة التوازنات المتغيرة، والمسارات المحتملة للأحداث.
الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري: توسع مريح وأهداف بعيدة
في الجنوب السوري، تتحرك "إسرائيل" بحرية تامة، مستفيدة من واقع مضطرب يمنحها هامشاً واسعاً للمناورة من دون الحاجة إلى تبريرات معقدة. تكتفي بترويج خطاب "الاحتلال الاستباقي"، مدّعية أنه درع وقائية ضد تهديدات مستقبلية محتملة. لكن التوسع الإسرائيلي هناك لا يبدو مجرد تحرك تكتيكي عابر، بل يتخذ شكل استراتيجية ممنهجة تخدم أهدافاً بعيدة المدى.
يأتي هذا التمدد في لحظة انتقالية حساسة تمر بها سوريا، إذ تتصدر أولوية تثبيت الحكم المشهد السياسي في دمشق، ما يمنح "تل أبيب" فرصة ذهبية لفرض واقع جديد على الأرض. الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتعمّق بهدوء، يسير وفق مسار مدروس يراهن على ترسيخ وجود يصعب اقتلاعه لاحقاً.
لكن، ما هي الأهداف الحقيقية لهذا التوسع؟ وكيف يتعامل الحكام الجدد في سوريا مع هذا المشهد المعقد؟
الوقائع تشير إلى أن "إسرائيل" تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، تبدأ من تفجير التركيبة السكانية في الجنوب السوري، وهو ما يشكّل مدخلاً لزعزعة استقرار لبنان لاحقاً. كما أن هذا التغيير الديمغرافي يعدّ إجراءً استباقياً لمنع أي تحرك مستقبلي يسعى لتحرير الأرض، إلى جانب تكريس وجود أمني وعسكري دائم يجعل دمشق رهينة للضغوط الإسرائيلية.
ولا يتوقف الطموح الإسرائيلي عند الجنوب السوري، بل يمتد إلى الحدود السورية-العراقية، حيث تسعى "تل أبيب" إلى تعزيز حضورها هناك، في تداخل مباشر مع مشهد التنافس الإسرائيلي-التركي على النفوذ داخل سوريا، خصوصاً في المناطق الكردية.
إذاً، كيف ستتبلور هذه المعادلة في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة؟ وإلى أي مدى يمكن لـ"إسرائيل" فرض معادلات جديدة في سوريا من دون رد فعل يحدّ من طموحاتها؟
تنافس تركي-إسرائيلي وتحديات داخلية
في المشهد السوري المتغيّر، يبدو أن تركيا تمتلك حلفاء على باب "إسرائيل" (فلسطين المحتلة)، بينما تسعى "إسرائيل" بدورها إلى إنشاء حلفاء على باب تركيا. هذا التوازن الجديد ينذر بسنوات مقبلة ستكون مسرحاً لصراع نفوذ بين قوتين إقليميتين كبيرتين، حيث تتحوّل سوريا إلى مختبر استراتيجي يعاد فيه رسم خرائط القوة في المنطقة.
المعادلة تبدو سباقاً بين "ممر داوود" الإسرائيلي، الذي يسعى إلى استغلال المخاوف الأقلوية في الجنوب لترسيخ نفوذ "تل أبيب"، وبين محاولات أنقرة لإعادة تشكيل الحضور العثماني في المنطقة العربية، وهو ما يجعل سوريا ساحة مواجهة بالوكالة بين مشروعين متناقضين.
أخطاء اللحظة الانتقالية
وسط هذه التغيرات الجيوسياسية، تصدر من دمشق إشارات مقلقة قد تعكس تكراراً للأخطاء التاريخية. فبدلاً من تركيز الجهود على التصدي للتمدّد الإسرائيلي والاستفادة من الزخم العربي والإسلامي بعد سقوط النظام، يبدو أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع يميل إلى دغدغة مزاج داخلي انقسامي، كما ظهر في تصريحاته ذات الطابع الشعبوي، والتي قد تؤسس لمشهد حكم أحادي جديد لكن بوجوه مختلفة وحلفاء جدد.
هذا التوجه قد لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الانقسام الداخلي، ما يفتح الباب أمام مشاريع التقسيم، حيث يصبح الجنوب خاضعاً لسيطرة "إسرائيل" المباشرة تحت شعار "حماية الأقليات"، ويتحوّل إلى حزام أمني دائم بحكم استباقي مبرم. لكن المخطط الإسرائيلي لن يتوقف عند هذا الحد، بل قد يمتد لاحقاً إلى دمشق نفسها أو إلى البادية ومناطق النفط، في ظل استمرار تفكك الأطراف السورية بفعل الضغوط الخارجية والتوترات الداخلية.
وحتى الآن، لا تبدو هناك إرادة أو إمكانية فعلية لدى دمشق لمواجهة التوسع الإسرائيلي. بدلاً من إدارة حكم جامع يوحّد القوى الوطنية ويستثمر الزخم العربي والإسلامي في عملية ردع استباقية، تركز القيادة الجديدة على تأسيس سلطة مركزية متجانسة، وهو مسار يحتاج إلى وقت طويل، بينما تتعرض أطراف البلاد للتفكك بفعل التدخلات الخارجية والمخاوف الأقلوية.
وفي ظل استمرار الضربات الإسرائيلية للقدرات العسكرية السورية، لا يظهر أي جهد عربي أو إسلامي حقيقي، سواء دبلوماسياً أو عسكرياً، لمواجهة هذا الواقع. ومع مرور الوقت، تتآكل وحدة البلاد؛ الجنوب يخرج عن السيطرة، والشرق الكردي يبتعد نفسياً عن دمشق، والساحل يعيش حالة تنازع بين الرغبة في البقاء ضمن سوريا الموحدة والخوف من مستقبل غير محسوم. هذه النقاط تشكل ثغرات استراتيجية قد تستغلها قوى خارجية في اللحظة المناسبة لفرض أمر واقع جديد.
ما يحدث اليوم يستدعي تفكيراً استراتيجياً عميقاً من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، أكثر من الاكتفاء بخطابات تعبّر عن نزعة انتقامية من الماضي. فالتحدي الحقيقي ليس في تسجيل نقاط على خصوم الأمس، بل في استيعاب التحولات الجارية، لأن عدم قراءة المشهد بعمق يعني تكرار الأخطاء ذاتها التي أدت إلى سقوط النظام السابق.
إن "إسرائيل" وتركيا تحركتا بذكاء لاستغلال لحظة الفراغ، ما أدى إلى انهيار التوازنات الإقليمية القديمة. وفي حال لم يتم استيعاب هذا الواقع سريعاً، فقد تجد دمشق نفسها في مأزق لا يقل خطورة عن المراحل السابقة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يظل لبنان نقطة محورية في الحسابات الإقليمية، إذ إن أي تغيير جوهري في سوريا سينعكس حتماً على المعادلات السياسية والأمنية في بيروت. فهل يصبح لبنان ساحة فرعية لصراع القوى الكبرى في سوريا؟ أم ينجح في تفادي التداعيات التي قد تعيد تشكيل خريطته السياسية والأمنية من جديد؟
لبنان: الوقت هو المفتاح
في لبنان تستمر الخروقات الإسرائيلية اليومية، والاحتلال للنقاط الخمس، ومعها تتكشف نقاط أخرى وشريط أمني حدودي ضيق، لكنه يمتد كفتيل انفجار كبير على طول الحدود، يحتاج فقط أن يسير عداد الوقت إلى أوان انفجاره.
الخريطة الداخلية تعقد مهمة المقاومة مثلما تفعل الحسابات الخاصة بالواقع الميداني. تمارس "إسرائيل" حرية الحركة، والاغتيال، وتخطي منطقة القرار 1701، في ما يؤشر إلى مرحلة منفلتة، تستفيد منها "إسرائيل" من نمط ترامب وهوامشه الواسعة، وانقلابه على القواعد والتقاليد والقوانين.
لكن، هل يدوم ذلك إلى الأبد؟ وما الخيارات؟ الوقت هو المفتاح في لبنان. ستتغير كل الديناميكيات في لحظة واحدة. ومن كان ينتظر استكمال الموجة في المنطقة مفاعيلها، ليعلن عن اتجاهه، رأى الآن الأحداث تتكشف.
فالحكومة اللبنانية انطلقت في عهدٍ جديد، أدبياته متسقة والموجة العارمة التي تحاول إقفال مرحلة المقاومة وسلاحها، وفتح مرحلة تواجه فيها الدولة المخاطر الاستراتيجية بلطافتها، وبقوة الدلع عند أشقاء لبنان وأصدقائه، وعند أصدقاء "إسرائيل" أيضاً. وبالمقارنة مع شراسة "إسرائيل" وتوحشها في المنطقة، تبدو الاستراتيجية اللبنانية الرسمية محفوفةً بالمخاطر الزيلينسكية. لكن، ماذا عن المقاومة وانتظارها؟
بعد الزلزال الأخير، تحاول المقاومة النهوض بقواها، مدركةً أنها خسرت الكثير، ويتبقى لها الكثير الكثير. وهي في شقيها المقاتل في الميدان والمصارع على الطاولة، تحسب الموقف بالميليمترات الدقيقة.
وفي عقيدتها، تستلهم هذه المقاومة تحديداً قوتها من الحزن. إنه تخصيب الحزن، الذي ينشطر إلى شرارات ثورية، وفق مفهومها. وهذا ما ترجمه المشهد الاستثنائي المهيب الذي أدارته المقاومة في تشييع السيد نصر الله.
وفي مسيرة الرجل، سرٌ هو الإجابة عن سؤال مستقبل المقاومة، والتحدي الكبير بأن تبقى المواجهة مع "إسرائيل" معقولةً وممكنة. فما السر الكبير الذي كشفه الرجل، وأدى إلى ملاحقته بهذا الإصرار والشراسة والتوحش، وصولاً إلى تفجير الأجهزة، ورمي 83 طناً من المتفجرات لقتله؟
إنه السر البسيط الذي كشفه السيد في خطابات عدة، وبحّ صوته في تكراره، هو أن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت". وهذا سرٌ محرّم كشفه دولياً. وسأقول لماذا.
لم يكتف السيد نصر الله بالخطابة في الأمر، بل كانت له شروحات ميدانية تفصيلية دقيقة عن كيفية تفكيك الدولة هناك. بدءاً من شرح الخريطة الساحلية الممتدة من جنوب لبنان وحتى حدود غزة، وصولاً إلى الصحراء الفارغة إلا من المفاعل، وميناء إيلات جنوباً على البحر الأحمر. ليس هذا فحسب، بل فصّل الرجل في العمق الضيق للكيان، وأيضاً لم يكتفِ بالشرح. بل جهّز قوة الهجوم الكبرى، لتحقيق الأمر واقعياً. وانخرط مع حماس بعد عمليتها، رغم عدم نضوج التخطيط الاستراتيجي وتنسيقه. فكيف كان الرد على ذلك؟
انظروا عملية "البيجرز"، ثم استهداف قادة الرضوان وصولاً إلى العناصر، ثم القادة الأكبر، وصولاً إلى اغتياله شخصياً. كلها تشير إلى نمطٍ إسرائيلي محدد. نمط يبدو إجابة عن السر المكشوف نفسه. كسر فكرة بيت العنكبوت. وهو نمط كشفت الأحداث أنها أميركيٌ بالدرجة الأولى، بالتتبع والاستعلام وتجهيز الوسائل.
لقد هُزمت "إسرائيل" تماماً في 7أكتوبر، وما حدث بعد ذلك هو أن أميركا دخلت القتال ميدانياً بصورةٍ شبه مباشرة. وسارعت إلى الإنقاذ العسكري، مع تأكيد أن إدارة بايدن كانت تفعل ذلك لتحقيق أهداف "إسرائيل"، ومنع نتنياهو نفسه من جرّها إلى المواجهة الكبرى كما كان يشتهي. لكن هناك ما هو مدهش أكثر في نمط "إسرائيل" بشأن هذه النقطة.
في 28 أيلول/سبتمبر 2024، وفي أول تعليق له على اغتيال السيد نصر الله، كانت كلمات نتنياهو هي التالية:
"نحن لسنا بيت عنكبوت، نحن أعمدة فولاذية… وهناك من اعتقد أننا بيت عنكبوت"…
إذاً، هو السر الحقيقي المكشوف الذي يقول إن قوة "إسرائيل" في المنطقة، التي ترعب الجميع ويتراجع أمامها الجميع، هي لعبة وهم، وهي لعبة دموية، لكن حقائقها محدودة. ومن يكشف هذه الحقائق يمت أولاً. ماذا تفعل المقاومة الآن؟
تفكك المقاومة الآن الألغام من النصوص والحقول معاً، وتنظر إلى اتجاهات الأحداث التالية، خصوصاً في ما يتعلق باحتمالات الحرب الموسعة في المنطقة، وتنتظر أن يفك الواقع بعضاً من الفخ الاستراتيجي الحالي، لتتسع الهوامش في ميادينها المختلفة. لا عمل عسكرياً لها في الأفق القريب، هكذا يقول المنطق، ولا عودة إلى الحرب الآن من قبلها، لكن الاحتلال لن يدوم، وهذا قرار واضح. ماذا إذا شُنت الحرب على إيران؟
هل تشن الحرب على إيران؟
تطورات الأيام الماضية كانت لافتة جداً في هذا السياق، إذ أعلن السيد خامنئي أن الحوار مع أميركا غير مجدٍ، ثم تمت إقالة وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، وبعده استقال مستشار الرئيس، محمد جواد ظريف، ثم كان تصريح لرئيس البلاد مسعود بزشكيان يقول فيه إنه كان يعتقد بجدوى الحوار مع أميركا، لكنه التزم بتوجيهات القائد الأعلى. لكن، ماذا يعني ذلك، تحديداً في اللحظة التي يهرع فيها العالم إلى البيت الأبيض ليستجدي رضى ترامب؟
المعاني كثيرة، ومنها ما هو خطر للغاية، كأن تكون إيران قد حققت قفزةً ما في استراتيجيتها الدفاعية، أكسبتها الثقة اللازمة لمواجهة ترامب في أقصى توهج عنفه. هنا، يبدو من المفيد استحضار تطورين عسكريين بالغي الدلالة:
الأول، هو كشف أنصار الله اليمنيين عن صاروخ فرط صوتي في بداية الصيف الماضي. وهو ما يمكن أن يكون قد ساهم في ردع الحرب الموسعة في المنطقة، رغم أنها زادت حدةً في لبنان كما رأينا.
أما الثاني، فهو كشف روسيا عن صاروخ "آرييشنك"، وهو تطور من طراز كاسر للتوازن، وربما يكون قد ساهم في تشكل قرار ترامب بالانسحاب من الحرب الأوكرانية. الآن، ربما يتشكل شيء مماثل خلف ستار الأخبار اليومية. لكن، ماذا لو قرر الجميع اختبار أنفسهم في قلب النار؟
كالآتي:
أولاً: اتجاه تحاول فيه روسيا منع اندلاع حرب أميركية-إسرائيلية على إيران. وهي في هذا السياق تراهن على علاقات استراتيجية شاملة مع طهران، وعلاقات متحسنة وبدينامية تفاؤلية مع ترامب. وهذا سيكسبها استقراراً عند حدودها الجنوبية، وفي فضاء القوقاز، وحفاظاً على دولة حليفة، ومنعاً لتكرار تجربة الاضطرار إلى المغامرة بحليف كما حدث في سوريا (رغم أن المغامرة الأميركية في إيران مختلفة تماماً).
ثانياً: ترسل أميركا الأسلحة المطلوبة لتظهير مناخ الحرب إلى "إسرائيل"، لكن الحرب على إيران يمكن أن تخدم مسار الحرب مع الصين. وهنا، يمكن مراجعة تصريحات المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان بتركيز شديد، إذ يقول: "إذا كانت الحرب هي ما تريده الولايات المتحدة، سواء كانت جمركية أم تجارية، أم غير ذلك، فنحن مستعدون لأي نوعٍ من الحرب، وسنقاتل حتى النهاية…"
هذا التصريح بأكمله يمثل سقفاً جديداً للخطاب الصيني. إنه حازم وقوي وشديد التركيز. لكنه أتى بعد ما يشبه إعلان الحرب. فبالأمس، أدخل ترامب حيز التنفيذ الرسوم الجمركية التي أعلنها ضد الصين.
قبل ذلك، أجبر بنما على الانسحاب من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وتبع ذلك فوراً شراء "بلاك روك" الأميركية موانىء بنما من شركات من هونغ كونغ. هكذا باتت أميركا تسيطر على ممر بنما الاستراتيجي المهم.
نعود إلى الممرات الأخرى. الضغط على إيران يستهدف هرمز وباب المندب وصناعة الطاقة التي تستفيد منها الصين، من إيران ودول الخليج. والضغط في الاتجاه الآخر على مصر، يطوق قناة السويس، من باب مشروع الحل العجيب لغزة: "ريفييرا الشرق الأوسط"، وباستخدام آلة "إسرائيل" وتغوّل نتنياهو.
الحرب الكبرى المقبلة ستكون مع الصين، والحروب الإقليمية يجب أن تخدم هذا المسار بالنسبة إلى أميركا. ولـ"إسرائيل" دور بارز في هذا المسار أيضاً.
لكن، وللمفارقة، فإن الضرورات الاستراتيجية تضع كلاً من إيران، السعودية (انطلاقاً من مصالحهما الكبرى مع الصين وفي سوق الطاقة)، روسيا، سوريا، تركيا، حزب الله، حماس، وقوى أخرى، في موقف متقارب في الحسابات الكبرى.
وذلك على الرغم من كل ما نعرفه عن الخلافات والتباينات في المرحلة الماضية. وفي هذا السياق، تبدو خطوة إلقاء أوجلان وحزبه السلاح، كأنها جاءت بعد تفكير عميق في بقاء شعبه، في منطقة تتلاطم فيها الأمواج وتتكسر الموانىء.