"إسرائيل" خسرت الشمال: ضاع الأمل لدى المستوطنين الذين يفكرون في هجرة جماعية
يكشف تقرير إسرائيلي حديث أن أكثر من ربع حالات الضرر في شمال فلسطين المحتلة التي حدثت منذ الثامن من أكتوبر، حدثت في إطار أعمال "الجيش" الإسرائيلي، الذي "تميزت نشاطاته في بداية الحرب بالذعر والفوضى في الميدان".
الواقع الصعب الذي يعيشه مستوطنو شمالي فلسطين المحتلة، وغياب أي أفق لاقتراب الحلول لمشاكلهم الأمنية والاجتماعية والإقتصادية، زادا في حالة اللايقين وفي الشعور باليأس في أوساطهم، ولاسيما أنهم يرون، بأم أعينهم، ارتفاع فرص ضياع عام دراسي جديد على أولادهم، مع إقفال باب العودة إلى المستوطنات قبل الأول من أيلول/سبتمبر المقبل، موعد بدء العام الدراسي الجديد.
وفي هذا السياق، نُشر في "إسرائيل"، خلال اليومين الماضيين، كثير من التقارير المتعلقة بواقع المستوطنين في شمالي فلسطين المحتلة، من عدة نواحٍ، أهمها الأمنية والتربوية والاقتصادية.
أول مخيم للنازحين الإسرائيليين في الشمال
افتتح "لوبي 1701"، مساء الخميس الفائت، أول مخيم للاجئين الإسرائيليين قرب كيبوتس "عميعاد" في الجليل الأعلى، بحسب القناة الـ"13" الإسرائيلية، وصار جاهزاً لاستقبال أي شخص من مستوطني الحدود الشمالية، الذين أُجْلوا عن منازلهم بسبب الحرب.
ويهدف "لوبي 1701"، من خلال هذه الخطوة، إلى إعادة الأمل إلى مستوطني الشمال بعد أن ساءت أوضاعهم في كل الصعد، الأمر الذي عبر عنه رئيس منتدى بلدات خط المواجهة في الشمال، موشيه دافيدوفيتش، في حديث إلى القناة الـ"12" الإسرائيلية، قال فيه "إن الأمر لا يتعلق بالجليل الأعلى فقط، بل بكل سكان خط المواجهة، والذين نفد صبرهم، وباتوا ضائعين، وليس لديهم أي يقين أو أمل، بعد أن خسرت إسرائيل الشمال".
وأضاف دافيديوفيتش أن ما يحدث في الشمال ليس لعبة كرة الطاولة (تبادل ضربات)، بل إن حزب الله فقط يضرب منذ 7 أشهر، ونحن نردّ، والنتيجة أن الشمال صار منطقة مهجورة مع 70 ألف نازح، الأمر الذي يمثّل "هجرة جماعية لمواطنين يعلنون يومياً أنّهم لن يعودوا إلى الشمال".
من جهته، رأى رئيس المجلس المحلي في "مفؤوت حرمون"، بيني بن فخار، في حديث إلى القناة الـ"12" أيضاً، أن "الأمور خرجت عن السيطرة، بحيث إن السكان في الشمال لم يعودوا يصدقون المسؤولين". ونقل مراسل قناة "كان"، في الشمال، روبي همرشلاغ، واقع الحياة التي يعيشها سكان الشمال، وفقاً لمشاهداته، فقال إنهم "يشعرون منذ فترة طويلة بأنهم متروكون".
وتطرّق مدير الأبحاث في مركز "علما" لدراسة التحديات الأمنية في الساحة الشمالية، طال بيري، في حديث له إلى صحيفة "معاريف"، إلى الواقع في شمال فلسطين المحتلة، وقال إن "الشعور السائد بين السكان هو أنه لا توجد مبادرة من جانب إسرائيل، بل رد فقط، وحزب الله هو من يبادر، بينما في الجانب الإسرائيلي لا توجد أي استعدادات أو نشاط خاص لمنعه".
وفي دليل إضافي على الفوضى السائدة في الشمال، أعد مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الشمال، يائير كراوس، تقريراً عن قرية في شمالي "إسرائيل"، يسكنها مسيحيون، تُدعى "غوش حالاف"، لا تلقى المعاملة ذاتها كسائر القرى والمدن (اليهودية)، لجهة المساعدات والميزانيات، على الرغم من أنها تبعد فقط 3 كيلومترات عن الحدود.
وأشار كراوس، في تقريره، إلى أنه "لسبب غير واضح"، تم حذف اسم القرية من قائمة البلدات التي تبعد 5 كيلومترات عن الحدود اللبنانية، في خطة العمل الحكومية، لإجلاء السكان. ونتيجة لذلك، لا تعترف بها أي وزارة حكومية أو مؤسسات اقتصادية كبلدة يحق لها الحصول على المزايا والمساعدات التي يتلقاها نحو 100 ألف من سكان المنطقة.
ونقل كراوس، عن رئيس المجلس المحلي "غوش حالاف"، امتعاضه من أن السلطات الإسرائيلية لا تفعل أي شيء لمصلحة سكان القرية، البالغ عددهم 3 آلاف نسمة، بل تتجاهل وجودهم، وأبقتهم "دروعاً بشرية بالقرب من قوات المدفعية (في الجيش الإسرائيلي)". ولفت رئيس المجلس المحلي إلى أنه على الرغم من أن "جبل ميرون قريب من القرية، وكل شيء يمر فوقها، فإن "هذه القرية لا تتعرض لنيران من لبنان، فقط بفضل قرار حزب الله عدم إطلاق النار مباشرة على منازل البلدات، التي لم يتم إخلاؤها".
مستوطنو الشمال سيبقون نازحين حتى نهاية العام
أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في تقرير آخر، أعده إيريز ليفشيتس كليغر، إلى أن الواقع الحالي لمستوطني الشمال سيستمر حتى نهاية عام 2024 (على أقل تقدير)، بعد أن اتضح، من الخطط، أنه يوجد استعداد لاستمرار الإخلاء على الأقل حتى نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر، وفقاً لنائب المدير العام للموارد البشرية في وزارة السياحة، ألون شيمر، المسؤول منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر عن مشروع الإخلاء والاهتمام بشؤون النازحين، والذي قال إنه يوجد سعي حكومي لمواصلة التعاقد مع الفنادق حتى نهاية العام الحالي.
ولفت إلى أن 25 ألف نازح لا يزالون في فنادق (نحو 5800 من الجنوب، ونحو 19200 من الشمال)، و93 ألف نازح لا يزالون في شقق مستأجَرة (نحو 52 ألفاً من الجنوب، ونحو 41 ألفاً من الشمال).
وأضاف شيمر أنه يوجد أيضاً استعداد "لإجلاء سكان إضافيين عن الشمال"، لافتاً إلى أن التكلفة العامة لمشروع إيواء النازحين تُقدَّر، حتى شهر نيسان/أبريل الماضي، بمبلغ ضخم يقارب 6 مليارات شيكل (ملياراً و600 مليون دولار)، بحيث دفعت وزارة السياحة إلى الفنادق ما يقارب 3.9 مليارات شيكل حتى شهر نيسان/أبريل، ودفعت إلى أصحاب الشقق المستأجرة نحو 1.9 مليار شيكل.
وفي سياق متصل، كشف تقرير في "يديعوت أحرونوت" أن المسؤولين في وزارة السياحة يحققون في قضية احتيال، في هذه الأيام، تقاضى بموجبها أصحاب شقق من الحكومة، عن طريق الاحتيال، أموالاً بقيمة 150 مليون شيكل نتيجة تضخيم تقارير التكلفة الحقيقة لاستضافة نازحين.
"الجيش" الإسرائيلي يُلحق الضرر بمستوطني الشمال
أيضاً، أفاد مراسل الشؤون الاقتصادية في موقع "كالكاليتس" الإسرائيلي، يوفال أزولاي، أنه وفق معطيات حديثة لدى إدارة "أوفك" (المسؤولة عن شؤون الشمال) التابعة لوزارة الأمن، نُشرت أمس الخميس، 23 أيار/مايو، 2024، تبيّن أن مستوطنة المنارة في الجليل الأعلى هي المستوطنة الأكثر تعرضاً للهجوم منذ بدء القتال مع حزب الله في 8 تشرين الأول/أكتوبر، بحيث أُحصِي فيها حتى الآن 130 حالة ضرر من أصل 930 حالة ضرر تم تسجيلها في عشرات المستوطنات، التي تبعد 9 كلم عن الحدود مع لبنان. وأضاف أزولاي في تقريره أن أكثر من ربع حالات الضرر التي عرفت فيها إدارة "أوفك"، حدثت في إطار أعمال "الجيش" الإسرائيلي، الذي "تميزت نشاطاته في بداية الحرب بالذعر والفوضى في الميدان"، بحسب جهات أمنية إسرائيلية.
وفي مثال على حالة الفوضى التي اتسمت بها أنشطة الجيش الإسرائيلي، أجرت القناة الـ"13" الإسرائيلية مقابلة مع أحد المزارعين في مستوطنة "أحيهود" القريبة من "كرميئل"، الذي اتهم "الجيش" الإسرائيلي بتخريب أرضه، من خلال إنشاء ساتر ترابي مرتفع فيها، ومنعه من حراثتها، على الرغم من أن المنطقة بعيدة عن الحرب، ويسود فيها الهدوء. وأشار المزارع الإسرائيلي إلى أنه لا يستطيع الاستمرار في العيش في هذه الحالة، إذ لا يوجد لديه أي مدخول، وهو يعيش من القروض من المصارف، التي يدفع عليها فوائد جنونيّة. وأضاف أنه توجّه إلى عدّة أماكن من قيادة المنطقة الشماليّة إلى وزارة الأمن، ولم يحصل على أي إجابة.
التعليم في الشمال مُنهار
وفيما يخص التعليم المتوقف في الشمال، حذر مراسل قناة "كان" الإسرائيلية لشؤون التعليم، ليران خوجهينوف، في تقرير أعده، من أن المعطيات تدل على أن الشمال مهمَل تربوياً، وأن الترجيحات تُشير إلى أن أغلبية السكان لن تعود إلى منازلها مطلع العام الدراسي الجديدـ، في الأول من أيلول/سبتمبر.
وأضاف خوجهينوف أنه، وفق المعطيات حتى الآن، بلغت نسب التسجيل في كريات شمونة 55% في رياض الأطفال، و67% للمرحلة المتوسطة. أما في المطلة، فنسبة التسجيل في رياض الأطفال والابتدائي بلغت 24% فقط. أما في شلومي فلبغت النسبة 40% في رياض الأطفال، و23% في المدارس الابتدائية.
وتطرق رئيس بلدية كريات شمونة، أفيحاي شترن، إلى الموضوع في مقابلة مع قناة "كان" الإسرائيلية، وقال إن "المشكلة تكمن في أن عدم اليقين هو ما يدفع الناس إلى عدم التسجيل، فالمسألة تتعلق بالأمل"، لافتاً إلى أن عدم افتتاح العام الدراسي في الأول من أيلول/سبتمبر، ستكون نتيجته مدمّرة.
وفي دراسة جديدة أعدها مركز "معرفة أشكول الجليل الشرقي والمعهد الأكاديمي تل حي"، نشرت نتائجها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تبين أن نصف تلاميذ المدارس المتوسّطة يتعلّمون 12 ساعة أسبوعياً فقط، و38% يتعلّمون 24 ساعة أسبوعياً، و11% فقط يتعلّمون أكثر من 24 ساعة أسبوعياً.