ترامب بين الحرب على المهاجرين والحاجة إليهم في الجيش الأميركي
مشروع ترامب الضخم لترحيل اللاجئين، بدأ بإثارة عاصفة من الانتقادات، فضلاً عن أنه سيواجه العديد من التحدّيات والصعوبات، خصوصاً وأنّ المهاجرين لطالموا شكّلوا الرافعة للجيش الأميركي، مع تضاؤل انضمام الشباب الأميركي لهذه المؤسسة.
-
ترامب بين الحرب على المهاجرين والحاجة إليهم في الجيش الأميركي
لم يتأخّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشروع بتنفيذ خطته القاضية بإبعاد ملايين المهاجرين غير الشرعيّين من الولايات المتحدة، باعتبارها "أكبر عملية ترحيل محلية في التاريخ الأميركي"، بعدما جعل من الهجرة قضية مركزية في حملته الانتخابية، واتخذها حصان طروادة للوصول إلى البيت الأبيض.
من هنا، أعلن ترامب الحرب الكبرى على المهاجرين مستخدماً الإجراءات العقابية - كما فعل مع كولومبيا عندما فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على الصادرات الكولومبية - التي ستخلق اضطرابات جديدة وتنفّر حلفاء وأصدقاء أميركا، وذلك في إثر رفض الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، استقبال مواطني بلاده المرحّلين على متن طائرات عسكرية وهم مقيّدون بالأغلال، مطالباً بمعاملتهم بالكرامة الإنسانية التي يستحقونها.
أما الأهمّ، فهو أنّ هذا المشروع الضخم، بدأ بإثارة عاصفة من الانتقادات، فضلاً عن أنه سيواجه العديد من التحدّيات والصعوبات القانونية والتنفيذية، خصوصاً وأنّ المهاجرين لطالموا شكّلوا الرافعة للجيش الأميركي مع تضاؤل انضمام الشباب الأميركي لهذه المؤسسة.
ترامب والحرب على المهاجرين
فور تنصيبه، وقّع الرئيس الأميركي فوراً ما لا يقلّ عن 10 أوامر وإجراءات تنفيذية تفي بوعوده الانتخابية بشأن عمليات الترحيل الجماعي وتعزيز أمن الحدود، أبرزها: إنهاء حقّ المواطنة التلقائية للأطفال المولودين على الأراضي الأميركية، وإيقاف العمل بالتطبيق الإلكتروني "CBP One" ـــ الذي يعود لفترة ولاية الرئيس السابق جو بايدن ـــ والذي سمح بدخول نحو مليون لاجئ بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة.
كما ألغى ترامب جميع برامج الإفراج المشروط "التصنيفية"، التي سمحت بدخول 30 ألف مهاجر شهرياً عبر المطارات الأميركية، متجاوزين الحدود، قادمين من كوبا وفنزويلا وهايتي ونيكاراغوا.
والأسبوع الماضي، كشفت صحيفة "USA Today" الأميركية أنّ إدارة ترامب اعتقلت أكثر من 8 آلاف مهاجر من قبل عملاء فيدراليين منذ يوم التنصيب، ضمن برنامج أُطلق عليه "عملية الحماية"، وفقاً للأشخاص المطلعين عليه وعلى المراسلات التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز".
ولهذه الغاية، طُلب من مئات العملاء التطوّع والمشاركة في عملية "ما بعد القسم"، التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيّين، للقيام بالمداهمات فيها.
وكانت إدارة الهجرة والجنسية قد نشرت مؤخّراً قائمة تشمل 1.4 مليون مهاجر غير نظامي على جداول الترحيل، تمّ تصنيفهم وفقاً لدولهم الأصلية، ومن بين هؤلاء أكثر من 13 ألف مهاجر عربي.
ليس هذا فحسب، فقد وصل هوس ترامب إلى حدّ إعلانه أنه سيأمر وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الأمن الداخلي بإعداد منشأة لاحتجاز المهاجرين في خليج غوانتانامو، لاستيعاب ما يصل إلى 30 ألف مهاجر.
اقرأ أيضاً: ترامب يبدأ تنفيذ وعده بشأن المهاجرين: إيقاف 538 وترحيل المئات
الإجراءات المتخذة وفئات المهاجرين المعرّضين للترحيل
يخطط ترامب لتوسيع عمليات الترحيل بسرعة وبشكل كبير، خصوصاً في المناطق الداخلية من الولايات المتحدة، إذ يطالب وكالات الهجرة بزيادة حصتها إلى 1,500 اعتقال يومياً للمهاجرين غير المسجّلين.. وتبعاً لذلك، من المرجّح أن تشمل عمليات الإبعاد هذه إجراءات مختلفة، تطال عدداً من الفئات الضعيفة، والتي يمكن إيجازها بالآتي:
أولاً: هناك نحو 4 إلى 5 ملايين شخص يتمتعون بوضع الإفراج المؤقت (TPS) أو لديهم إشعار بالحضور إلى محكمة الهجرة الأميركية سعياً منهم للحصول على اللجوء بعد فرارهم من الاضطهاد السياسي أو الكوارث الإنسانية في بلدانهم الأصلية.
ومن المحتمل أن يُجبر الملايين منهم (نظريّاً على الأقل) على العودة إلى الأوضاع التي فرّوا منها، لأنّ الإدارة الجديدة قد لا توافق على التماساتهم. حتى إنه من المرجّح أن تحاول إلغاء نظام الحماية المؤقتة لنحو 850 ألف فرد يمتلكونه بالفعل.
ثانياً: وجّهت الأوامر لتطبيق سياسة "البقاء في المكسيك" التي تمّ تنفيذها آخر مرة في عام 2019. وهي تقوم على إرغام مواطني أميركا الوسطى والجنوبية الذين يطلبون اللجوء، على الانتظار على الجانب المكسيكي من الحدود الأميركية الجنوبية. إشارة إلى أنّ هذا الإجراء كان قد أُلغي من قبل إدارة بايدن بسبب مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة.
ثالثاً: ستكون فترة السماح الممنوحة لنحو نصف مليون شخص من دول تمزّقها الحروب أو تعاني من عدم استقرار سياسي، مثل هايتي وأوكرانيا وفنزويلا، والبالغة سنتين، معرّضة للخطر. بينما من المحتمل ألا يُسمح لأشخاص جدد بالدخول ضمن هذا البرنامج، وقد يتمّ رفض طلبات اللجوء لأولئك العالقين في المحاكم المزدحمة بقضايا الهجرة في أميركا.
رابعاً: سيحاول الرئيس ترامب مرة أخرى إنهاء برنامج الإجراء المؤجّل للأطفال الوافدين (DACA)، وهو يشمل حماية الآن لأكثر من نصف مليون شاب وشابة جاءوا إلى أميركا وهم أطفال.
خامساً، توجيه الوكالات الحكومية بالتوقّف عن إصدار وثائق المواطنة للأطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة لآباء لا يحملون وضعاً قانونياً.
علاوة على ذلك، من المؤكّد أنّ إدارة ترامب ستتباطأ في تسهيل المسارات القانونية للهجرة، مثل منح تأشيرات الدراسة والعمل للأشخاص القادمين من الصين، وقد تفرض سياسات تجعل من الصعب على المهاجرين الوصول إلى خدمات مثل برنامج Medicaid والتعليم العامّ.
المهاجرون رافعة المؤسسة العسكرية الأميركية
في 15 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي خلال مقابلة مع مجلة "التايم" البريطانية، أنه سيستخدم جيش بلاده إلى أقصى حدٍّ يسمح به القانون لدعم جهود الترحيل الجماعي للمهاجرين. وعندما سُئل عن القانون الأميركي الذي يمنع بشكل عام استخدام الجيش في إنفاذ القانون المحلي، أجاب ترامب: إن الهجرة غير الشرعية ترقى إلى مستوى الغزو الذي يجب إيقافه.
هذا على الصعيد النظري، أما على الأرض، فالواقع مختلف، إذ ثمة أسباب مختلفة يمكن أن تؤدي إلى تعثّر هذا المخطط. أولها، وهو الأغرب، أنّ ترامب ومعه باقي جماعة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً"، يتجاهلون أو يتناسون أن شريحة معتبرة من القوات العسكرية التي يخططون للاعتماد عليها للمشاركة في ترحيل نحو 11.7 مليون مهاجر غير قانوني (على ذمة تقرير وزارة الأمن الداخلي) ستكون من المهاجرين.
زد على ذلك، أنّ 5%، أو واحداً من بين كل 20 فرداً في القوات العسكرية (بحسب مركز التقدّم الأميركي)، لم يولدوا في أميركا، وهذا ليس بالأمر الجديد. فمنذ الحرب الأهلية، خدم مئات الآلاف من المهاجرين في حروب أميركا في كل من فيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا. وأثناء فترة ما يسمّى الحرب على الإرهاب في العام 2001، عجّلت الحكومة الفيدرالية الطريق القانوني لحصول هؤلاء الجنود المهاجرين على الجنسية.
أما ثاني هذه الأسباب، فيتمثّل، بأنّ مجلس الهجرة الأميركي المؤيّد لسياسات ترامب، وجد أن تكلفة ترحيل جميع المهاجرين الذين ليس لديهم وضع قانوني تبلغ ما يقرب من تريليون دولار على مدى أكثر من عقد من الزمن.
اقرأ أيضاً: كيف يعيد ترامب هندسة مستقبل أميركا الديموغرافي؟
أرقام المهاجرين بالجيش الأميركي
كشفت وكالة خدمة المواطنة والهجرة الأميركية أنه منذ عام 2002، قامت بتجنيس أكثر من 187 ألف عضو في الجيش الأميركي، في الداخل والخارج. وقد أقيمت مراسم التجنيس في أكثر من 30 دولة، من ألبانيا إلى الإمارات العربية المتحدة.
ولفتت الوكالة إلى أنه في السنوات الخمس الماضية (أي بين الأعوام 2020-2024)، عمدت إلى تجنيس أكثر من 52 ألفاً من أفراد الخدمة. وأضافت أنه في السنة المالية 2024، جنّست أكثر من 16,290 عضواً في الخدمة، أي بزيادة قدرها 34% عن العام السابق.
وتظهر أحدث البيانات المتاحة من وزارة الدفاع الأميركية أنّ الجيش يضمّ أكثر من 65 ألف مهاجر أو 5% من هم في الخدمة الفعلية. وفي حين تشمل هذه المجموعة المواطنين الأميركيين المجنّسين، ينحدر الجنود المهاجرون من دول مختلفة، تتركّز الخمس الأولى منها في آسيا وأميركا اللاتينية.
ليس هذا فحسب، واستناداً إلى FWD.us (وهي منظمة سياسية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي) هناك ما يقدّر بنحو 700 ألف من المحاربين القدامى المولودين في الخارج يعتبرون أميركا وطنهم.
وبالمثل، تشير أحدث التقديرات الحكومية إلى أنّ نحو 5 آلاف من المقيمين الدائمين القانونيين يتجنّدون بالجيش كل عام. وأيضاً أكثر من 148 ألف مهاجر خدموا وحصلوا على الجنسية عبر الجيش في العشرين عاماً الماضية. واستناداً إلى منظمة FWD.us، أتاحت الخدمة العسكرية في الجيش (على مدار القرن الماضي) الفرصة للحصول على الجنسية الأميركية لأكثر من 760 ألف جندي مهاجر.
المهاجرون: تاريخ من الخدمة بالجيش الأميركي
تاريخيّاً، اعتُبرت الخدمة العسكرية أداة لتعريف المهاجرين بالثقافة الأميركية وأسلوب الحياة. لهذا، أيّد القادة السياسيون في أوائل القرن العشرين الجيش الأميركي باعتباره "مدرسة للأمّة".
وعليه، وخلال الحرب الأهلية الأميركية، كان المهاجرون -معظمهم من الأيرلنديين والألمان- يشكّلون 18% من جيش الاتحاد. وأثناء الحرب العالمية الأولى، حصل أكثر من 192 ألف مهاجر على الجنسية من خلال الخدمة العسكرية، وهو ما يمثّل أكثر من نصف جميع حالات التجنيس في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة. إشارة إلى أنّ الأرقام هنا تعود إلى "مركز التقدّم الأميركي".
ومن عام 1907 إلى عام 2010، تمّ تجنيس أكثر من نصف مليون مهاجر -أكثر من 710 آلاف فرد- من خلال الخدمة العسكرية، وهو ما يمثّل 2.5% من جميع عمليات التجنيس في تلك الفترة، ودائماً وفقاً لمركز التقدّم الأميركي.
في المحصّلة:
في السنوات الأخيرة، انخفض معدّل تجنيس أفراد الخدمة العسكرية بشكل كبير جداً، بنسبة تزيد على 70% في الفترة ما بين الأعوام 2016 إلى 2020. حينها تمّ تجنيس 2588 عضواً فقط في عام 2019، مقارنة بـ 8885 في عام 2016.