"ولاية النجم الوحيد" تهدد بالانفصال عن القطب الأميركي.. هل تنتزع تكساس استقلالها مرة أخرى؟

تضم ولاية تكساس المقوّمات الفعلية التي تمكنها من أن تكون دولة مستقلة قائمة بذاتها، فما الذي يعيق تحقيق ذلك؟ وهل هناك فائدة حقيقية وراء الانفصال؟

  • عاشت تكساس فترة استقلال دامت نحو 9 سنوات قبل أن تنضم رسمياً إلى الولايات المتحدة
    عاشت تكساس فترة استقلال دامت نحو 9 أعوام قبل أن تنضم رسمياً إلى الولايات المتحدة

تشهد ولاية تكساس، منذ عدة أيام، توترات سياسية عند حدودها مع المكسيك، الأمر الذي أثار جدلاً بشأن احتمال انفصال الولاية عن الاتحاد الأميركي.

الأزمة تتمحور حول رفض حاكم تكساس، غريغ أبوت، الامتثال لقرار المحكمة العليا، والقاضي بإزالة الأسلاك الشائكة على طول الحدود، والتي وُضعت لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين. 

في هذا الإطار، أجرت الميادين أونلاين لقاءً مع الباحث في الشؤون الأميركية، علي حسن مراد، الذي أكد أنّ "القانون الفيدرالي يمنح الولايات استقلالية في قضاياها، باستثناء الدفاع والموازنات، بحيث يكون الرئيس هو المسؤول عن حماية الحدود".

وأضاف مراد للميادين أنّ الحاكم، الذي وصف الأزمة بأنّها "غزو المهاجرين"، استغل بنداً في القانون المحلي يسمح له "بإعلان حالة الطوارئ، وتحريك الحرس الوطني نحو الحدود، في حالة وجود غزو".

وبرأي مراد، تُعَدّ مسألة الهجرة موضوعاً يخدم المصالح الانتخابية للحزب الجمهوري، بينما يَعُدّ الديمقراطيون أنّها "حاضنة انتخابية".

"جمهورية" تكساس.. تاريخ ومجتمع قائم بذاته 

كانت تكساس جزءاً من المكسيك قبل ضمّها من جانب الإمبراطورية الإسبانية في القرن السادس عشر، ثم استقلت عنها عام 1821. وخلال تلك الفترة، شهدت توافداً للمستوطنين الأميركيين الذين استقروا في المنطقة. وبعد نشوب توترات بينهم وبين الحكومة المكسيكية، أعلنت تكساس نفسها جمهوريةً مستقلة عن المكسيك في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1836، وأصبح لها دستورها الخاص وعلَمها وحكومتها الخاصة ولغتها الرسمية وعملتها، وأنشأت جيشاً يُعرف بـ "تكساس رينجرز" من أجل حماية نفسها من التهديدات المكسيكية والأميركية.

وعاشت تكساس فترة استقلال دامت نحو 9 أعوام، قبل أن تنضم رسمياً إلى الولايات المتحدة في 29 كانون الأول/ديسمبر 1845، بحيث دخلت المجتمع الدولي كواحد من أكبر الاقتصادات في العالم، إذ كانت تتمتع باحتياطي ضخم من النفط والغاز، وتضم موانئ دولية مزدحمة، وشبكة كهرباء مستقلة، وتتميز أيضاً بنظام ضريبي منخفض. ولا تزال تتصدر الولايات المتحدة في إنتاج الطاقة الأحفورية، بالإضافة إلى تصنيعها عناصر عالية التقنية، وريادتها في إنتاج القطن وتربية الماشية.

وحالياً، تُعَدّ تكساس ثاني أكبر قوة اقتصادية في الولايات المتحدة بعد كاليفورنيا، بحيث يقدَّر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9% من إجمالي الولايات المتحدة (بنحو 1.7 تريليون دولار)، وبذلك تتجاوز البلدان المتقدمة مثل كندا وكوريا الجنوبية وأستراليا. بالإضافة إلى ذلك، تسجل تكساس أيضاً معدل بطالة ثابتاً عند نحو 4%، الأمر الذي يجعلها محطة الطاقة التي تحدد مستقبل الولايات المتحدة.

ثورة تكساس، التي أنجبت استقلالها عام 1836، أثّرت بصورة دائمة في ثقافة الولاية وهويتها. وتتجلى هذه التأثيرات في المطبخ التكساسي والموسيقى المحلية، بالإضافة إلى الثقافة السياسية الفريدة للولاية. وتعكس الأطباق التقليدية، مثل طعام الكاوبوي، طبيعة حياة الرعاة الشاقة في الغرب الأميركي. وتعبّر موسيقى الكاوبوي والموسيقى الفولكلورية التكساسية عن قصص البطولة والحب للأرض. وفي كل عام، يحتفل سكان الولاية بعيد استقلال تكساس. كما يُوجَد في جميع أنحاء الولاية عدد من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية، بما في ذلك مبنى الكابيتول، بالإضافة إلى نصب تذكارية لأبطال الثورة وقادتها.

إذاً، تضم تكساس المقوّمات الفعلية التي تمكنها من أن تكون دولة مستقلة قائمة بذاتها، فما الذي يعوِّق تحقيق ذلك؟

هل يؤيد أهل تكساس فكرة الانفصال؟

بعد مواجهات دامية مع الحكومة المكسيكية، حقق التكساسيون الأوائل استقلالهم عن المكسيك. ونشبت هذه المواجهات بسبب رفضهم قرار حظر العبودية، والذي أثّر في مصالحهم. بعد استقلالها، طلبت الجمهورية التكساسية الانضمام إلى الولايات المتحدة لتسوية اقتصادها. 

انعكس التاريخ الذي شهدته الولاية على الرأي العام في تكساس، والذي ينقسم بشأن "هوية تكساسية" وأخرى أميركية ترفض تاريخها. وبحسب علي مراد، فإنّ أساس النزعة الانفصالية يمتد منذ حقبة جيم كرو المعروفة بالفصل العنصري، وتفوّق "النخب البيضاء".

حركة تكساس القومية (TNM) هي منظمة مستقلة نشأت عام 2005، برئاسة دانيال ميلير، وتدعو إلى استقلال تكساس. وأصدر ميلر كتاب "TEXIT" عام 2020. وكان هذا الاسم من أهم الهاشتاغات التي انتشرت في منصة "أكس". وما زال ميلر يؤمن بقدرة الشعب على تحقيق إرادته. وتُجري الحركة استفتاءً لهذه الغاية. من جهة أخرى، يجد منتقدو الحركة أنّ الانفصال عن الولايات المتحدة غير قانوني، وسيفشل كما حدث في القرن التاسع عشر خلال حرب العصابات والأزمة الدستورية.

وفي تغريدات لأهالي تكساس في منصة "أكس"، دعا برنت ديفيس إلى "الطلاق الوطني"، وإلى استصلاح الأرض بعيداً عن الحكومة الفيدرالية. وبخصوص المهاجرين، يعتقد ديفيس أنّ "الشركات العالمية تسعى لإبدال العمال الأميركيين بعمال أجانب، ذوي أجر رخيص، في مناطق بعيدة، ويرى أن هذا الاستبدال متعمَّد ومنسَّق". 

بدوره، يؤكّد جيسون دورمان أنّ تكساس هي "قوة عظمى"، وأنّ "الاستقلال قد يكون مخيفاً، لكن البقاء أميركياً هو خيار أسوأ". أمّا روندا تكسيتير، فتطالب بتصويت على الخروج من الاتحاد، لأنّ "الانضمام القسري لا يجعل الاتحاد حقيقياً، وأميركا بلد الحريات".

ووفقاً لاستطلاع للرأي، أجرته جامعة تكساس وصحيفة "ذا تكساس تريبيون"، في عام 2021، يؤيد نحو 37% من سكان الولاية الانفصال عن الولايات المتحدة إذا كان في إمكانها الانضمام إلى اتحاد جديد من الولايات، التي تشترك في قيمها وسياساتها. وكانت فيها النسبة الأعلى بين الجمهوريين (66%) من الديمقراطيين (15%). 

يشار إلى أنّ تكساس تُعَدّ واحدة من أكثر الولايات الأميركية جذباً للسكان. وخلال العقد الأخير فقط، أصبح نصف سكانها من المهاجرين الجدد، وأكثرهم من ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا، والذين يقصدونها هرباً من الضرائب المرتفعة، وبحثاً عن الرفاهية. فكيف سيغير ذلك ديموغرافيا المنطقة؟

بحسب علي مراد، فإنّ "تكساس، المعروفة بهيمنة الجمهوريين، تتلون شيئاً فشيئاً، ويمكن أن تتغير على إثره التوجهات السياسية لسكان الولاية".

وفي ظل الاستقلالية، التي يمنحها النظام الفيدرالي للولايات الأميركية، هل هناك فائدة حقيقية وراء الانفصال؟ وهل تعبّر تكساس، وقبلها فلوريدا، عن رغبة انفصالية حقيقيّة، أم أنها مجرد ابتزار سياسي لنيل مكاسب أخرى؟

نزعة حقيقية.. أم لعبة انتخابية؟

فكرة الانفصال ليست فكرةً مستجدة. فقبل بضعة أعوام، ألمح حاكم الولاية السابقة ريك بيري إلى أنّه إذا لم تتوقف واشنطن عن التدخل في ولايته، فإنّ الاستقلال قد يكون خياراً. وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلن الحزب الجمهوري في ولاية تكساس دعمه الرسمي فكرة الانفصال. 

في هذا السياق، قال مراد للميادين إنّ هناك حراكاً يترتب منذ شهور بالشراكة مع دونالد ترامب من أجل إثارة الرأي العام ضد "أزمة" المهاجرين، و"كأن المجتمع الأبيض مهدَّد"، وهدفه حصد أصوات انتخابية.

ووفق رأيه أيضاً، فإنّ ذلك "عملية ابتزاز لبايدن لإعادة صياغة مسودة مشروع القانون المتعلقة بحزمة المساعدات، بحيث جرى الاتفاق، السبت الماضي، على رفع مخصصات الحدود إلى نحو 20 ملياراً.

ويؤكد الباحث علي مراد أنّه، حتى بوجود أغلبية شعبية تؤيد الانفصال، فإنّ مراكز القوى الرأسمالية لن تقبل ذلك، فـ"الحكومة الفيدرالية لا تزال قوية بصورة كافية لضبط النزعات الانفصالية".

وأضاف أنّ "احتمال تحقُّق ذلك بعيد الأمد، ويحتاج إلى عوامل اقتصادية واجتماعية أكثر إلحاحاً، ومن الممكن أن نصبح أمام تكتل ولايات". 

وفقاً لبعض الدراسات، تساهم الحكومة الأميركية في نسبة 60% من إجمالي المساعدات المقدمة إلى الفقراء في تكساس. وفي حالة إعلان تكساس جمهورية مستقلة، ستتوقف الفوائد الفيدرالية، مثل المعونات الغذائية ووجبات الغداء المدرسية المجانية وتعويض البطالة، بالاضافة إلى أنّ الولايات الجنوبية تعتمد، بصورة كبيرة، على العمالة الرخيصة التي تؤمنها الهجرة. فهل ستكون الولاية "المستقلّة" مستعدة لهذه التحديات الجديدة؟