حصاد حرب الجنجويد في السودان

خلّفت الحرب في السودان دماراً شاملاً، وأعادته عقوداً إلى الوراء، حيث شملت آثارها كل مجالات الحياة، وطالت بدمار كبير البنى التحتية، وشردت الملاييين من بيوتهم وقراهم ومدنهم، وعرضتهم لأبشع أنواع الانتهاكات.

  • حصاد حرب الجنجويد في السودان
    حصاد حرب الجنجويد في السودان

مضى العام الأول من الحرب المنسية والصامتة في السودان، بين قوات "الدعم السريع" برئاسة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والجيش بقيادة القائد الأعلى للجيش عبد الفتاح البرهان. حرب كانت من أعنف الحروب الأفريقية وأقساها، اذ خلّفت وراءها أكثر من 17 ألف قتيل، وأحدثت دماراً اقتصادياً قدّرت خسائره بمليارات الدولارات، كما أوجدت وضعاً إنسانياً وصف بأنه من الأوضاع الأكثر مأساوية في العالم.

كيف بدأت الحرب؟ 

هذه الحرب ليست وليدة اليوم، إنما هي تراكمات وتحديات واجهها السودان منذ استقلاله في الأول من كانون الثاني/يناير من عام 1956، ألقت تلك التراكمات بظلالها على ماضيه وحاضره واليوم تلقي بظلالها على مستقبله. فالحرب التي نشبت في 15 نيسان/أبريل العام الماضي، لم تكن حدثاً مفاجئاً إنما كانت دخولاً جديداً في نفق مظلم.

لم تفاجئ الحرب السودانيين، لكنها فجعتهم. لقد كانت الحرب خطة بديلة لخطة رئيسة، بدأ الإعداد لها مع بداية الفترة الانتقالية في عام 2019، فخلال هذه الفترة تمت زيادة أعداد قوات الدعم السريع من 17 ألف جندي إلى أكثر من 140 ألف جندي، وتم رفع قدراتها القتالية عبر التدريب الذي وفّرته دول وشركات أجنبية، وعبر تطوير تسليحها تطويراً كبيراً من خلال رعاية غربية-إسرائيلية كما أشار إلى ذلك ساسة وكتّاب سودانيون، وبتمويل وإشراف إماراتي كما قالت الحكومة السودانية على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة وعلى لسان الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام وعضو مجلس السيادة.

بدأت الحرب عملياً حين سعى الغرب ممثّلاً في رئيس البعثة الأممية للسوداني، الألماني فولكر بيرتس، والآلية الرباعية التي تتشكّل من أميركا وبريطانيا والإمارات والسعودية بفرض دستور انتقالي جديد واتفاق شراكة بين تحالف الحرية والتغيير المعروف بـــــ"قحت" وقادة الجيش، عرف بالاتفاق الإطاري، وقد أفشل رفض المجتمع السوداني ممثّلاً في منظوماته السياسية والاجتماعية فرض هذا الاتفاق وذلك الدستور الانتقالي، وقد رفض الجيش كمؤسسة هاتين الوثيقتين كذلك، لأنه -كما المجتمع السوداني- رأى فيهما تمكيناً للخارج من الهيمنة على السودان والسيطرة عليه، وإعادته مرة أخرى إلى قبضة الاستعمار الغربي من خلال شراكة محلية يمثّلها الدعم السريع وتحالف الحرية والتغيير "قحت".

وقد أثارت حفيظة المؤسسة العسكرية نصوصٌ في الوثيقتين (الدستور الانتقالي الجديد والاتفاق الإطاري) تنال من وحدة السودان وهويته وسيادته واستقلاله الوطني، ونصوص أخرى تجعل من الدعم السريع جيشاً مستقلاً موازياً للمؤسسة العسكرية وخارجة عن نطاق إمرتها.

وبعد فشل قائد الجيش في إخضاع مؤسسة الجيش والمجتمع لحكم الدستور الانتقالي الجديد والاتفاق الإطاري، هدّد قادة تحالف الحرية والتغيير "قحت" الشعب السوداني بالحرب، وخيّروه بين الموافقة على هاتين الوثيقتين وبين الحرب.

وحين تعذّر على رئيس البعثة الأممية والآلية الرباعية بقيادة أميركا فرض الوثيقتين كوثائق حاكمة، وفشلوا في فرض تحالف الحرية والتغيير حكّاماً للسودان من دون تفويض شعبي وانتخاب، لجأ الخارج إلى الحرب كخيار بديل عن الخيار السياسي الدستوري، وهنا تحرّكت قوات الدعم السريع من دارفور إلى قاعدة مروي العسكرية الواقعة في شمال السودان واحتلتها في 13 نيسان/أبريل 2023، وأسرت عدداً من ضباط الجيش المصري الذين كانوا في هذه القاعدة التي تعدّ مركزاً من مراكز التعاون العسكري السوداني المصري، وقد سبق ذلك دخول قوات كبيرة من الدعم السريع إلى الخرطوم مجهّزة بعتادها الحربي.

لقد أثار دخول هذه القوات إلى الخرطوم ومروي من دون إذن المؤسسة العسكرية حفيظة الجيش والمنظومات السياسية الوطنية التي أدركت مخاطر هذا الأمر وسعت إلى تهدئة الأمور والعمل على إيجاد معالجة سلمية له، لكنها تفأجأت كما تفاجأ الشعب السوداني صبيحة يوم 15 نيسان/أبريل بحصار قوات الدعم السريع لمقر إقامة قائد الجيش رئيس مجلس السيادة، ومقر قيادة الجيش، وسعي تلك القوات للقبض على هؤلاء القادة أو قتلهم، وتمثّلت المفاجأة الثانية في احتلال قوات الدعم السريع لكثير من المقار السيادية التي كانت تقوم بحراستها، مثل القصر الجمهوري ومجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والمالية والإعلام، واحتلالها لمطار الخرطوم الذي شرعت فور دخولها إليه بحرقه وتدميره.

أهداف الحرب

في أول ظهور له صباح يوم السبت 15 نيسان/أبريل، أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، أن الهدف من العملية العسكرية هو القبض على قادة الجيش، وفرض الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي الجديد، ومع نهاية الشهر الأول للحرب أعلنت قوات الدعم السريع أن هدف الحرب الرئيس هو وضع نهاية لدولة 1956، التي تأسست بعد استقلال السودان من خلال التوافق الوطني بين أبناء السودان كافة، ما يعني بوضوح أن الحرب تهدف إلى طي صفحة الاستقلال الوطني، وإنهاء سيادة السودان على أرضه، كما يعني وبشكل واضح أن جغرافية السودان التي كرّستها دولة الاستقلال عام 1956 هي عُرضة للتقسيم، وهو ما تكشّف خلال شهور الحرب الأخيرة خاصة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على 4 ولايات من إقليم دارفور من أصل 5 ولايات. 

دور "قحت" في الحرب وعلاقتها بقوات الدعم السريع

بشرح مفصّل تحدّث السياسي والاقتصادي الدكتور عبد الوهاب أحمد سعد في حديث للميادين نت عن علاقة "قحت" بقوات الدعم السريع. وقال إنّ "ثمة مصالح سياسية بين الطرفين، جعلت من تحالف الحرية والتغيير حاضنة سياسية لقوات الدعم السريع، وإنّ التنسيق بين الطرفين على أعلى الدرجات قبل وأثناء الحرب"، مشيراً إلى أنّ "الطرفين تربطهما مرجعية خارجية واحدة، ويجمع بينهما تنسيق، وتطابق في وجهات النظر، وطريقة تفكير واحدة، وهذا الذي أوصل السودان إلى مرحلة الحرب". وأشار سعد إلى أن التنسيق المحكم بين قحت والدعم السريع جعل الأولى على علم تام بتفاصيل الحرب التي يعتزم الثاني إشعالها، وأن قحت كانت لها مساهمات في الحرب قبل وأثناء اندلاعها".

ووفق سعد فإنّ "الحرب هي عبارة عن انقلاب سياسي فاشل، وهذا الانقلاب كان مدعوماً بـ 140 ألف مقاتل، تمّ تجميع عشرات الأولوف منهم من دول غرب أفريقيا، وأكد أن الحرب قد تمّ توفير احتياجاتها اللوجيستية من الخارج بالكامل، وقام الخارج بتقسيم الأدوار بين قحت والدعم السريع، لتتولى الأولى مهمة الأدوار والخطاب السياسي وبعض الأدوار الأمنية، وتتولى قوات الدعم السريع مهمة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح".

وبحسب سعد فإنّ "الشعار الذي ترفعه الحرية والتغيير (قحت) كلما تقدّمت القوات المسلحة وحاصرت الدعم السريع هو (لا للحرب). لذلك فإنّ قحت تبذل جهوداً كبيرة لوقف الحرب حين يحقّق الجيش تقدّماً على الميدان لتنقذ ما تبقّى من قوات الدعم السريع، التي هي محاصرة اليوم أمام القوات المسلحة وأمام هبّة الشعب السوداني فيما يعرف بالمقاومة الشعبية، والتي شكّلها المجتمع السوداني للمساهمة في دحر قوات الدعم السريع التي بدورها دخلت بيوت الناس وانتهكت الأعراض وسلبت الممتلكات ونهبت الدوائر الحكومة". وفي سياق حديثه، قال عبد الوهاب إن "التدمير كان بالدرجة الأولى للهوية السودانية بهدف إعادة بناء هوية جديدة". وبحسب تعبير سعد، فإنّ تحالف الحرية والتغيير "قحت" يأمل في العودة إلى السلطة عبر بندقية الدعم السريع.

وفي تطوير للعلاقة القائمة بينها وبين الدعم السريع، وقّعت "تقدم" (الاسم الجديد لتحالف الحرية والتغيير - قحت) اتفاقاً مع "الدعم السريع" في أديس أبابا، في 3 كانون الثاني/يناير الماضي، عزز من علاقات الطرفين وعبّر وعن توجهاتهما المشتركة، وأكدّ على ضرورة تشكيل إدارات مدنية تتولى السلطة في المناطق التي سيطرت عليها "الدعم السريع"، وقد تم تنفيذ ذلك في دارفور وولاية الجزيرة، وتم تعيين بعض منسوبي (قحت/تقدم) في هذه الادارات، الأمر الذي يؤشر إلى اتجاه يتنامي عند الطرفين لاستنساخ الحالة الليبية في السودان، من خلال تكريس عزل تلك المناطق عن السودان، الأمر الذي يمهد لفصلها عنه.

التدخلات الخارجية 

بدأ التدخّل الخارجي يظهر على سطح المشهد السوداني بشكل سافر قبيل التغيير الذي أطاح بنظام الرئيس عمر البشير في 11نيسان/أبريل 2019، وتجلّى ذلك في الرعاية المكشوفة للدول الغربية وحليفاتها الخليجية في الحملات الإعلامية الكثيفة التي قامت بها قنوات فضائية خليجية ومراكز إعلامية في عواصم ومدن غربية تبنت خطاباً تعبوياً ساعد بقدر كبير في تعبئة الرأي العام ضد نظام البشير، وتطوّر حضور وانكشاف التدخّل الخارجي إبان اعتصام المتظاهرين أمام قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، إذ ظل ميدان الاعتصام قبلة للسفراء والدبلوماسيين الغربيين.

وكان عرفان صديق سفير بريطانيا في السودان كثير الحضور في هذا الميدان، بل كان يؤمّ بعض الشباب في صلواتهم داخل ميدان الاعتصام، وعكست أحزاب وقوى سياسية ورموز إعلامية حجم الحضور الدبلوماسي الغربي في أوساط الشباب إبان فترة الاعتصام، وقد صاحب ذلك تردّد قادة تحالف الحرية والتغيير "قحت" على السفارات الغربية وسفارتي الإمارات والسعودية، وقد أقرّ جعفر حسن القيادي في هذا التحالف في ندوة متلفزة بعلاقة "قحت" مع السفارات، مؤكداً حرص تحالفه على هذه الصلة وتلك العلاقة.

وبحسب الباحث السياسي د. أحمد المبارك، فإنّ مقر إقامة السفيرين الإمارتي والسعودي أصبحا مقرّين معلنين للإدارة السياسية للعملية السياسية في السودان، منذ بداية التغيير في نيسان/أبريل 2019، وأصبحا مزاراً دائماً لقادة "قحت" وبعض شركائهم العسكريين، وقد بلغ التدخّل الخارجي بحسب المبارك، أعلى درجات الانكشاف والخطر حين فرضت السفارات الغربية والخليجية اتفاقاً سياسياً بين "قحت" والقادة العسكريين، وفرضت معه دستوراً انتقالياً حذفت منه اللغة العربية كلغة رسمية للدولة، في سابقة ترمز للتغييرات الجوهرية المراد فرضها على السودان. 

يقول المبارك، إنه وبموجب اتفاق الشراكة السياسية والوثيقة الدستورية لعام 2019 تأسست شراكة بين "قحت" والقادة العسكريين احتكرت لهما السلطة الانتقالية، واستمرت تلك الشراكة لنحو 3 سنوات انقطعت بإجراءات 25 تشرين الأول/أكتوبر التي فضّت هذه الشراكة، والتي حاول الغرب بمساعدة الإمارات والسعودية إعادتها مرة أخرى من خلال الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي الجديد.

لقد كانت بعثة الأمم المتحدة إلى السودان واحدة من أبرز تمثّلات التدخّل الخارجي في السودان، فقد أعلن عرفان صديق سفير بريطانيا في السودان أنه قد أعدّ مذكّرة باسم رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك مرسلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطالب فيها بإنشاء بعثة أممية خاصة بالسودان تغطي ولايتها كل جغرافيا السودان، ويمتد أمدها حتى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في عام 2030، وأن تضطلع هذه البعثة بمهام رئيسة تتمثّل في تفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بنائها على نحو جديد، بما في ذلك الجيش والشرطة والأمن والقضاء والنيابة وسائر مؤسسات الخدمة المدنية، وأن تعد دستوراً دائماً للبلاد، وأن تعيد هندسة الأسس الثقافية والقيمية والهوياتية على أسس جديدة، وأن تضع الأسس الكفيلة بصناعة مستقبل جديد للسودان بعيداً عن منطلقاته وتوجّهاته التاريخية.

ثم تجلّى الاختراق الخارجي للسودان في تنافس شركاء السلطة الانتقالية المدنيين والعسكريين على موضوع التطبيع مع "إسرائيل"، وقد سبق الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش شركاءه المدنيين في الجولة الأولى من سباق التطبيع وعقد لقاءً مع نتنياهو في يوغندا، وتفوّق المدنيون على البرهان في الجولة الثانية حين بادر مجلس وزراء الحرية والتغيير "قحت" برئاسة عبد الله حمدوك إلى إلغاء قانون مقاطعة "إسرائيل" لعام 1958، ثم وقّع وزير العدل على الاتفاق الإبراهيمي بتفويض من مجلس الوزراء المدني، وعزز المجلس تقدّمه هذا من خلال تعديل المناهج الدراسية لتتسق مع مشروع التطبيع، ثم مشاركة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في القمة الرباعية التي جمعته والبرهان مع الرئيس الأميركي ترامب ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ثم فتح هيئة التصنيع العسكري السوداني التي تصنع الطائرات والمسيّرات والدبابات والصواريخ الذكية والمدافع وجميع أنواع الأسلحة الخفيفة والذخائر أمام الخبراء الإسرائيليين، ثم الاستجابة للطلب الإسرائيلي الأميركي بوقف إنتاج المصانع السودانية التي حقّقت للسودان اكتفاءً ذاتياً من الأسلحة والمعدات العسكرية ومكّنته من تحقيق عائد مالي يقدّر بنحو 2 مليار دولار سنوياً من عائد بيع المنتجات العسكرية التي وضعت السودان في المرتبة الثانية على المستوى الأفريقي بعد جنوب أفريقيا، والأولى عربياً.

نتائج وتداعيات الحرب 

خلّفت الحرب دماراً شاملاً في السودان، وأعادت السودان عقوداً إلى الوراء، وقد شملت آثار الحرب كل مجالات الحياة، وطالت بدمار كبير البنى التحتية، وشرّدت ملايين السودانيين من بيوتهم وقراهم ومدنهم، وعرّضتهم لأبشع أنواع الانتهاكات، وأفقرت شريحة واسعة جداً من سكان وسط وجنوب وشمال وشرق السودان، وحرمتهم من الخدمات كافة مثل الطبابة والتعليم، بل طالت حقهم في الحرية والكرامة الإنسانية.

لقد شرّدت قوات الدعم السريع نحو 8 ملايين مواطن من ولاية الخرطوم، و5 ملايين من ولاية الجزيرة، ومثلهم من ولايات دارفور، وأصبح 40% من سكان السودان بين نازح داخل السودان أو لاجئ خارجه، وقد صاحب عملية التشريد تلك توطين مُهجّرين جاءت بهم قوات الدعم السريع من دول غرب أفريقيا ليستوطنوا في السودان في سياق عملية تغيير ديموغرافي كالتي حدثت في فلسطين منذ أن فرضت مجموعات الهاجانا والأرغون على الفلسطينيين الخروج من مساكنهم وأراضيهم واستجلبت مستوطنين من عدد من دول العالم.

كما صاحبت عمليات تهجير السكان الأصليين عمليات قتل ممنهج، وتصفيات عرقية كالتي حدثت لرجال وشباب قبيلة المساليت التي ينحدر منها الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري، وصاحبتها كذلك عمليات نهب لكل ممتلكات المواطنيين من أموال ومنقولات، وترافق مع التهجير عمليات اغتصاب للنساء، فضلاً عن نهب الأسواق والمناطق الصناعية والمتاجر داخل الأحياء، ثم حرق الأسواق وتدمير المصانع التي يصعب على قوات الدعم السريع نقلها إلى دارفور ومنها إلى تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، غير أن أكبر العمليات الإجرامية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع هي دفن شباب قبيلة المساليت في دارفور أحياء بسبب تصنيفهم كقبيلة أفريقية غير عربية.

وصاحبت هذه العملية، عمليات اعتقال واسعة، حيث بلغ عدد المعتقلين في سجون الدعم السريع أكثر من 50 ألف معتقل، ورصدت منظمات حقوقية أكثر من 1100 حالة اختفاء قسري، ومئات من النساء المختطفات اللاتي عُرض بعضهن في أسواق في دارفور ودول غرب أفريقيا للبيع، في استدعاء غريب لأسواق النخاسة وبيع البشر.

وعلى صعيد الخدمات، فقد احتلّت قوات الدعم السريع نحو 95% من المؤسسات الصحية في ولاية الخرطوم (نحو 624 مستشفى ومركزاً صحياً ووحدة علاجية)، وحوّلت أغلبها إلى مقار لقواتها، وأبقت بعضها لعلاج جرحاها وبشكل حصري، الأمر الذي حرم المواطنيين الذين لم يتمكّنوا من الخروج من ولاية الخرطوم من الخدمات الطبية، وتكرّر هذا الأمر في ولاية الجزيرة، وفي 4 ولايات بدارفور.

قامت قوات الدعم السريع كذلك، بالسيطرة على محطات إنتاج المياه بولاية الخرطوم، ودمّرت معظم هذه المحطات، وحرمت الناس من الحصول على مياه الشرب، وكرّرت الأمر عينه في محطات إنتاج وتوزيع الكهرباء، ومقاسم شركات الهاتف السيار والثابت، فانعدمت خدمات المياه والكهرباء والاتصال في الخرطوم والجزيرة ودارفور، وهو الأمر الذي قام به الصهاينة في غزة.

لقد طال الدمار المؤسسات التعليمية في جميع الولايات التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، فدمّرت نحو 100 جامعة من أصل 130 جامعة، ودمّرت معامل هذه الجامعات، ومكتباتها، ومراكز بياناتها الأكاديمية، وطال التدمير المقصود المكاتب وقاعات الدراسة، وتكرّر هذا الدمار في المدارس كذلك، فحرم نحو 3 ملايين طالب جامعي من الدراسة، وحرم أكثر من 10 ملايين طالب وتلميذ من الدراسة في جميع المراحل الدراسية التي تسبق الدراسة الجامعية.

طالت عمليات التدمير المتعمّد من قبل قوات الدعم السريع جميع المراكز البحثية المتعلقة بالبحوث الزراعية والصناعية، ومراكز بحوث الطاقة والنفط، ومراكز البحوث العلمية الأخرى، كما طال التدمير 8 متاحف تحتوي على آثار تعود إلى حضارة كوش في حقبها المختلفة التي تعد من أولى الحضارات الإنسانية، وطال التدمير كذلك دار الوثائق القومية التي تحتفظ بوثائق تاريخية خاصة بالسودان ودول الجوار يعود تاريخ بعضها لآلاف السنيين كذلك، ولم تسلم مكتبة وأرشيف الإذاعة والتلفزيون الرسمي والخاص من الدمار في عمل يستهدف محو الذاكرة الوطنية، علماً بأن الدمار طال أيضاً سجلات الأراضي والعقارات والسجل المدني والسجلات الحكومية الأخرى.

طال الدمار القطاع الاقتصادي بأكمله، حيث نهبت قوات الدعم السريع جميع المصارف بالخرطوم والجزيرة ودارفور، ونهبت أموال البنك المركزي واحتياطي السودان من الذهب، ودمّرت آبار وأنابيب البترول، ومصفاة الجيلي بالخرطوم، ودمّرت 10 مناطق صناعية في الخرطوم، كما دمّرت المناطق الصناعية في الولايات التي سيطرت عليها، وأخرجت 85% من المصانع عن الخدمة، ودمّرت البنية التحتية لمشروع الجزيرة الزراعي الذي يعتبر عماد الأمن الغذائي في السودان، كما دمّرت هذه القوات مطار الخرطوم وأحرقت 28 طائرة فأثّرت سلباً وبشكل كبير على قطاع الطيران، ودمّرت مصفاة الذهب ونهبت 2 طن من الذهب كانت جاهزة للتصدير، وفقدت الدولة والقطاع الخاص الموارد التي كانت تحقّقها المؤسسات والمشروعات الاقتصادية المختلفة، وأثّر كل ذلك على حياة الناس وعلى سعر العملة الوطنية التي انخفضت من 600 جنيه مقابل الدولار إلى 1400 جنيه، وتوقّفت الحياة الاقتصادية وأصبحت حياة الناس ضرباً من ضروب العذاب والبؤس والحرمان.

منتصف نيسان/أبريل تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.