انتخابات رئاسية مرتقبة في تونس.. أي السيناريوهات أقرب إلى التحقق؟

56 مرشحاً أعلنوا ترشحهم للانتخابات الرئاسية القادمة في تونس، إلا أن الرئيس قيس سعيّد لم يعلن بعد ترشحه رسمياً لخوض السباق الانتخابي نحو قصر قرطاج.

  • انتخابات رئاسية مرتقبة في تونس.. أي السيناريوهات أقرب إلى التحقق؟
    انتخابات رئاسية مرتقبة في تونس.. أي السيناريوهات أقرب إلى التحقق؟

انطلقت في تونس منذ أمس الأحد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2024، وشرعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بشكل رسمي في الرقابة على الفضاء العام لرصد كل ما له علاقة بالشأن الانتخابي.

وأكدت الهيئة في بلاغ لها أنها تعمل على الحفاظ على سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته، من خلال منع الإشهار السياسي ومراقبة بث ونشر نتائج استطلاعات الرأي التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات، مؤكدة أيضاً أنها ستحرص على إنفاذ القانون والتصدي لكل الخطابات التي تتضمن الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز أو تضليل الناخبين ونشر الأخبار والإشاعات الكاذبة.

وستعمل الهيئة بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية في مراقبة تمويل الحياة السياسية أو تمويل أنشطة المترشحين المحتملين والأحزاب السياسية والجمعيات ذات العلاقة بالشأن الانتخابي.

وقد وصل عدد المرشحين المحتملين لخوض السباق الرئاسي إلى 56 مرشحاً محتملاً، بدأوا العمل على جمع التزكيات الشعبية المطلوبة، وهي المرحلة التي ستمتد حتى السادس من آب/أغسطس القادم، بحسب الناطق باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

يشار إلى أن من بين شروط الترشح للانتخابات الرئاسية أن يقدم المرشح تزكيات من 10 نواب من مجلس نواب الشعب، أو 40 تزكية من رؤساء الجماعات المحلية المنتخبة، أو 10 آلاف تزكية من الناخبين، تكون موزعة على 10 دوائر انتخابية على الأقل.

الرئيس التونسي المنتهية ولايته، قيس سعيّد، لم يعلن بعد ترشحه رسمياً لخوض السباق الانتخابي نحو قصر قرطاج، غير أن العديد من الأصوات القريبة من المسار السياسي لولاية الرئيس سعيّد تتوقع أن يكون هذا الإعلان في عيد الجمهورية في الخامس والعشرين من تموز/يوليو كمحطة سياسية لها دلالاتها ورمزيتها لدى التونسيين.

أهمية هذه الانتخابات واختلافها عن سابقاتها

هذا الاستحقاق الرئاسي سيكون مختلفاً عن سابقه شكلاً ومضموناً في تونس لعدة اعتبارات، أولها أن دستور البلاد الجديد يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية الذي يترأس بموجب دستور 2022 السلطة التنفيذية، وهو المُحدِد للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يعين الوزراء ويقيلهم، على خلاف ما كان ينص عليه دستور 2014 من صلاحيات محدودة بيد الرئيس، فيما كان مجلس نواب الشعب هو الذي يرسم ملامح المشهد السياسي ويمنح الثقة للحكومة أو يسحبها.

اختلاف الصلاحيات بين دستوري 2014 و2022 يجعل الاستحقاق الرئاسي المحطة السياسية الأهم والأبرز في تونس، ما دفع العديد من الأصوات المعارضة التي قاطعت المحطات السياسية التي أعقبت قرارات "الخامس والعشرين من جويلية" (تموز/يوليو) 2021، سواء الاستشارة الوطنية أو الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات التشريعية أو الانتخابات المحلية، معللة مواقفها بأنها تعتبر هذا المسار "انقلابياً"، وترفض الاعتراف به أو المشاركة في الاستحقاقات التي تمخضت عنه، هذه الأصوات راجعت حساباتها السياسية، معتبرة أن الانتخابات الرئاسية فرصة لتحقيق الاشتباك السياسي والصدام مع هذا المسار، لعلها تفلح في "قلب المشهد بأدوات ديمقراطية"، كما تقول، من خلال الاحتكام إلى الصندوق وإقناع الناخبين بضرورة التغيير.

من أجل خوض هذه المواجهة ورفع التحدي فيها، طالبت العديد من الأصوات السياسية والحقوقية في تونس بضرورة توفير مناخات سياسية ملائمة تليق بجدارة التونسيين بحياة ديمقراطية يتم فيها الاحتكام إلى إرادة الناخبين في إطار ديمقراطي وتداول السلطة بشكل سلمي وحضاري، ما يستدعي إطلاق الحريات، والكفّ عن الملاحقات القضائية بحق السياسيين والإعلاميين، وتحييد الإدارة، وضمان وصول المرشحين بقدرٍ من العدل والمساواة إلى وسائل الإعلام العامة، وإيقاف العمل بالمرسوم عدد 54 المتعلق بجرائم النشر في منصات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن هذا المرسوم الرئاسي بات يتهدد صاحب كل ذي رأي بالملاحقة القضائية.

هذه المطالب تأتي وسط أجواء تعددت فيها الملاحقات القضائية بحق عدد من الرموز السياسية التي أعلنت رسمياً عزمها على الترشح إلى الانتخابات الرئاسية على غرار عبد اللطيف المكي ومحمد لطفي المرايحي ومنذر الزنايدي، إلى جانب حرمان رموز سياسية أخرى تقبع وراء القضبان من أجل ملاحقات أو قضايا لم يحسم فيها القضاء إلى حد الآن بالإدانة أو بتبرئة المتهمين من القيام بإجراءات التفويض القانوني لجمع التزكيات وإيداع ملفاتهم للترشح، ما يعني استبعادهم بصفة آلية من خوض السباق. ويتعلق الأمر على سبيل الذكر بغازي الشواشي وعصام الشابي وعبير موسي.

في المقابل، يبدو أن الرئيس سعيّد انطلق في حملته الانتخابية من قبل حتى أن يعلن ترشحه رسمياً، بحسب مراقبين، من خلال تركيز نشاطه الرئاسي على الزيارات الميدانية على غرار لقاءاته بالمواطنين، وتشديده على أن الدولة حاضرة لتنصت إلى مشكلات الشعب وتفرض أداء المؤسسات لواجباتها.

بسرعات متفاوتة وإمكانيات متباينة، يبدو أن الرئيس سعيّد يسير، بحسب مراقبين، باتجاه الفوز بولاية ثانية، معولاً في ذلك على مخزون ثقة شعبي من وراء إطلاق الحرب على الفساد، هذا إذا لم تجتمع الأصوات المعارضة في البلاد على ترشيح شخصية جديرة بخوض السباق بندية مع الرئيس المنتهية ولايته حتى لا تتشتت الأصوات، فأي السيناريوهات أقرب إلى التحقق: التقاء المعارضة أم تثبيت مسار الخامس والعشرين من جويلية لمشروعه السياسي؟ هذا ما تكشفه الأيام القادمة.