آلية "السناب باك" سلاح مثير للجدل بشان قانونيته

أوروبا تفعّل آلية "السناب باك" لاستعادة العقوبات الأممية على إيران، لكن الخطوة تواجه معوقات قانونية وسياسية كبيرة بدعم من روسيا والصين. رغم ذلك، تُستخدم الآلية كورقة ضغط سياسية ضمن الصراع الإقليمي والدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني.

  • مجلس الأمن في الأمم المتحدة (أرشيفية)
    مجلس الأمن في الأمم المتحدة (أرشيفية)

تشهد الساحة الدولية جدلًا متصاعدًا حول الخطوة الأوروبية الأخيرة لتفعيل آلية "السناب باك" أو ما يعرف رسميّاً بآلية تسوية النزاعات ضد إيران، وهي الآلية المنصوص عليها في الاتفاق النووي والقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. وتكمن خطورة هذه الخطوة في أنّها قد تعيد جميع العقوبات الأمميّة التي أُلغيت بعد التوصل إلى الاتفاق عام 2015، بما فيها ستّة قرارات أساسية مثل القرار 1929. غير أنّ القراءة المتأنية للأبعاد القانونية والسياسية والاقتصادية تكشف أنّ هذه الآلية أقرب إلى سلاح محدود الأثر، وأن العودة الفعلية للعقوبات تواجه معوقات جدّية على مستوى الشرعية والتنفيذ.

الاتفاق النووي نصّ على آلية داخلية لحل النزاعات بين الأطراف، تتيح لأي طرف يرى إخلالاً بالتعهدات أن يرفع شكوى إلى اللجنة المشتركة، التي تملك مهلة تقارب 30 يوماً لمعالجة الخلاف. وإذا لم يُحلّ، يُحال الأمر إلى مجلس الأمن الذي يمنح بدوره 30 يوماً إضافيّة للتوصل إلى تسوية، أو إعادة فرض العقوبات تلقائيّاً.

لكن القرار 2231 منح الدول الموقعة حقّاً آخر، وهو اللجوء مباشرةً إلى مجلس الأمن من دون المرور باللجنة المشتركة. وقد استندت أوروبا إلى هذا الخيار لتقديم شكوى ضد إيران بدعوى خرق التزاماتها النووية.

أمّا الموقف الإيراني، المدعوم من روسيا والصين، فيرى أنّ الخطوة الأوروبية باطلة قانونيًّا لعدّة أسباب:

منذ انسحاب الولايات المتحدة عام 2018، لم تف أوروبا بتعهداتها في الاتفاق، بل سايرت العقوبات الأميركيّة، وبذلك فقدت الأهلية والحياديّة.
سبق للغربيين أن بدأوا هذا المسار عبر اللجنة المشتركة عام 2020 لكنهم لم يكملوه، ولا يجوز قانونيّاً فتح مسار جديد قبل إنهاء الأوّل.
طهران ترى أيضاً أنّه لم يعد من المنطقي اللجوء إلى آليات الاتفاق النووي بعد الهجوم على المنشآت النووية السلميّة.

وقد سجّلت كلّ من طهران وموسكو وبكين اعتراضاتها رسميّاً لدى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة.

توقيت الخطوة الأوروبية ليس عفويا، فالرئاسة الدوريّة للمجلس تنتقل شهريّاً بين أعضائه الخمسة عشر. حاليّاً تتولاها بنما، يليها كوريا الجنوبية، ثم روسيا في أكتوبر المقبل. الأوروبيون سعوا إلى طرح الملف في فترة رئاسة دولتين متقاربتين معهم سياسيًّا قبل أن تنتقل الرئاسة إلى موسكو، التي قد توقف الإجراءات بالكامل، كما فعلت إندونيسيا عام 2020 عندما رفضت تسلّم طلب أميركي مماثل. هذا يعطي سابقة لمدى تأثير رئاسة المجلس على المسار الإجرائي وإن لم تكن سلطة فيتو.

السيناريو الأكثر إثارة للجدل هو عودة قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 1929 الذي يعد الأشد قسوة. إلا أن التدقيق في النصوص يظهر ما يلي:

جميع القرارات السابقة، بما فيها 1929، صدرت تحت المادة 41 من الفصل السابع، أي عقوبات اقتصاديّة فقط، من دون أي تفويض باستخدام القوة بموجب المادة 42. بل نص القرار صراحةً على منع تفسيره كترخيص لاستخدام القوة.

تفعيل "السناب باك" سيؤثر بالتأكيد على صادرات النفط الإيرانية ولا ينبغي الاستهانة به لكن لا يشمل هذا القرار حظراً على صادرات النفط الإيرانيّة أو على البنك المركزي، إذ إنّ هذه الإجراءات فرضتها واشنطن وبروكسل بشكل منفرد ولا تزال قائمة حتى اليوم. وبالتالي فإن عودة القرارات الأمميّة لن تضيف جديداً جوهريّاً في هذا المجال.

القرار 1929 أتاح للدول تفتيش السفن الإيرانية إذا توفرت معلومات موثوقة عن شحنات محظورة، لكنه لم يلزمها بذلك. والتجربة بين 2010 و2015 أظهرت أن الدول لم تبادر عمليّاً إلى هذه الخطوة.

في الواقع، إنّ العقوبات الأمميّة على إيران بدأت عام 2006 على خلفيّة الخلاف بشأن برنامجها النووي، وشملت مجموعة من الإجراءات أبرزها حظر تصدير واستيراد المواد والتقنيات المرتبطة بتخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ الباليستية. كما تضمنت تجميد أصول عدد من الأفراد والكيانات المرتبطة بالبرنامج النووي أو بحرس الثورة، إلى جانب فرض قيود على سفر بعض المسؤولين الإيرانيين.

في حال عودة القرارات، فإن التنفيذ سيواجه عقبات كبيرة

اللجنة الأمميّة للعقوبات تحتاج إلى ميزانية تُقرّ بالإجماع، وإذا رفضت روسيا أو الصين تمويلها ستواجه مشكلة عمليّاً.

فريق الخبراء المكلف بمراقبة تطبيق العقوبات يُجدّد تفويضه سنويّاً بقرار من المجلس، وهو ما يمكن تعطيله عبر الفيتو. وقد سبق لموسكو أن استخدمت هذا الأسلوب ضد لجنة العقوبات على كوريا الشمالية. هذه الثغرات تجعل العقوبات، في حال عودتها، مجرّدة من كونها أدوات ضغط فعّالة.

ويبدو أنّ أوروبا تدرك محدوديّة فعالية "السناب باك" عمليّاً، لذلك تستخدمه أساساً كأداة ضغط سياسي. فالتهديد بإعادة العقوبات يمنحها ورقة إضافيّة لدفع إيران نحو اتفاق جزئي، أو نحو تمديد القرار 2231 بما يبقي آلية الزناد صالحة لسنوات أخرى.

ورغم أنّ الخطوة أوروبيّة، إلا أن الموقف الأميركي سيظل مؤثّراً في تحديد أثرها العملي، سواء عبر الضغط على الحلفاء أو عبر تفعيل العقوبات الثانوية. وقد تسعى واشنطن إلى استخدام هذه الآلية لإعادة بناء إجماع غربي ضد إيران.

في المقابل، تلوّح إيران بخيارات مضادة، أبرزها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو إجراء يستغرق 90 يومًا منذ تقديم الإشعار، ما يمنحها ورقة ضغط مقابلة. كما تدرس طهران خيار اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للطعن في شرعية الخطوة الأوروبية، مستندة إلى سوابق قضائيّة أعطت للمحكمة دورًا في قضايا متصلة بالأمن الدولي.

ما يجري في مجلس الأمن ليس مجرّد مسألة تقنيّة قانونيّة، بل هو صراع سياسي باستخدام كل أدوات الضغط. أوروبا تسعى إلى استخدام "السناب باك" كورقة تهديد، بينما ترى إيران وروسيا والصين أن الأداة فقدت مشروعيتها وفعاليتها.

وتبرز في هذا السياق أزمة الشرعية داخل مجلس الأمن، حيث تتحول القرارات إلى أدوات سياسيّة أكثر منها أدوات قانونيّة ما يضعف ثقة الدول النامية بالنظام الدولي.

حتى في أسوأ السيناريوهات، أي عودة القرارات الأمميّة، فإن أثرها الاقتصادي والسياسي سيكون محدوداً مقارنة بالعقوبات الأميركيّة والأوروبيّة القائمة أصلاً. لذلك تبقى آلية السناب باك أقرب إلى رمز سياسي في معركة المفاوضات، أكثر من كونها أداة قادرة على تغيير موازين القوى على الأرض. غير أن الخشية الحقيقيّة في طهران تبقى من أن تستغل "إسرائيل" هذا المسار لشنّ عدوان جديد على إيران.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك