انتخابات "الليكود" خطوة نحو الانتخابات العامة؟

إذا نجح نتنياهو في تمكين وضعه الحزبي الداخليّ بسرعة، وأدار ملفَّي التجنيد والموازنة بلا انفجار، وأبقى خصومه منضبطين، فإنّ خيار الانتخابات المبكرة يصبح أداة بيده لا فخّاً له، يستخدمه لابتزاز المعارضة المنقسمة فيما بينها.

  • انتخابات
    انتخابات "الليكود" خطوة نحو الانتخابات العامّة؟

أنهى الكنيست الإسرائيلي عطلته الصيفية وعاد إلى العمل، لكنّ المشهد السياسي الداخلي عند افتتاح الدورة الشتوية (20-10-2025) مغايرٌ للمشهد الذي كان قبل إجازته الصيفية. اليوم عاد الكنيست إلى العمل في لحظة يتمايل فيها الائتلاف الحكومي بين الانفراط والابتزاز، وزعيم سياسي يحاول استثمار الدقائق الأخيرة من حياة حكومته قبل التوجّه إلى صناديق الاقتراع. بنيامين نتنياهو، ثعلب السياسة الإسرائيلية، يُعيد هندسة بيته الحزبي ويحاول تعديل قواعد اللعبة الانتخابية إذا لزم الأمر، لضمان فوز حلفائه اليمينيين في أي انتخابات مبكرة محتملة. حالياً يهيّئ نتنياهو المسرح لاحتمالين متوازيين: انتخابات مبكرة تُفرَض على الجميع، أو مسار "تسكين" يُرحِّل الانتخابات إلى وقتها المحدّد في العام 2026.

افتتاح الدورة الشتوية ليس استئنافاً روتينياً للّجان والجلسات، بل لحظة اختبار للقدرة على استمرار الحكم وسط أزمات داخلية مفتوحة: قانون التجنيد، الموازنة، وتوازنات اليمين بين اليمين الديني واليمين القومي. الحريديم حالياً خارج الحكومة أو على أطرافها مع إبقاء دعمهم للائتلاف الحكومي بما يناسب مصالحهم، و"اليمين المتطرّف" يلوّح بسلاح عدم الانضباط للتصويت للائتلاف في الكنيست. في هذه البيئة، تتحوّل كلّ جلسة عامّة إلى مؤشّر لاحتمال اقتراب الانتخابات: هل سيملك الائتلاف في كلّ جلسة الأصوات الكافية التي يحتاجها لسنّ مشاريع قوانين؟ وهل يستطيع تمرير تشريع واحد من دون دفع ثمن في مكان آخر؟

يعرف نتنياهو أنّ أوّل خطوات التوجّه إلى انتخابات عامّة هو تحصين حزب "الليكود" داخلياً. لذلك طلب من رئيس اللجنة المركزية لحزبه، حاييم كاتس، التحضير لإجراء انتخابات داخلية لاختيار قيادة الحزب (البرايمرز)، حيث تنتهي مهلة الترشيح في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري. هذه الخطوة يريدها نتنياهو لتأكيد سيطرته على قيادة الحزب، ولاختيار ممثّلي المقاعد المحجوزة على لائحة "الليكود" (يصوّت أبناء الحزب على العشرة الأوائل ولكن تكون هناك مقاعد فارغة يعيّن رئيس الحزب من يريد فيها). هذه التفاصيل هي لُبّ السياسة الإسرائيلية؛ إذ إنّ انتخابات "البرايمرز" غير المضبوطة قد تُنتج قائمة "حادّة" تُنفِّر أصحاب الأصوات المتأرجحة وتُقصي وجوهاً مطلوبة لجذب الوسط–اليميني. بالمقابل، إعادةُ توزيع المقاعد المحجوزة تمنح نتنياهو هامشاً لزرع وجوه موالية وضبط التوازنات المناطقية، فتأتي القائمة قابلة للبيع وللحكم معاً. الحرص على تأكيد زعامته لحزب "الليكود" سببه جرس الإنذار الذي دوّى في تموز/يوليو الماضي بفوز دافيد بيتان برئاسة "الليكود العالمي"، ممّا شكّل مؤشّر تهديدٍ لنتنياهو بأنّ المزاج التنظيمي يتحرّك.

حالياً يسرّع نتنياهو إيقاع التوجّه إلى انتخابات مبكرة، وهناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك: الأوّل: أظهرت استطلاعات الرأي تقدّماً في المزاج العامّ لـ"الليكود" بعد صفقة غزة/الأسرى. ثانياً: تزايد هشاشة الائتلاف الحكومي بسبب قانون التجنيد وحالة الابتزاز التي تمارسها الأحزاب الحريدية للحكومة. وأخيراً: الالتفاف على ما تحاول المعارضة فعله من تأليب الرأي العامّ الإسرائيلي ضدّ نتنياهو وائتلافه؛ لذلك فإنّ تبكير الانتخابات يفرض توقيت المعركة على معارضة لا تزال منقسمة حتى الآن.

المشكلات ليست محصورة في المعارضة فحسب، بل إنّ معسكر نتنياهو اليميني يواجه مشكلات خاصة به. إذ يدرس نتنياهو خفض عتبة الحسم الانتخابية من 3.25% واحتمال إعادتها إلى 2% لضمان فوز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وحزبه "الصهيونية الدينية"، وهو ما يعارضه حزب "شاس" حالياً خوفاً من "استنساخ" أحزاب حريدية صغيرة منافسة تُضعف نفوذه.

من السيناريوهات المحتملة التي تفرض الانتخابات المبكرة استمرارُ أزمة الائتلاف، حيث يبقى الحريديم خارج الحكومة، ممّا قد يعطّل التشريعات الكبرى. هنا يُفضّل نتنياهو حلّ الكنيست بنفسه على أن يفعل ذلك أحدُ شركائه في الائتلاف، وذلك بانسحابهم من كتلة اليمين إذا فشل الاتفاق حول قانون التجنيد أو الميزانية.

يسعى نتنياهو لهندسة الانتخابات المقبلة التي أعلن في مقابلة مع "القناة 14" نيّته الترشّح لها؛ لذلك يعمل على تثبيت قيادته لحزب "الليكود"، استثمار اتفاق غزة/الأسرى، وترويجه لما يعتبره "إنجازاً" ضدّ البرنامج النووي الإيراني. أمّا على الصعيد اليميني الداخليّ فيسعى إلى إقناع كلّ من بن غفير وسموتريتش بالاتحاد في قائمة واحدة لمنع تسرّب الأصوات، خاصّةً للحزب الجديد الذي ينوي نفتالي بينت إطلاقه.

أظهرت بعض الاستطلاعات، آخرُها أجرته صحيفة "معاريف"، أنّ "الليكود" يتقدّم إلى 27 مقعداً، وأنّ منافسه الرئيسي بينت يحصل على 24 مقعداً. وتُظهِر الاستطلاعات أنّ الكتلتين، المعارضة والموالية لنتنياهو، لا تملكان أغلبية صافية، وأنّ تشكيل حكومة سيحتاج إلى شريك عربي.

الدورة الشتوية الحالية للكنيست الإسرائيلي هي مجرّد تحضير للانتخابات المقبلة. مشاريع القوانين المقدَّمة والمطروحة حالياً رسائل ودعاية إلى دوائر انتخابية محدّدة. لجنة المالية تصبح منصّة لإرسال إشارات إلى الطبقات المتضرّرة، ولجنة الدستور نافذة لطمأنة أو استفزاز جمهور القضاء، ولجان الأمن والداخلية مسرح لإدارة "الإثبات" على صرامة الحكومة أو "توازنها". لكنّ هذه الحسابات وبحسب صحيفة "معاريف" لن تنعكس إيجاباً على 15,3% من الإسرائيليين الذين صوّتوا لأحزاب الائتلاف الحاكم في الانتخابات السابقة، لأنهم وبحسب استطلاع للرأي سيصوّتون في الانتخابات المقبلة لأحزاب المعارضة.

إذا نجح نتنياهو في تمكين وضعه الحزبي الداخليّ بسرعة، وأدار ملفَّي التجنيد والموازنة بلا انفجار، وأبقى خصومه منضبطين، فإنّ خيار الانتخابات المبكرة يصبح أداة بيده لا فخّاً له، يستخدمه لابتزاز المعارضة المنقسمة فيما بينها.

اقرأ أيضاً: الانتخابات الإسرائيلية 2026: الموعد المقرر واحتمالات الانتخابات المبكرة

اخترنا لك