فلسطين وجنوب أفريقيا.. حكاية نضال مشترك ضد الاحتلال والعنصرية

بنيت العلاقة بين جنوب أفريقيا وفلسطين على أساس النضال والتحرير ومقاومة الاستعمار منذ عام 1948، الذي مثل عاماً للنكبة في فلسطين. وفي العام ذاته، نُكبت جنوب أفريقيا بتأسيس المستوطنين البيض نظاماً استيطانياً.

  • فلسطين وجنوب أفريقيا.. حكاية نضال مشترك ضد الاحتلال والعنصرية
    فلسطين وجنوب أفريقيا.. حكاية نضال مشترك ضد الاحتلال والعنصرية

"نحن نعلم جيداً أن حريتنا غير مكتملة من دون حرية الفلسطينيين". بهذه العبارة لرئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا، يمكن تلخيص العلاقة بين البلدين، فجنوب أفريقيا، كما فلسطين، عانت فترة طويلة من نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، وناضلت حتى حققت حريتها بعد 66 عاماً.

من المعروف أن العلاقات بين الدول تُبنى عادة على أساس المصالح العامة. وبحسب وجهة المصالح تكون هذه العلاقات، لكن في حالة جنوب أفريقيا وفلسطين الوضع مختلف، فقد بنيت العلاقة بينهما على أساس النضال والتحرير ومقاومة الاستعمار  منذ عام 1948، الذي مثل عاماً للنكبة في فلسطين. وفي العام ذاته، نُكبت جنوب أفريقيا بتأسيس المستوطنين البيض نظاماً استيطانياً، وادّعوا كذلك أن جنوب أفريقيا، كما فلسطين، أرض خالية من السكان، فكيف بدأت العلاقة بين البلدين؟ وكيف ساهمت جنوب أفريقيا في دعم فلسطين ومساندتها سابقاً؟ وكيف أعلنت الحرب القانونية على الإبادة الإسرائيلية لسكان غزة؟

علاقة مانديلا بفلسطين

  • معانقة بين مانديلا وعرفات (أ رشيف)
    معانقة بين مانديلا وعرفات (أ رشيف)

لا بد من استرجاع بعض الأحداث المهمة التي أسست للعلاقة التاريخية بين جنوب أفريقيا وفلسطين، والتي تكشف عمق هذه العلاقة. أبرز هذه المحطات كانت لحظة معانقة مانديلا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وذلك بعد أيام من إطلاق سراحه من السجن الذي قضى فيه 27 عاماً.

في تقديمه لكتاب بعنوان: "عرفات متى لم يكن هنا"، قال مانديلا: "كنت أتابع نشاطات الرئيس ياسر عرفات من غياهب سجني. وكم أثار اهتمامي بثباته ومثابرته! لقد آمن به شعبه، وسار معه خطوة بخطوة، في السراء كما في الضراء".

ومنذ وصول المناضل الأفريقي إلى سدة الرئاسة عام 1994، أخذ على عاتقه الوقوف بقوة إلى جانب الشعب الفلسطيني، حتى وصل به الأمر إلى زيارة قطاع غزة عام 1999. وقد استقبله الفلسطينيون بصفة البطل الفلسطيني.

بعد عامين من رحيل الزعيم الأفريقي، بعثت عائلة مانديلا رسالة إلى الشعب الفلسطيني جاء فيها: "روح نيلسون مانديلا تقف مع نضالكم العادل، والتضامن مع فلسطين لن يكون عبر الكلمات والخطابات المكتوبة على الورق فقط، إنما سيكون من خلال ترجمة فعلية لقناعتنا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني على الأرض، من خلال المشاركة الفاعلة في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها".

وتابعت الرسالة: "نضال شعب جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الذي قاده الأجداد له تكملة هذا اليوم عنوانها الوقوف في وجه نظام الأبرتهايد الإسرائيلي".

جنوب أفريقيا حاضنة القيادات الفلسطينية

خلقت الحركات المناهضة للاستعمار في النصف الثاني من القرن الماضي فرصة لتضامن الشعوب بين بعضها بعضاً، ما قرب العلاقة بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظمة التحرير الفلسطينية التي مدت يد العون للحزب في نضاله ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

هذا التعاون لم يكن وقفاً على منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، بل انخرطت فيه حركة حماس أيضاً، فقد بدأت علاقات الحركة مع جنوب أفريقيا عام 1995 من خلال لجنة في السودان تابعة للدائرة السياسية للحركة برئاسة موسى أبو مرزوق، أول رئيس للمكتب السياسي للحركة، ثم نائب رئيسها منذ 1995، وكان التواصل بين الحركة والمجتمع الجنوب أفريقي يتم من خلال مؤسسة القدس.

ووفق ما يروي أبو مرزوق في مذكراته "ذكريات اللجوء والغربة وسنوات النضال"، فقد "قامت العلاقات على مستوى دبلوماسيي جنوب أفريقيا في المنطقة، على رأسهم محمد دانغور سفير جنوب أفريقيا في دمشق، وكذلك على مستوى الاتصال بالجالية المسلمة في جنوب أفريقيا، وعلى رأسها مولانا إحسان هندركس وإبراهيم جبرائيل ومرشد ديفيز".

وذكر أبو مرزوق أنّه اتصل بالملحق الأمني في سفارة جنوب أفريقيا في عمان محاولاً ترتيب زيارة للشيخ أحمد ياسين لجنوب أفريقيا.

عام 2009، التقى رئيس المكتب السياسي للحركة حينها خالد مشعل خاليما موتلانتي، نائب رئيس جنوب أفريقيا، في دمشق، وتكلل اللقاء بمؤتمر صحافي مشترك، فاتحاً الطريق أمام بناء علاقة رسمية بين الحركة والحزب الحاكم في جنوب أفريقيا.

وبالفعل، كانت هناك لقاءات وزيارات كثيرة بعد هذه المرحلة، إذ زار قياديون من حماس جنوب أفريقيا، كوفد الحركة الذي يرأسه محمد نزال وأسامة حمدان، والذي زار كيب تاون، إضافة إلى لقاء محمد صوالحة رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة لجنة رئاسية جنوب أفريقية عام 2014، كما زار خالد مشعل جنوب أفريقيا عام 2015، والتقى رئيس الدولة جاكوب زوما، ووقَّع مذكرة تعاون مشتركة.

وبحسب ما ورد في مذكرات أبو مرزوق، فقد نجحت الحركة بالانفتاح على مختلف مفاصل النظام السياسي في جنوب أفريقيا، وتأسيس مؤسسة "afropal"، لتكون واجهة للعمل المشترك.

واعتبر أبو مرزوق في كتابه أن الحركة نجحت في تحقيق عدد من الإنجازات، أهمها القيام بحملة ضغط على نحو 10 دول أفريقية لمنع حضورها مؤتمر توغو (أفريقيا- إسرائيل)، إذ تم التنسيق معهم في الخطوات المشتركة والمطلوبة لمنع قيامه، وكان لهم جهد سياسي مقدر. 

كما تم العمل على نقل التجربة النضالية الجنوب أفريقية للفلسطينيين من خلال اتفاق الطرفين على ذلك، وعقد مؤتمر في بيروت لهذه الغاية، تبعه لقاء الفصائل الفلسطينية في كيب تاون مطلع عام 2016. 

جنوب أفريقيا وقيادة الحرب القانونية ضد "إسرائيل"

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، دعت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور، الحاصلة على وسام "نجمة القدس الكبرى" عام 2022، إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى الإمدادات الطبية، كما حثت الملايين على القيام بدورهم بالتبرع بالمساعدات.

وخلال مؤتمر عقد في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، شددت ناليدي باندور على رفض بلادها القاطع لأن تصبح "إسرائيل" مراقباً في الاتحاد الأفريقي، مؤكدة أن "جنوب أفريقيا لن تقبل بهذا الدور أبداً"، وذلك على غرار رفضها الدعوة التي قدمها الاتحاد عام 2021.

بعد ذلك، تقدمت جنوب أفريقيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية لرفع دعوى ضد "إسرائيل" بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة. حينها، استنفرت "إسرائيل" دبلوماسييها لتشويه صورة جنوب أفريقيا، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنّ "جنوب أفريقيا تؤدي دور الذراع القضائية في خدمة حركة حماس".

اقرأ أيضاً: من هي عديلة هاشم الجنوب أفريقية التي فضحت جرائم "إسرائيل"؟

أما رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، فقد عبّر بشكل مطلق عن دعمه لغزة، ونشر مقطع فيديو عبر حسابه بمنصة "إكس" أظهر ارتداءه الكوفية الفلسطينية وحمله عَلم دولة فلسطين، وأرفق الفيديو بجملة: "نتعهد بالتضامن مع شعب فلسطين.. فلسطين حرة". 

وأشار الحزب الحاكم إلى أنّ "أعضاء المؤتمر حرصوا على ارتداء ملابس سوداء ووضع الكوفية الفلسطينية".

ومنذ أيام، استضافت جنوب أفريقيا مؤتمراً عالمياً لمناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي، وهو المؤتمر الأول دولياً الذي دعا إلى إطلاق حركة عالمية من أجل تفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي.

وقال رئيس المؤتمر فرانك شيكاني إنّ "الشعب الفلسطيني يواجه هجمة إبادة جماعية من جانب نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على نطاق غير مسبوق".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.